Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 83-86)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى } انقاد له أَول أَمره كما تدل له الفاءُ لما أَلقوا وأَلقى عقبه إِيمان قليل كما قال { إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ } شبان { مِنْ قَوْمِهِ } من قوم موسى على معنى أَن غالب ذرية بنى إِسرائيل كفروا حين كانوا فى حكم فرعون ، دعاهم موسى فلم يجيبوه إِلى الإِسلام ، وأَجابه القليل منهم سراً كما قال { عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ } أَن يعاقبهم على الإِيمان بموسى ، وعلى خوف بمعنى مع خوف ، وهو متعلق بمحذوف حال . وقيل الذرية الإِسرائيليون الذين بمصر أَرسل إِليهم موسى وقد كفروا بالقهر ومخالطة القبط ، كما أَرسل إِلى القبط . هلك الآباءُ وبقيت الأَبناءُ وسموا ذرية بهذا الاعتبار ، وقيل نجا قوم من قتل فرعون وكفروا ، كانت المرأَة إِذا ولدت ولدا أَسلمته لقبطية خوفاً عليه فينشأُ على الكفر ، ولما غلب موسى آمنوا ، ولفظ ذرية للقلة وحداثة السن ، وقيل المراد مطلق الإٍسرائيلين ، كانوا على الإِيمان ولم يطيقوا إِظهاره ، ورجوع هاءِ قومه إِلى موسى هو الظاهر ، وقيل الهاءُ لفرعون وفيه أَنه لو كان كذلك لقيل إِلا ذرية من قومه على خوف منه برد الهاءَين إِلى فرعون لظهور أَنه لا خوف من موسى على الإِيمان ، أَو قيل إِلا ذرية من قوم فرعون على خوف منه كامرأَة فرعون ومؤمن آل فرعون وخازنه وامرأَة خازنة وماشطة ابنتى فرعون ، وقيل ماشطة فرعون نفسه ، كانت له ضفائِر عين لها ماشطة . قال الفراءُ : سموا ذرية لأَن آباءَهم من القبط ، كما سمى أَولاد فارس الذين نقلوا إِلى اليمن الأَبناءُ لأَن أَمهاتهم من غير جنس الآباءِ ، وكان الرجل يتبع أُمه وخاله فى الإِيمان ، واعترض رد الضمير لفرعون ببعده وقرب موسى ، مع أَن إِعلان الإِيمان من قوم فرعون غير منقول قبل هلاكه إِلا السحرة ، وبأَن موسى هو المحدث عنه ، واعترض بأَن الكلام فى قوم فرعون لأَنهم القائِلُون أَنه ساحر ، وأَن بنى إِسرائيل فى قهر فرعون وبشروا بالخلاص على يد مولود نبى صفته كذا ، ولما ظهر اتبعوه ، ولم يعرف أَن أَحدا منهم خالفه ، وفى الآية تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأَن معجزات موسى مدركة بالحس ظاهرة ، ومع ذلك لم يؤمن به من قومه إِلا قليل { وَمَلَئِهِمْ } ملإِ فرعون ، وكان بضمير الجمع على عادة الناس فى رد ضمير الجمع للواحد تعظيماً على فرض اعتياد ذلك فى قوم فرعون كما يصف الله الأَصنام بصيغ العقلاءِ كالذين لأَن ذلك عادة عابديها ، واعترض بأَن التعبير بالواحد عن الجمع تعظيماً معتاد فى التكلم كما يقال نحن فعلنا والمراد واحد والخطاب نحو رب ارجعون وقوله : أَلا فارحمونى يا إِله محمد . إِلا أَن الفارسى نقله فى الغائب ، والحافظ حجة والمثبت مقدم عن النافى ، أَو فرعون هنا اسم لقومه كعاد وثمود اسم للقبلتين مسميين باسمى أَبويهما ، وكربيعة ومضر وقريش ، واعترض بأَن هذا فى القبيلة وأَبيها وفرعون ليس أَبا للقبط مع أَن مثل هذا محتاج إلى السماع لا مقول بالقياس ، فلا يقال فلان من هاشم بل من بنى هاشم وهكذا ، أَو الهاءُ للذرية أَو لقوم موسى أَو قوم فرعون سواءٌ جعلنا الضمير فى قومه لموسى أَو لفرعون ، وإِذا جعلنا الهاءَ للذرية فالمراد ذرية فرعون لا ذرية موسى ، إِذ لا وجه لخوف الذرية المؤمنة من ملئِهم ، إِلا أَن يراد ملأُ بنى إِسرائيل الناشئِين تحت فرعون فى كفر أَو الناشئِين فى إِيمان ، خافوا الهلاك على من دونهم فمنعوهم من الإِيمان أَو إِظهاره ، وقيل عائِد إِلى الأَل المقدر هكذا ، على خوف من آله فرعون ، ويرده أَنه لا دليل عليه ، وقد وجدنا مرجعاً للهاء بدون هذا التقدير ، وكذا يرد على من قدر على خوف من فرعون وقومه وملئِهم ، وقول السعد والرضى جمع المفرد تعظيماً مختص بضمير المتكلم غير مسلم ، بل يقع فى ضمير المخاطب والغائب أَيضاً كما مر ، والظاهر كما ورد لأَن العلة واحدة ، وإِذا أَطلق اسم الأَب على قبيلته فتارة يراد معها وتارة تراد دونه ، وإِذا عبر بآل فلان فتارة يراد فلان وتارة كلاهما وتارة أَهله دونه { أَن يَفْتِنَهُمْ } يصرفهم عن دينهم بالعذاب ، والمصدر بدل اشتمال من فرعون أَو مفعول به لخوف من إِعمال المصدر المنون أو علة لمحذوف أَى أَسروا لئَلا يفتنهم ، ولم يجمع ضمير الرفع فيعود لفرعون والملأَ ، لأنَ الصرف والعذاب منهم تبع له وعمل بأمره ، وكأَنهم لم يخافوا سواه ، وإِن أُريد من فرعون قومه على ما مر فرد الضمير إليه هنا لنفسه خاصة استخدام { وَإِنَّ فِرْعْونَ لَعَالٍ } متكبر غالب . { فِى اْلأَرْضِ } هذا تأْكيد لما قبله لأَن العلو من أسباب تمكن التعذيب ، والمراد بالأَرض أَرض مصر { وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ } المبالغين فى التكبر حتى ادعى الربوبية وطرح العبودية حتى قال أنا ربكم الأَعلى ، واسترق أَسباط الأَنبياءِ وسفك الدماءَ . { وَقالَ مُوسَى } تثبيتا للقلوب من آمن به إذ خافوا { يَاقَوْمِ } خطاب لبنى إسرائيل أو لمن آمن به ، ولو من القبط فإن الإِيمان به كالكون من قومه { إِنْ كنْتُمْ آمَنتمْ بِاللهِ فَعَليْهِ } لا على غيره { توَكَّلُوا إِنْ كُنتمْ مُسْلِمِين } هذا الشرط شرط لجواب الشرط الأَول مع شرطه ، فليس من تعليق الحكم بشرطين لأَنه لا يجوز إلا بالتبعية كالعطف ، وذلك كقوله إن جاءَ زيد فأَطعمه إن جاع ، فالجوع شرط بمجيءِ زيد ووجوب إِطعامه ، والشرط وجوابه مغنيان عن جواب الشرط الثاني والمعلق بالإِيمان وجوب التوكل المأْخوذ من الأَمر المجرد عما يخرجه عن الوجوب ، والمشروط بالإِسلام حصوله ، فإنه لا يوجد مع اختلاط تعميده تعالى باعتماد غيره ، ومقام التسليم فوق مقام التوكل ، إِن كنتم مسلمين توكلتم عليه ، وليس هذا قاعدة ، والحق ما ذكرته ، وهذا كما نقول في الضمير المتأَخر لفظاَ يجب تقدمه معنى ، والمتقدم لفظاً يجب تأَخره معنى كقوله إن دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت زيداً ومجموع قولك إِن دخلت الدار فأَنت طالق مشروط بقولك إن كلمت زيداً ، والإسلام هنا الاستسلام بالأَعمال وإلغاءُ النفس ، والإيمان التصديق ، والتوكل إسناد الأُمور إليه تعالى ، والدعاء والتسبب لا ينفيان التوكل إذ بنيا عليه . { فَقَالُوا عَلَى اللهِ } لا على غيره { تَوكَّلْنا } الفاءُ لترتيب قولهم هذا على قول موسى باتصال وقدموا على الله للحصر ، كما طلب موسى ، وكون توكلنا إِنشاءً أَولى من أن يكون إخباراً { رَبَّّنا لا تّجْعَلْنَا فِتْنَةً } أى محل فتنة بتقدير مضاف لأَنَ المعانى لا تحمل على الذوات ، وحذف المضاف لتكون الصورة مبالغة { لْلقَوْمِ الظَّالِمينَ } فرعون وقومه ، وأل للعهد ، أَظهر فى موضع الإضمار للوصف بالظلم ، أَو يراد مطلق الظالمين فيدخل فرعون وقومه ، ومعنى جعلهم فتنة للظالمين أَن يغلبهم الظالمون فيظن الظالمون ومن ضعف إيمانه أَن المؤمنين ليسوا على الحق فيستمروا على الكفر ويتبعهم الضعفاء ، أو معناه أَن تسلطهم علينا فيعذبونا ، أَو معناه أَ يفتنونا عن ديننا . { وَنَجَّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ اْلقَومِ اْلكَافِرِينَ } فرعون وقومه فوضع الظاهر موضع المضمر أو الكافرين على الإطلاق كما مر ، والمراد نجنا من كيدهم وشؤْمهم أَو من أَيديهم أَو شؤْم مشاهدتهم لأَن معاشرة الأَشرار مصيبة تتعب الأَبرار وتزيد فجوز الفجار ، أَو الظالمين الملأُ الذين تخافون منهم ، والكافرين ما يعمهم وغيرهم ، وقدموا التوكل على الدعاءِ بأَن لا يجعلهم فتنة وبالتنجية لتجاب دعوتهم لأَنه من لم يتوكل يضطرب .