Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 100-101)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ } أَجلسهما معه تعظيماً { عَلَى الْعَرْشِ } السرير ، وعدى رفع بعلى لتضمنه معنى الإِجلاس ، أَو الحمل والرفع النقل إِلى علو { وَخَرُّوا } عجلوا كالحجر الساقط وهم أَبواه على ما مر وإِخوته لا إِخوته فقط كما قيل { لَهُ } ليوسف { سُجَّداً } بوجوههم على الأَرض كسجود الصلاة مريدين تعظيمه لا عبادته ، كان جائِزاً ثم فسخ ، أَو المراد بالسجود الانحناءُ بلا وصول للأَرض ، وذلكَ كالتحية بالقيام وتقبيل اليد ، ونهى فى شرعنا عن القيام إِعظاماً لأَحد ، أَما ليقعد فى موضع القائِم فيجوزالقيام للإِمام العدل والوالدين ، أَو سجدا بوجوههم فى الأَرض سجود عبادة لله ، واللام بمعنى إِلى ، أَى سجدوا إِلى جهته شكراً كالصلاة للكعبة تعظيماً له ، أَو الضمير لله أَى سجدوا لله ، ويدل لهذا أَنه لو كان ليوسف لكان قبل الرفع ، لكن أُخر لفظاً للاهتمام بالرفع ، ويعارضه { رأَيتهم لى ساجدين } [ يوسف : 4 ] فيجاب بأَن اللام بمعنى إِلى أَى ساجدين لله إِلى جهتى ، أَو للتعليل ، أَى ساجدين لأَجلى لله - جل وعلا - ومعنى لأَجلى لاجتماعهم بى ، وفى ذلك تفكيك الضمائر برد ضميرى رفع وأَبويه ليوسف وهاء له الله - عز وجل - وفيه رد الضمير إِلى أَقرب مذكور وهو يوسف فى ضمير رفع وضمير أَبويه ، وإِنما سجد أَبوه له ، لا هو لأَبيه مع عظيم حق الوالد ، وكذا اللام ، وقدم بنوته وكبر سنه لبلوغه فى الرغبة فى ولده حتى عمى ، وكونه هو الطالب له ويوسف فى غفلة عن تلك الرغبة فيكون كالزجر ليعقوب عليه السلام ، وقيل سجدا ليتبعهما أَولاده ، وأَما أَن يقال لتصدق الرؤْيا فلا يتم جواباً لأَنه يبقى أَن يقال لما جعل الرؤْيا كذلك سجود أَب لولد فلا تهم ، وأَيضاً لا تجب مقابلة الرؤيا من كل وجه ، وقيل : الواو للإخوة ومن معهم لا للأَبوين معهم ، وفيه منافاة لقوله : { أَحد عشر كوكباً والشمس والقمر } [ يوسف : 4 ] مع قوله : هذا تأْويل رؤْياى { وَقَال يَا أَبَتِ هَذَا } أَى هذا السجود { تَأْوِيلُ رُؤْيَاىَ } إِرجاعها إِلى ما هى عبارة عنه وتطبيقها معه { مِنْ قَبْلُ } أَى فعل سجودكم هذا أَو حال صغر السن إِنى رأَيت أَحد عشر كوكباً إِلخ ، متعلق برؤْياى ، أَو بمحذوف حال من رؤْياى ، وذكر الدمامينى قولا بجواز تعليق الظرف بمعرفة محذوفة نعت لمعرفة أَى رؤْياى الكائنة من قبل { قَدْ جَعَلَهَا رَبِّى حَقّاً } صادقة ، ولو لم تصدق لكانت باطلا ضد الحق ، وذكر حقاً لأَنه مصدر وهو بمعنى اسم الفاعل ، أَو يقدر مضاف ذات حق ، أًو وصف لمذكر أَى أَمراً حقاً ، واختير حقاً لأَنها مقال والمقال يصدق ويكذب { وَقَدْ أَحْسنَ بِى } أَى إِلى { وأَحسن كما أَحسن الله إليك } [ القصص : 77 ] أَو ضمن معنى لطف { وبالوالدين إحسانا } [ الإِسراء : 23 ] أَى الطف بهما ، وذكر بعض أَن الإِحسان يتعدى بالباءِ بلا تأْويل وهى للإلصاق { الله لطيف بعباده } [ الشورى : 19 ] أَو بمعنى وقد أَحسن فى ، أَى جعل الخير فى ، وقدر بعض أَحسن صنعه بى { إِذْ أَخْرَجَنِى مِن السِّجْنِ } لم يقل إِذ أَخرجنى من الجب لأَن الأَصعب الإِلقاءُ فى البئْر ، ومقابله الإِدخال فى السجن ، وليس الكلام فى الإِلقاءِ والإِدخال بل فى اللبث ، ولا شك أَن اللبث فى السجن أَشد من اللبث فى البئر لطول مدته ومعاشرة السفهاءِ فيه والمشركين ، بخلاف مدة اللبث فى البئْر فإٍنها قصيرة ومعاشرة فيها جبريل وغيره من الملائِكة ، وأَيضاً الإِخراج من السجن سبب للملك المتوصل هو به إلى الدعاءِ إِلى الدين ، وإِنقاذ النفوس من الهلاك بالجوع ، وأَيضاً هو إِزالة للتهمة فى شأْن امرأَة العزيز وآل به إِلى إِظهار حريته ، ولو قال : أَخرجنى من الجب لخجلوا بذكر الجب مع أَنه قد قال : { لا تثريب عليكم اليوم } [ يوسف : 92 ] إِلخ { وَجَاءَ بِكُمْ مِّنَ الْبَدْوِ } البادية وهم قرويون لكن كانوا فى مواشيهم فى البادية وجاءَ بهم منها ، وقيل : كان يعقوب من أَهل البدو فإِن صح فإِنما تحول إِليها من القرية بعد التبليغ إِذ لم يبعث نبى من البدو ، وله مسجد تحت جبل باديته { مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ } أَفسد { الشَّيْطَانُ بَيْنِي وبَيْنَ إِخْوَتِى } لم يزل يستر عليهم إِذ عبر بعبارة لا تفصح أَنهم الظالمون بل بعبارة تقبل أَن يكون ظالما أَو هم ظالمين { إِنَّ رَبِّى لَطِيفٌ لِما يَشَاءُ } مدبر لما يشاءُ من أَحوال خلقه من حيث لا يعلمون ، ولا يعجز الله شىءٌ ، وهو خالق الأَرباب ومسهل الصعاب { إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ } بخلقه وأَحوالهم ومصالحهم { الْحَكِيمُ } الفاعل للشىءِ فى وقته ومكانه وكمه وكيفه ، ومن حكمته تفريقة بين يوسف ويعقوب أَربعين عاما أَو سبعين أَو ثمانين أَو ثمانية عشر أَو اثنين وعشرين أَو ستا وثلاثين أَو خمساً وثلاثين ، وأَقام معه قبل الفرقة سبعة عشر وأَقام عنده أَبوه بعد الاجتماع أَربعة وعشرين أو سبعة عشر ، ويقال عمره حين أَلقى فى الجب سبع عشرة سنة ، وأَقام فى العبودية والسجن والملك ثمانين سنة ، وأَقام مع أَبيه وإِخوته وأَقاربه بعد الاجتماع ثلاثا وعشرين ، وتوفى وهو ابن مائَة وعشرين ، ويروى أَنه طاف بيعقوب على خزائِنه فرأَى خزانة القراطيس ، فقال : ما أَعقد عندك هذه القراطيس ، ولم تكتب إلى على ثمان مراحل ، قال : منعنى جبريل ، فقال : هلا سأَلته لمه ؟ فقال : أَنت أَبسط إِليه منى ، فسأَله يعقوب فقال : لقولك إِنى أَخاف أَن يأكله الذئب ، ذكرت الذئْب دون الله ، ولما احتضر يعقوب أَوصى يوسف أَن يدفنه عند أَبيه إِسحاق فى الأَرض المقدسة ، فمضى به فى تابوت من ساج فوافق وصوله موت عيص أَخى يعقوب فدفنا فى قبر واحد كما ولدا فى وقت واحد من بطن واحد وعمرهما مائة وسبعة وأَربعون ، ورجع إِلى مصر وعاش بعد ثلاثا وعشرين ، وقد تم له الأَمر المر والحلو واستشعر أَنه لا بد من الموت فسأَل الله الرحمن الموت على الإِسلام واللحوق بأَهل النعيم الدائِم كما قال تعالى : { رَبِّ } يا رب { قَدْ آتَيْتَنِى مِنَ الْمَلْكِ } بعض الملك ، وهو مُلك مصر ، أَو قد آتينى من الملك ملكاً عظيماً ، والمقصود بالذات توفنى مسلماً وأَلحقنى بالصالحين ، ولكن قدم الثناءَ على الله والشكر على النعم السابقة توسلا بها إِلى اللاحقة { وَعلَّمْتَنِى مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ } تفسير المرائِى أَو الكتب { فَاطِرَ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ } صفة لرب أَو نداءَ آخر يا فاطر السماوات والأَرض { أَنْتَ وَلِيَّى } متولى أُمورى وناصرى { فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ } تعاملنى فيهما بالنعم وإِزالة النقم { تَوَفَّنِى } أَمِتْنِى { مُسْلِماً } إِذا جاءَ أَجلى ، فهذا طلب لأَن يكون موته على الإِسلام لا طلب للموت ، قال الحسن : عاش بعد هذا الدعاءِ سنين كثيرة ، أَو توفنى الآن ، روى أَنه لم يتم الأَسبوع ، قال قتادة : لم يسأَل نبى الموت إلا يوسف ، وفى رواية عنه : لم يتمن نبى قبله الموت ، وكثير من المفسرين على هذا القول من طلب الموت فى الحين لكن تمنيه الموت بعد تخيير الله له لقول عائشة رضى الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لم يقبض نبى حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير " ، قاله ابن مالك فى شرح المشارق عند قوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله خير عبده بين الدنيا وبين ما عنده " ، والحديث فى البخارى ومسلم ، وعنه صلى الله عليه وسلم : " لا يتمنين أَحدكم الموت لضر نزل به " قيل هو نهى تنزيه ، وفى الحديث لكن يقول : " اللهم أَحينى ما كانت الحياة خيرا لى " ، وطلب الوفاة على الإِسلام مع علمه أَن كل نبى لا يموت إِلا كذلك ذهولا أَو إِظهارا للعبودية ورغبة وتعليماً للغير وانفساحاً للقلب وانشراحا واطمئنانا { وَأَلْحَقْنِى بالصَّالِحِينَ } إِبراهيم وإسحق ويعقوب وإسماعيل فى درجاتهم لا فى درجة الصلاح فإنه فوقها ، وهى أولى درجات المؤمن فتوفاه الله مسلماً وألحقه بهم ، وتخاصم أهل مصر فى مدفنه حتى همو بالقتال ، فاتفقوا أَن يدفن فى أعلى النيل من جهة الصعيد حتى تجرى عليهم بركته كلهم ، وجعلوه فى صندوق من رخام لا من حجر الزند ، وحمله موسى إلى الشام حين خرج من مصر وعمره مائَة وعشرون سنة ، وولد له من راعيل إفرايم وميشا جد يوشع ورحمة امرأة أيوب ، ويروى أنه جعل فى تابوت من رخام ودفن فى أَيمن النيل فأَخصب وأجدب الأيسر ، ثم دفن فى الأيسر وهو الشرقية فأَخصب وأَجدب الأيمن فدفنوه فى وسطه بالسلسلة فأخصب الجانبان ، ولما أمر الله تعالى موسى عليه السلام بالخروج من مصر إلى الأرض المقدسة أظلمت الدنيا فأوحى الله إليه أن احمل معك يوسف ، ولم يكن علم بقبره عند أحد إلا عند عجوز ، فشرطت أن تكون لموسى زوجا فى الجنة ، فتوقف موسى فأوحى الله - عز وجل - إليه أَن قل نعم ، فأخبرته أنه فى موضع كذا من النيل فى وسطه ، وروى أنها بنت من ذرية يعقوب وأنها شرطت عليه أيضاً أَن تثبت كما شبت فدعا فكانت كلما بلغت خمسين صارت بنت ثلاثين ، وعاشت ألفا وستمائة ، فحمله موسى فى تابوته ودفنه فى الأرض المقدسة .