Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 24-24)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ } قصدت منه المباشرة بعزم قوى حتى أَنها مدت يدها وقصدت المعانقة ، ويوقف هنا ويبدأُ بقوله : { وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ ربِّهِ } فهو لم يهم بها لأنه رأَى برهان ربه ، ولولا للامتناع وهو نفى كأَنه قيل لولا أَن رأى برهان ربه لهمَّ بها ، وربه الله ، وقوله ربى بمعنى الله فالمعرفة عين الأُولى وإن كان ربى بمعنى العزيز زوج زليخا فمن المعرفة المعادة مغايرة للأُولى ؛ إِلا أَن يراد مطلق الملك والسيادة ولو كانت لله حقيقة ولغيره توسعا ، فالأَولى أَن يجعل ربى بمعنى الله لبعد أَن يقر نبى الله بأَنه عبد لمخلوق أَو تحت حكمه ، وقيل : إِن يوسف هم بها بالطبع ولا يكلف عليه لأَنه ضرورى فلا عقاب عليه ولا ذم بل مدح لكونه عصى هذا الهم لله عز وجل أَو شارف الهم بها بأَن يميل ، ولم يمل كمن صام رمضان واشتد عليه العطش فنفسه يعجبها الشرب ولم يقصد أَن يشرب ، وسمى ما ليس هما بهم للمشاكلة ، وعلى هذين فجواب لولا محذوف لم يتقدم ما يغنى عنه ، أًى لولا أَن رأى برهان ربه لفعل ، وعلى هذين يوقف على هم بها لا على همت به ، وما ذكرته أَولى ، ولا يقال لو كان البدء بهمَّ بها لقرن بلام الجواب إِذ كان مغنيا عن جوابها ؛ لأَنا نقول : إٍنما يقرن جوابها المتأَخر لا مغن عنه متقدم ، مع أَن قرن جوابها باللام غير واجب ، ولسنا نقول إِنه جواب مقدم وجواب لولا لا يقدم ، ولما كان مغنيا عن جوابها صح له الاستقبال ، كما تقول : زيد إٍن قمت تريد يقوم زيد إن قمت ، وحرم ما قيل إِنه همَّ بها وحل سراويله ، وما قيل إنه قعد بين رجليها ، والقول بذاك فى نبى فسق ، والحجة فى ذلك عصمة الأَنبياءِ قبل البعثة وبعدها ، لا قوله : هى راودتنى بل قوله : { لنصرف عنه السوءً } لأًن ذلك سوءٌ ، وقوله : { لم أَخنه بالغيب } [ يوسف : 52 ] ؛ لأَن ذلك خيانة ، ولا قوله : { الان حصحص الحق } [ يوسف : 51 ] إِلخ ، ولا قوله : { ما علمنا عليه من سوءِ } [ يوسف : 51 ] لأَنها قد لا تعد حل السراويل والقعود بين الرجلين سوءاً ، لأَنه ترك ذلك ، وبرهان ربه أًنه مثل له يعقوب فضرب بيده صدره فخرجت شهوته من أَنامله ، أَو قال له : أَتعمل عمل السفهاءِ وأَنت مكتوب فى الأَنبياءِ ، أَو انفرج سقف البيت فرآه عاضّاً على أُصبعيه ، أَو رأَى مكتوبا فى حائط : { ولا تقربوا الزنى إِنه كان فاحشة وساءَ سبيلا } [ الإِسراء : 32 ] وإنها سترت حينئِذ صنما لها ، فقال : لم ؟ فقالت : حياءً منه ، فقال : أَنا أَحق بالحياءِ من ربى ، ففر ، أَو نودى : أَتواقعها ، مثلك ما لم يواقعها كطائِر فى الجو لا يطاق وكثور صعب لا يطاق وإِن واقعتها فكطائر على الأًرض مكسور الجناح لا يدفع عن نفسه ، وكبقرة ذبحت لا تدفع عن نفسها ، أَو أَنه رأَى معصما بلا كف كتب عليه : { وإن عليكم لحافظين ، كراما كاتبين ، يعلمون ما تفعلون } [ الإِنفطار : 10 - 12 ] فهرب ثم رجع فعاد المعصم ، وعليه : { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله } [ البقرة : 281 ] فهرب ثم رجع فعاد فأًوحى الله إلى جبريل أَدرك عبدى قبل أَن يصيب الخطيئة ، فانحط جبريل عاضا على أُصبعه يقول : يا يوسف أَتعمل عمل السفهاءِ وأَنت مكتوب عند الله من الأًنبياءِ ، وقيل : انحط فمسه بجناحيه فخرجت شهوته من أَنامله ، وما ذكر من الذهاب إِليها لا يصح عندنا ولو عقبه الرجوع { كَذَلِكَ } أًريناه البرهان إِراءَةَ مثل ذلك أًو عصمناه مثل ذلك وهى نفس ذلك فهذا تأْكيد ، ويجوز فى مثل ذلك أَن يشبه شأْن الإِخبار بشأْن ما عنه الإِخبار ، ويجوز أَن يراد الأَمر كذلك أو العصمة كذلك ، ويجوز كون الكاف فى ذلك ونحوة صلة أَى الأَمر ذلك ، أَو أَثبتنا ذلك ، أَو جرت أَفعالنا أًو أَقدارنا ، والفعل أَولى لأَنه أَشد مناسبة لتعليق اللام به من قوله : { لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ } والإِشارة إِلى الرأْى مصدر رأى وهو مذكر ؛ لا إٍلى الرؤْية بتأْويل ما ذكر ، ولم يقل لنصرفه عن السوءِ للدلالة على كمال عصمته عليه السلام حيث لم يتوجه إِلى السوءِ والفحشاءِ قط ، ولا تأَهل للتوجه إِليهما أَو للقرب إِليهما ، وإِنما توجه إِليها ذلكَ من خارج فصرف منه ، ولكن المتعارف الصرف عن العقلاءِ لا صرفهم عن غيرهم ، غير أَنه قد ورد مثل ذلكَ كما يقال : كفه الله عن المعصية وأَخلصه منها ، والسوءُ خيانة الزوج ، والفحشاءُ الزنا ، أَو السوءُ مقدمات الزنا من نظر والقبلة والمس ، وذلكَ مناسب للحال والمقام ، ويجوز أَن يراد مطلق السوءِ والفحشاءِ فيدخل ما ذكر فى العموم أَو هما واحد ، سمى سوءاً من حيث إِنه ضار وفحشاء من حيث قبحه ، ويناسب هذا قولها { من أَراد بأَهلك سوءاً } [ يوسف : 25 ] { إِنَّهُ } تعليل جملى أَى لأَنه { مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } الذين اصطفيناهم للعبادة على الإِطلاق ، وهو أًيضاً من ذرية إِبراهيم ، ومن قوله : { إِلا عبادك منهم المخلصين } [ الحجر : 40 ] ومن قوله تعالى : { إِنا أَخلصناهم } [ ص : 46 ] .