Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 97, Ayat: 5-5)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قيل : إن تمام الكلام { مِّن كُلِّ أَمْرٍ } ثم قال { سَلاَمٌ } . روِي ذلك عن نافع وغيره أي ليلة القدر سلامة وخير كلها لا شر فيها . { حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ } أي إلى طلوع الفجر . قال الضحاك : لا يقدّر الله في تلك الليلة إلا السلامة ، وفي سائر الليالي يقضي بالبلايا والسلامة . وقيل : أي هي سلام أي ذات سلامة من أن يؤثر فيها شيطان في مؤمن ومؤمنة . وكذا قال مجاهد : هي ليلة سالمة ، لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءاً ولا أذى . وروي مرفوعاً . وقال الشعبيّ : هو تسليم الملائكة على أهل المساجد ، من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر يمرون على كل مؤمن ، ويقولون : السلام عليك أيها المؤمن . وقيل : يعني سلام الملائكة بعضهم على بعض فيها . وقال قتادة : { سَلاَمٌ هِيَ } : خير هي . { حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ } أي إلى مطلع الفجر . وقرأ الكسائي وابن مُحَيصِن « مَطلِع » بكسر اللام ، الباقون بالفتح . والفتح والكسر : لغتان في المصدر . والفتح الأصل في فَعَلَ يَفْعُل نحو المقتل والمخرج . والكسر على أنه مما شذ عن قياسه نحو المشرِق والمغرِب والمنبِت والمسكِن والمنسِك والمحشِر والمسقِط والمجزِر . حكى في ذلك كله الفتح والكسر على أن يُراد به المصدر لا الاسم . وهنا ثلاث مسائل : الأولى : في تعيين ليلة القدر وقد اختلف العلماء في ذلك . والذي عليه المُعْظَم أنها ليلة سبع وعشرين لحديث زِرّ بن حُبَيْش قال : قلت لأبيّ بن كعب : إن أخاك عبد الله بن مسعود يقول : من يَقِم الحَول يصِب ليلة القدر . فقال : يغفِر الله لأبي عبد الرحمن ! لقد عَلِم أنها في العشر الأواخر من رمضان ، وأنها ليلة سبع وعشرين ولكنه أراد ألا يتكل الناس ثم حلف لا يستثني : أنها ليلة سبع وعشرين . قال قلت : بأيّ شيء تقول ذلك يا أبا المنذر ؟ قال : بالآية التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو بالعلامة أن الشمس تطلع يومئذٍ لا شعاع لها . قال الترمذيّ : حديث حسن صحيح . وخرجه مسلم . وقيل : هي في شهر رمضان دون سائر العام قاله أبو هريرة وغيره . وقيل : هي في ليالي السنة كلها . فمن علق طلاق امرأته أو عتق عبده بليلة القدر ، لم يقع العِتق والطلاق إلا بعد مضِي سنة من يوم حلف . لأنه لا يجوز إيقاع الطلاق بالشك ، ولم يثبت اختصاصها بوقت فلا ينبغي وقوع الطلاق إلا بمضي حول ، وكذلك العِتق وما كان مِثله من يمين أو غيره . وقال ابن مسعود : من يَقُمِ الحول يصِبها فبلغ ذلك ابن عمر ، فقال : يرحم الله أبا عبد الرحمن ! أما إنه عَلِم أنها في العشر الأواخر من شهر رمضان ، ولكنه أراد ألا يتكل الناس . وإلى هذا القول ذهب أبو حنيفة أنها في جميع السنة . وقيل عنه : إنها رُفِعَتْ يعني ليلة القدر وأنها إنما كانت مرة واحدة والصحيح أنها باقية . وروي عن ابن مسعود أيضاً : أنها إذا كانت في يوم من هذه السنة ، كانت في العام المقبل في يوم آخر . والجمهور على أنها في كل عام من رمضان . ثم قيل : إنها الليلة الأولى من الشهر قاله أبو رَزِين العُقَيلي . وقال الحسن وابن إسحاق وعبد الله بن الزُّبير : هي ليلة سبع عشرة من رمضان ، وهي الليلة التي كانت صبيحتها وقعة بدْر . كأنهم نزعوا بقوله تعالى : { وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ } [ الأنفال : 41 ] ، وكان ذلك ليلة سبع عشرة ، وقيل هي ليلة التاسع عشر . والصحيح المشهور : أنها في العشر الأواخر من رمضان وهو قول مالك والشافعيّ والأوزاعيّ وأبي ثور وأحمد . ثم قال قوم : هي ليلة الحادي والعشرين . ومال إليه الشافعيّ رضي الله عنه ، لحديث الماء والطين ورواه أبو سعيد الخُدْرِيّ ، خرجه مالك وغيره . وقيل ليلة الثالث والعشرين لما رواه ابن عمر : " أن رجلاً قال : يا رسول الله إني رأيت ليلة القدر في سابعة تبقى . فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : « أَرى رؤياكم قد تواطأت على ثلاث وعشرين ، فمن أراد أن يقوم من الشهر شيئاً فليقَم ليلة ثلاث وعشرين » " قال معمر : فكان أيوب يغتسل ليلة ثلاث وعشرين ويمس طِيباً . وفي صحيح مسلم : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " إني رأيت أني أسجد في صبيحتها في ماء وطين " قال عبد الله بن أنيس : فرأيته في صبيحة ليلة ثلاث وعشرين في الماء والطين ، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل : ليلة خمس وعشرين لحديث أبي سعيد الخدرِيّ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " التمسوها في العشر الأواخر في تاسعة تبقى ، في سابعة تبقى ، في خامسة تبقى " رواه مسلم ، قال مالك : يريد بالتاسعة ليلة إحدى وعشرين ، والسابعة ليلة ثلاث وعشرين ، والخامسة ليلة خمس وعشرين . وقيل : ليلة سبع وعشرين . وقد مضى دليله ، وهو قول عليّ رضي الله عنه وعائشة ومعاوية وأبيّ بن كعب . وروى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من كان متحرياً ليلة القدر ، فليتحرّها ليلة سبع وعشرين " وقال أبيّ بن كعب : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليلة القدر ليلة سبع وعشرين " وقال أبو بكر الوراق : إن الله تعالى قسم ليالي هذا الشهر شهر رمضان على كلمات هذه السورة ، فلما بلغ السابعة والعشرين أشار إليها فقال : هي . وأيضاً فإن ليلة القدر كُرر ذكرها ثلاث مرات ، وهي تسعة أحرف ، فتجيء سبعاً وعشرين . وقيل هي ليلة تسع وعشرين لما روِي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " ليلة القدر التاسعة والعشرون أو السابعة والعشرون وأن الملائكة في تلك الليلة بعدد الحصى " وقد قيل : إنها في الأشفاع . قال الحسن : ارتقبت الشمس ليلة أربع وعشرين عشرين سنة ، فرأيتها تطلع بيضاء لا شعاع لها . يعني من كثرة الأنوار في تلك الليلة . وقيل إنها مستورة في جميع السنة ليجتهد المرء في إحياء جميع الليالي . وقيل : أخفاها في جميع شهر رمضان ، ليجتهدوا في العمل والعبادة ليالي شهر رمضان ، طمعاً في إدراكها كما أخفى الصلاة الوسطى في الصلوات ، واسمه الأعظم في أسمائه الحسنى ، وساعة الإجابة في ساعات الجمعة وساعات الليل ، وغضبه في المعاصي ، ورضاه في الطاعات ، وقيام الساعة في الأوقات ، والعبد الصالح بين العباد رحمة منه وحكمة . الثانية : في علاماتها : منها أن الشمس تطلع في صبيحتها بيضاء لا شعاع لها . وقال الحسن : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر : " إن من أماراتها : أنها ليلة سَمْحَة بَلْجَة ، لا حارّة ولا باردة ، تطلع الشمس صبيحتها ليس لها شعاع " وقال عبيد بن عمير : كنت ليلة السابع والعشرين في البحر ، فأخذت من مائه ، فوجدته عذباً سلِساً . الثالثة : في فضائلها . وحسبك بقوله تعالى : { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } . وقوله تعالى : { تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا } . وفي الصحيحين : " مَنْ قام ليلةَ القَدْر إيماناً واحتساباً غَفَر اللَّهُ له ما تَقَدَّم من ذَنْبه " رواه أبو هريرة . وقال ابن عباس : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " إذا كان ليلةَ القدْرِ ، تَنَزَّلَ الملائكةُ الَّذينَ هم سُكان سِدرة المُنْتَهى ، منهمْ جبريلُ ، ومعهم أَلْوِيةٌ يُنْصَبُ منها لواءٌ على قبري ، ولواء على بيت المقدس ، ولواء على المسجد الحرام ، ولواء على طُور سَيْناء ، ولا تَدَعُ فيها مؤمناً ولا مؤمنة إلاّ تُسَلِّم عليه ، إلا مُدْمِن الخمر ، وآكِلَ الخِنزيرِ ، والمتَضَمِّخ بالزعفران " وفي الحديث : " إن الشيطانَ لا يخرجُ في هذه الليلة حتّى يُضيءَ فجرها ، ولا يستطيعُ أن يصيب فيها أحداً بخَبْل ولا شيء من الفساد ، ولا ينفذ فيها سحر ساحر " وقال الشعبيّ : وليلُها كيومها ، ويومها كليلها . وقال الفرّاء لا يقدّر اللَّهُ في ليلة القَدْر إلا السعادة والنعم ، ويقدِّر في غيرها البلايا والنقم وقد تقدّم عن الضحاك . ومثله لا يقال من جهة الرأي ، فهو مرفوع . والله أعلم . وقال سعيد بن المسيب في الموطأ : مَنْ شهِد العشاءَ من ليلة القدْر ، فقد أخذ بحظّه منها ، ومثله لا يُدْرك بالرأي . وقد رَوَى عُبَيد الله بن عامر بن ربيعة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من صلى صلاة المغرب والعشاء الآخرة من ليلة القدر في جماعة فقد أخذ بحظه من ليلة القدر " ذكره الثعلبي في تفسيره . : " وقالت عائشة رضي الله عنها : قلت : يا رسول الله إن وافقتُ ليلةَ القدْرِ فما أقول ؟ قال : « قُولي اللهم إنك عفُوٌّ تُحِبّ العفوَ فاعفُ عنِّي » "