Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 2-2)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَكَانَ } استفهام تعجيب أَو إِنكار للياقة تعجبهم منه تعجب إِنكار فإِنهم تعجبوا منه منكرين له { لِلنَّاسِ } متعلق بكان لأَن التحقيق أَن كان وأَخواتها دوال على الحدث ، أَو حال من قوله { عَجَباً } وهو خبر كان واسمها { أَنْ أَوْحَيْنَا } أَى أَكان للناس إِيحاؤُنا عجبا ، والعجب استعظام أَمر خفى سببه ، أَو حالة تعترى الإِنسان من رؤية شىءٍ على خلاف العادة ، أَو حالة تعترى الإِنسان عند الجهل بسبب شىءٍ { إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ } وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، يقولون : العجب أَن الله سبحانه وتعالى لم يجد رسولا لا يرسله إِلا يتيم أَبى طالب لا مال له ولا جاه ؛ لجهلهم أَو لعنادهم ، فإِن خفة المال أَليق بالاشتغال بأَداءِ الرسالة ولم يثبت عندهم أَن كل نبى له مال واسع ، ولا أَن كل نبى له جاه ، وإِن وقع لبعضهم مال كإِبراهيم وسليمان وأَيوب ، أَو يحتمل أَن يكون المعنى إِلى رجل لا ملك ، أَبعث الله بشرا رسولا ، لو شاءَ لأَنزل ملائِكة ، وهذا أَكثر فى القرآن ، ويناسبه قوله منهم فإِنه ليس لو كان من سائِر العرب لرضوا ، وأَما عزة نسبه وبلاغته وعفته وأَمانته فلا ينكرونها { أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ } تفسير لأَوحينا إِذ فيه معنى القول دون حروفه فأن تفسيرية أَو مفعول به أَى أَوحينا إِليك إِنذار الناس ، فأَن مخففة والذى عندى أَن حرف المصدر لا يدخل على الطلب أَو الإِنشاء اللهم على تقدير القول ، أَى أَنه قيل له : أَنذر الناس ، ثم رأَيت للجمهور والإِمام أَبى حيان أَنه لا يدخل على الإِنشاء لأَن المصدر لا يدل عليه ، واعترض بأَنه يفوت معنى المضى والاستقبال أَيضاً إِنما دخلت على الأَخبار . قلت : اعتراض باطل لأَن المصدر صالح فى المعنى للمضى والاستقبال استعمالا ، وأَيضاً يدل على الحدث والزمان لازم للحدث { وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ } أَى بأَن لهم قدم صدق ، وإِنما عمم الإِنذار وخص التبشير بالذين آمنوا لأَنه لا يخلوا مكلف عن شىءٍ ينذر فيه ، وليس فى الكفار ما يبشرون به فخص التبشير بهم . ويجوز أَن يراد بالناس الكفار المعهودون فى قوله : أَكان للناس ، وعلى الأَول يدخلون بالأولى ، وقدم الصدق المنزلة الرفيعة سميت باسم قدم المشىلأَن السبق بها فهو سبق إِليها كما يسمى النعمة يداً لأَنها تكسب بها وتعطى بها ، وذلك من باب التسمية بالآلة والسبب ، والمراد الأَعمال الصالحة ، وأَضافها للصدق تنبيها على تحقيقها وإِخلاصها لله عز وجل ، ويجوز أَن يراد الثواب ، وقيل : السعادة فى علم الله أَو فى اللوح . وقيل : شفاعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وقدم فى هذه الأَقوال بمعنى أَنه يقدم على تلك الأَشياء ، وحذف المنذر به للتهويل وشمول كل من يصلح ، وذكر المبشر به ترغيباً فى الطاعة وثوابها ، وقدم الإِنذار لأَن التخلى قبل التحلى ، وفسر قدم بسابقة سبق لهم خير عند الله وهو عملهم المخزون عنده ، أَو ثوابهم أَو الأَصل القدم الصادقة ، وأُضيف المنعوت للنعت ، وجعل المصدر وهو الصدق موضع اسم الفاعل فيؤول لقدم هى الصدق ، أَو قدم الأَمر الصادق ، ويقال : القدم مجاز مرسل عن السبق لكونه سبباً وآلة ، والسبق مجاز عن الفضل والتقدم المعنوى إِلى المنازل الرفيعة ، فهو مجاز بمرتبتين وإِن جعلنا السبق عاماً للمعنوى والحسى فالمجاز بمرتبة ، وقيل : المراد تقدمهم فى دخول الجنة . قال صلى الله عليه وسلم : " نحن السابقون الآخرون يوم القيامة " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " الجنة محرمة على الأَنبياء حتى أَدخلها وعلى الأُمم حتى تدخلها أُمتى " ، وقيل : القدم محمد صلى الله عليه وسلم { قَالَ الْكَافِرُونَ } هؤلاءِ المتعجبون عبر عنهم باسم الكفر إِيذانا بأَن تعجبهم صور عن كفرهم أَو مطلق الكافرين { إِنَّ هَذَا } أَى القرآن المشتمل على رسالة محمد أَو ما جاءَ به محمد قرآناً أَو غيره ، والأَول أَولى لأَن السياق جاءَ بالكتاب وهو القرآن لا بعموم الوحى ، إِلا أَن يتكلف أَنه ذكر إِشارتهم العامة فى غير المحل { لَسِحْرٌ مُبِينٌ } ظاهر . وفى وصفهم القرآن بالسحر إِقرار بأَنهم رأَوا من القرآن أَمراً خارقاً للعادة من البلاغة والإِخبار بالغيوب مع عجزهم عن معارضته ، ولو لم يخرق العادة لم يسموه سحراً ، والمراد بالسحر ما حصل من معالجة السحر للأَنفس ، المعنى المصدرى . وقيل هذا إِشارة إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسحر مبالغة أَو بمعنى ذو سحر أَو ساحر .