Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 94, Ayat: 5-6)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي إن مع الضَّيقة والشدّة يسراً ، أي سعة وغِنى . ثم كرر فقال : { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } ، فقال قوم : هذا التكرير تأكيد للكلام كما يقال : اِرمِ اِرمِ ، اِعجَلْ اعجَلْ قال الله تعالى : { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } [ التكاثر : 3 4 ] . ونظيره في تكرار الجواب : بَلى بَلى ، لا ، لا . وذلك للإطناب والمبالغة قاله الفرّاء . ومنه قول الشاعر : @ هَممتُ بنفسِيَ بعضَ الهموم فأولَى لنفسي أولَى لها @@ وقال قوم : إن من عادة العرب إذا ذكروا اسماً معرّفاً ثم كرّروه ، فهو هو . وإذا نكَّروه ثم كرّروه فهو غيره . وهما اثنان ، ليكون أقوى للأمل ، وأبعث على الصبر قاله ثعلب . وقال ابن عباس : يقول الله تعالى خلقت عُسْراً واحداً ، وخلقت يُسْرين ، ولن يغلِب عسر يسرين . وجاء في الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في هذه السورة أنه قال : " لن يغلِب عسر يسرين " وقال ابن مسعود : والذي نفسي بيده ، لو كان العسر في حَجَر ، لطلبه اليسر حتى يدخل عليه ولن يغلب عسر يسرين . وكتب أبو عبيدة بن الجرّاح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعاً من الروم ، وما يُتخوّف منهم فكتب إليه عمر رضي الله عنهما : أما بعد ، فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من مَنزِل شِدّة ، يجعل الله بعده فرجاً ، وإنه لن يغلب عسر يسرين ، وإن الله تعالى يقول في كتابه : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ آل عمران : 200 ] . وقال قوم منهم الجُرْجانِيُّ : هذا قول مدخول لأنه يجب على هذا التدريج إذا قال الرجل : إن مع الفارس سيفاً ، إن مع الفارس سيفاً ، أن يكون الفارس واحداً والسيف اثنان . والصحيح أن يقال : إن الله بعث نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم مُقِلاًّ مُخِفًّا ، فعيره المشركون بفقره ، حتى قالوا له : نجمع لك مالاً فاغتم وظنّ أنهم كذبوه لفقره فعزَّاه الله ، وعدد نِعمه عليه ، ووعده الغنى بقوله : « فإنّ مع العسرِ يسرا » أي لا يحزنك ما عيروك به من الفقر فإن مع ذلك العسرِ يسرا عاجلاً أي في الدنيا . فأنجز له ما وعده فلم يمت حتى فَتَح عليه الحجاز واليمن ، ووسَّع ذات يده ، حتى كان يعطى الرجل المائتين من الإبل ، ويهب الهبات السنية ، ويُعِدّ لأهله قوت سنة . فهذا الفضل كله من أمر الدنيا وإن كان خاصاً بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقد يدخل فيه بعض أمته إن شاء الله تعالى . ثم ابتدأ فضلاً آخراً من الآخرة وفيه تأسِية وتعزِية له صلى الله عليه وسلم ، فقال مبتدئاً : { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } فهو شيء آخر . والدليل على ابتدائه ، تعرّيه من فاء أو واو أو غيرها من حروف النَّسْق التي تدل على العطف . فهذا وعد عام لجميع المؤمنين ، لا يخرج أحد منه أي إن مع العسر في الدنيا للمؤمنين يسرا في الآخرة لا محالة . وربما اجتمع يسر الدنيا ويسر الآخرة . والذي في الخبر : " لن يغلب عسر يسرين " يعني العسر الواحد لن يغلبهما ، وإنما يغلب أحدهما إن غلب ، وهو يسر الدنيا فأما يسر الآخرة فكائن لا محالة ، ولن يغلبه شيء . أو يقال : « إن مع العسر » وهو إخراج أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة « يسرا » ، وهو دخوله يوم فتح مكة مع عشرة آلاف رجل ، مع عِز وشرف .