Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 99, Ayat: 7-8)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه ثلاث مسائل : الأولى : قوله تعالى : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } كان ابن عباس يقول : مَن يعمل من الكفار مثقال ذرّة خيراً يَرَهُ في الدنيا ، ولا يُثاب عليه في الآخرة ، ومن يعمل مثقال ذرّة من شر عُوقب عليه في الآخرة ، مع عقاب الشرك ، ومن يعمل مثقال ذرة من شر من المؤمنين يَرَهُ في الدنيا ، ولا يعاقَبْ عليه في الآخرة إذا مات ، ويُتجاوز عنه ، وإن عمل مثقال ذرّة من خير يُقْبلْ منه ، ويضاعفْ له في الآخرة . وفي بعض الحديث : " الذرّة لا زِنة لها " وهذا مَثَلٌ ضَرَبه الله تعالى : أنه لا يُغْفِل من عمل ابن آدم صغيرةً ولا كبيرة . وهو مِثل قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } [ النساء : 40 ] . وقد تقدم الكلام هناك في الذرّ ، وأنه لا وزن له . وذكر بعض أهل اللغة أن الذرّ : أن يضرب الرجل بيده على الأرض ، فما علِق بها من التراب فهو الذَّرّ ، وكذا قال ابن عباس : إذا وضعت يدك على الأرض ورفعتها ، فكل واحد مما لزق من التراب ذَرَّة . وقال محمد بن كعب القُرَظِيّ : فمنْ يَعْمَل مِثقْالَ ذَرّة منْ خَيْر من كافر ، يرى ثوابه في الدنيا ، في نفسه وماله وأهله وولده ، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله خير . ومن يعمل مثقال ذرّة من شرّ من مُوْمن ، يرى عُقوبته في الدنيا ، في نفسه وماله وولده وأهله ، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله شرّ . دليله ما رواه العلماء الأثبات من حديث أنس : أن هذه الآية نزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يأكل ، فأمسك وقال : يا رسول الله ، وإنا لنُرَى ما عَمِلْنا من خير وشرّ ؟ قال : " ما رأيت مما تكره فهو مثاقيل ذرّ الشرّ ، ويُدَّخَر لكم مثاقيلُ ذَرّ الخير ، حتى تُعْطَوْه يومَ القِيامة " . قال أبو إدريس : إن مِصْداقه في كتاب الله : { وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } [ الشورى : 30 ] . وقال مقاتل : نزلت في رجلين ، وذلك أنه لما نزل { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ } [ الإنسان : 8 ] كان أحدهم يأتيه السائل ، فيستقل أن يعطِيه التمرة والكِسرة والجوزة . وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير ، كالكَذبة والغِيبة والنظْرة ، ويقول : إنما أوعد الله النار على الكبائر فنزلت ترغبهم في القليل من الخير أن يُعْطُوه فإنه يوشِك أن يكثُر ، ويُحَذِّرهُمْ اليسيرَ من الذنب ، فإنه يوشِك أن يكثُر وقاله سعيد بن جبير . والإِثم الصغير في عين صاحبه يوم القيامة أعظم من الجبال ، وجميع محاسنه أقل في عينه من كل شيء . الثانية : قراءة العامة « يَرَهْ » بفتح الياء فيهما . وقرأ الجَحْدَرِيّ والسُّلَمِيّ وعيسى ابن عمر وأبان عن عاصم : « يُرَهْ » بضم الياء أي يُريه اللَّهُ إياه . والأَوْلَى الاختيار لقوله تعالى : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً } [ آل عمران : 30 ] الآية . وسكن الهاء في قوله « يَرَه » في الموضعين هشام . وكذلك رواه الكسائي عن أبي بكر وأبي حَيْوة والمغيرة . واختلس يعقوب والزهري والجحدرِي وشيبة . وأشبع الباقون . وقيل « يَرَه » أي يرى جزاءه لأن ما عمله قد مضى وعُدم فلا يُرَى . وأنشدوا : @ إنّ منْ يَعْتدِي ويَكْسِبُ إِثْما وَزْنَ مِثْقالِ ذرّة سَيَرَاهُ ويُجَازَى بفعله الشرَّ شرا وبفعل الجميلِ أيضاً جَزَاهُ هكذا قوله تبارك ربِّي في إذا زُلزلت وجَل ثَناه @@ الثالثة : قال ابن مسعود : هذه أحكم آية في القرآن وصَدّق . وقد اتفق العلماء على عموم هذه الآية القائلون بالعموم ومن لَمْ يقل به . وروى كعب الأحبار أنه قال : لقد أنزل الله على محمد آيتين أحْصَتَا ما في التوراة والإنجيل والزَّبور والصُّحُف : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } . قال الشيخ أبو مَدْين في قوله تعالى : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } قال : في الحال قبل المآل . وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يسمي هذه الآية الآية الجامعة الفاذة كما في الصحيح لما سئل عن الحُمُر وسكت عن البغال ، والجواب فيهما واحد لأن البغل والحمار لا كَرّ فيهما ولا فرّ فلما ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم ما في الخيل من الأجر الدائم ، والثواب المستمر ، سأل السائل عن الحُمُر ، لأنهم لم يكن عندهم يومئذٍ بَغْل ، ولا دخل الحجاز منها إلا بغلة النبيّ صلى الله عليه وسلم « الدُّلْدُل » ، التي أهداها له المقوقِس ، فأفتاه في الحَمِير بعموم الآية ، وإن في الحمار مثاقيل ذرّ كثيرة قاله ابن العربيّ . وفي الموطأ : أن مِسْكيناً استطعم عائشة أم المؤمنين وبين يديها عِنَب فقالت لإنسان : خذ حبة فأعطه إياها . فجعل ينظر إليها ويعجب فقالت : أتعجب ! كم ترى في هذه الحبَة من مثقال ذرّة . وروي عن سعد بن أبي وَقَّاص : أنه تصدق بتمرتين ، فقبض السائل يده ، فقال للسائل : ويقبل الله منا مثاقيل الذرّ ، وفي التمرتين مثاقيل ذرّ كثيرة . وروى المُطَّلب بن حَنْطَب : " أن أعرابياً سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يَقرأُها فقال : يا رسول الله ، أمثقالُ ذرّة ! قال : « نعم » فقال الأعرابيّ : واسَوْأَتَاه ! مِراراً : ثم قام وهو يقولها فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : « لقد دَخَلَ قلبَ الأَعْرابيّ الإيمانُ » " وقال الحسن : قَدِم صعصعة عَمّ الفرزدق على النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فلما سمع { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } الآيات قال : لا أبالي ألا أسمع من القرآن غيرها ، حَسْبي ، فقد انتهت الموعظة ذكره الثعلبي . ولفظ الماوردِيّ : ورُوي أن صعصعة بن ناجية جدّ الفرزدق أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم يستقرئه ، فقرأ عليه هذه الآية فقال صعصعة : حسبي حسبي إن عَمِلتُ مِثقالَ ذرَّةٍ شَرًّا رأيتُه . ورَوى مَعمر عن زيد بن أسلم : " أن رجلاً جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : عَلِّمني مما علمك الله . فدفعه إلى رجل يعلمه فعلمه { إِذَا زُلْزِلَتِ } حتى إذا بلغ { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } قال : حسبي . فأخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : « دَعُوهُ فإنَّهُ قد فَقُه » " ويحكى أن أعرابياً أخَّر « خَيْراً يَرَهُ » فقيل : قدمت وأخرت . فقال :