Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 3-4)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَّاوَاتِ وَالأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّام } أَوقات ، أَو مقدار ستة أَيام من أَيام الدنيا بلياليها ، واليوم فى اللغة يطلق على الوجهين وعلى النهار لا حقيقتها لأَنه لا شمس قبل خلقهن ، يروى عن ابن عباس أَن كل يوم من الستة ألف سنة ، فالستة من أَيام الآخرة وهو قادر أَن يخلقهن وأَضعافهن فى أَقل من لحظة ، ولكن تعليم لخلقه أَن يتمهلوا للتثبت ، والله يختص بعلم حكمة الستة الخاصة مع أَن التثبت يمكن بأَقل وبأَكثر أَيضاً ، ويقال السماوات والأَرض هن أَصول الحوادث اليومية لأَن السماءَ والأَرض كالقابل ولا يحتاج إِلى هذا مع إِيهامه أَن للنجوم تأْثيراً فى الحوادث ، وهو قول الكفرة { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } خلقه ، وكان الاستواءُ على ظاهره مع القول بلا كيف فإِنه دخول فى الظلمة بعد وجود النور ، ومن كان غنياً عن الأَمكنة والأَزمنة فهو غنى عنها لا يحل فيها ، تعالى عن صفات الخلق ، والعرش قبل السموات لقوله تعالى : وكان عرشه على الماءِ ، فثم بمعنى الواو أَو للترتيب الذكرى بلا مهلة ، ومر كلام فى الأَعراف ، ويجوز أَن يراد بالعرش واستوائه عليه تصرفه فيه بالإِحداث والإِعدام والتحريك والإِسكان وجميع الأَحوال . وقيل الاستواءُ على العرش بسط السماوات والأَرض وتشكيلها بالأَشكال الموافقة لمصالحها وما خلقن لأَجله وغير ذلك { يُدَبِّرُ } يقدر وحده بحسب الحكمة والمراتب ، وفسره مجاهد بالقضاءِ ولا يحتاج إِلى فكر ، ولاعتبار الحكمة ناسب لفظ يدبر فهو مجازى باللزوم والتسبب ، ومعنى يدبر دبر فهو بمعنى الماضى وليس للتجدد إِلا على معنى متعلق تدبيره الأَزلى ، فإِنه يتعلق بالحادث إِذا حدث { الأَمْرَ } أَو حال من ضمير استوى أَو مستأْنف { مَا مِنْ شَفِيعٍ } لأَحد فى وقت من الأَوقات { إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذنِهِ } دفع لأَن يساوى أَو يفاق ، ورد على من زعم أن الأَصنام تشفع فإِنها ليست أَهلا أَن تشفع بدليل ضعفها وعدم تكليفها ، وإِثبات للشفاعة لمن أَذن له فيها لفضله بالعمل بالتكليف ، والأَصنام لا تنطق ولا تدرك فكيف تشفع فليس من شأْنها أَن يؤذن لها ، وإِنما الإِذن لطالبه المدرك ، فالآية تتضمن نفى إِدراكها ونطقها ، ونفى شفاعتها ، والجملة خبر آخر أَو حال من ضمير يدبر أَو مستأْنف { ذَلِكُمُ } أَى الخالق المستوى على العرش المدبر للأَمر الذى لا يخرج شىءٌ عن إِذنه { اللهُ } خبر أَو بيان { رَبَّكُمْ } خبر ثان أَو خبر وهذا تأْكيد لقوله { إِن ربكم الله الذى خلق } إِلخ { فَاعْبُدُوهُ } وحدوه أَو اعبدوه وحده ، عطف إِنشاء على إِخبار ، وإِن شئْت فذالكم إِلخ بمعنى وحدوه ، فهو فى معنى الأَمر ، واعبدوه أَطيعوه { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } أَتعلمون أَن الأَمر ذلك فلا تذكرون أَنه لا شريك له فى الأُلوهية ولا فى العبادة كما أَنه لا يشاركه شىء فى الخلق والتدبير ولا يستقل بهما غيره ، وأَنه لا يعبث ولا يترك الخلق سدى فلا بد أَن يكون للعالم خالق مخالف لها قادر ، كما قال إِن ربكم إِلخ ، وأَن يتحقق البعث للجزاءِ المرتب على الإِنذار والتبشير كما قال : { إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً } إِلخ فلا بد من بعث الرسول لإِقامة الحجة ومن الرجوع إِلى الله إِلى غيره ولا مع غيره بالبعث للجزاءِ فاستعدوا لذلك . { وَعْدَ اللهِ حَقّاً } مثل ما تقدم { إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ } بالإِنشاءِ { ثُمَّ يُعِيدُهُ } بعد موته ، تعليل جملى أَو مستأَنف كأَنه قيل كيف يكون المرجع إِلى الوعد ، فقال إِنه يبدأُ الخلق فإِذا قدر على بدئه فكيف لا يقدر على إِعادته فى بادىءِ الرأَى ، وأَما عند الله فسواءٌ ، والمضارع للتجدد والتكرير أَولى من كونه بمعنى الماضى والخلق بمعنى المخلوق { لِيَجْزِىَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } وترك المحرمات . وترك المحرمات عمل صالح . أَو يقدر واتقوا { بِالْقِسْطِ } بعدله سبحانه وتعالى أَو بعدلهم فى الاعتقاد والقول والعمل ، أَو جزاء التوحيد التام المستتبع للعمل كما أَنه سمى الشرك بضد العدل إِن الشرك لظلم عظيم ، متعلق بيجزى حال من الذين أَو ضمير يجزى كما رأَيت ، والوجهان الآخران أَولى لمناسبتهما قوله تعالى { وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ } إِذا جزى الكفار بكفرهم فيكون جزى المؤمنين بكسبهم ، وجزى الكفار بكسبهم ، والباء عليهما بدلية أَو سببية ، والحميم بالغ النهاية فى الحرارة ، والأَنسب بقوله ليجزى إِلخ أَن يقال وليجزى الذين كفروا بشراب من حميم وعذاب أَليم ، أَو ويجزى الذين كفروا إِلخ ، أَو الذين كفروا بشراب إِلخ لكن لم يذكر الجزاءَ وعبر بالجملة الاسمية مبالغة فى استحقاقهم العذاب ، والتنبيه على أَن المقصود من البدءِ والإِعادة بالذات هو الثواب وأَن العقاب واقع بالعرض إِذ لم يجعل العقاب علة للبدءِ والإِعادة كالإِثابة ، ولو كان أَيضاً علة لكن ترك ذكره لذلك ، والتنبيه على أَنه يتولى إِثابة المؤمنين بما يليق بلطفه ، ولذلك لم يعينه فهو لا يدخل تحت ضبط ، ولذلك أَضاف الجزاءَ لنفسه وأَما عقاب الكفرة فكأَنه داءٌ سافه إِليهم اعتقادهم ، فكان سوءُ الاعتقاد فاعل العقاب ، ولم يسند إِليه تعالى ولو كان مقصودا ، وقوله { إِنه يبدأُ الخلق ثم يعيده } [ يونس : 4 ] إِلخ تعليل لقوله إِليه مرجعكم جميعاً ، فإِنه لما كان المقصود بالذات وهو الإِثابة وبالعرض وهو العقاب من البدءِ والبعث مجازاة المكلفين على اعتقادهم وأَفعالهم كان مرجع الجميع إِليه خاصة ، وللتأْكيد قال : والذين كفروا إِلخ بإِسنادين ، ولم يقل للذين كفروا شراب بإِسناد واحد .