Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 54-56)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِى بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنفْسِى } من شأْن الملوك أَن يؤثروا أَنفسهم بما هو نفيس كأًرض فى الربيع زاهرة وجوهرة لا يوجد مثلها ، ووزير عظيم الشأْن وعالم ماهر ، فاختار يوسف مختصاً به لكماله صبراً وعلمً وإِحساناً وأَدباً وتعبيراً وورعاً ، وهذا جواب لمحذوف أَى لما عبر الرؤيا قال : { ائتونى به أَستخلصه لنفسى } فيكون قال إِيتونى به مرتين ، قال : أَولاً إِيتونى به لأَنه عبر الرؤيا ، وقال ثانياً إِيتونى به أَختص به لأَمانته وفوائده ، فعاد الرسول الأَول إِلى يوسف فى السجن بعد التعبير وهو فى السجن وقال : أَجب الملك فى الحين واطرح ثياب السجن والبس ثياباً حسنة جدداً ، واغتسل ، فقام وودع أهل السجن ودعا لهم ولأَهل السجن مطلقاً : اللهم عطف عليهم قلوب الأخيار ولا تعم عليهم الأَخبار ، قيل : فمن ذلك يوجد فى السجن من الأخبار ما لا يوجد فى غيرها ، ثم اغتسل وليس ثياباً حسنة ، وكتب على باب السجن من خارج : هذا بيت البلوى ، وقبر الأَحياءَ ، وشماتة الأَعداءِ ، وتجربة الأَصدقاءِ ودخل على الملك فكلمه وشاهد منه الملك الرشد { فَلَمَّا كَلَّمهُ } وشاهد منه ما يوجب الرغبة فيه ، والضمير فى كلم ليوسف والهاءُ للملك ، سلم عليه بالعربية فقال الملك : ما هذا اللسان ؟ قال : لسان عمى إِِسماعيل ، ودعا له بالعبرانية فقال الملك : ما هذا اللسان ؟ قال : لسان آبائى ، وكان الملك يتكلم بسبعين لغة ولا يعرف العربية والعبرانية ، وكلما كلمه بلسان أَجابه بما تكلم به وزاد بالعربية والعبرانية ، فأعجبه أَمره مع صغر سنه ابن ثلاثين سنة فأَجلسه إِلى جنبه ، وقيل : الضمير فى كلم للملك والهاءُ ليوسف ؛ لأَن الملوك هي التي تبدأُ بالكلام ، والصحيح ما تقدم ، فإِنه عهد أَن يبدأَ الداخل بالسلام والثناءِ فكذا فعل يوسف ، وقد روى أَنه لما أَراد الدخول قال : حسبى آخرتى من دنياى ، وحسبى ربى من خلقه ، عز جارك ، وجل ثناؤُك ، ولا إِله غيرك ، ولما دخل على الملك قال : اللهم إِنى أَسأْلك من خيره وأَعوذ بعزتك وقدرتك من شره ، ولكن هذا قد يقوله سراً ، أَو حيث لا يسمعه الملك ، ويقدر فأَتوا به ، ودخل على الملك فكلمه فلما كلمه ، والحذف للدلالة على سرعة الإِتيان به ، كأَنه اتصل بقوله : فلما كلمه ، وروى أَنه قال له : أَحب أَيها الصديق أَن أَسمع تفسير رؤْياى من لسانك ففسرها كما ذكرها عنه الرسول بلا نقص ولا زيادة ولا تقديم ولا تأْخير ، ولم يكن حاضراً مع النسوة فى المجلس ، وزعم بعض أَنه حاضر ، وأَن معنى إِيتونى به قربوه إِلى { قَالَ } الملك { إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ } الظرفان متعلقان بمكين ، والمراد باليوم عصرى { أَمِينٌ } ذو تمكن ورسوخ فى قلوبنا وملكنا ، والجاه على أَموالنا وأَحوالنا من أُمور السلطنة والوزارة ، وقيل : أَمين من كل مكروه لا تخاف مما مر عليك ، فماذا ترى أَيها الصديق فى أَمر السبع الخصبة والسبع المجدبة ؟ قيل : ابتلاهم الله بالسبع المجدبة لأَنه أَقام فى السجن سبعاً وهو مظلوم ، فقال : أَجمع الطعام وأَكثر الحرث فى السنين المخصبة وأًخزن الحبوب للناس ، والتبن والقصب أَيضاً للدواب ، وتأْمر الناس أَن يرفعوا الخمس من زورعهم فيكفيك لأَهل مصر ومن حولها ، ويأْتيك الناس من سائِر النواحى للميرة فيجتمع عندك من الكنوز مالم يجتمع لأحد قط ، ولو زرعت على حجر لأَنبت وأَثمر ؛ وذلك من الله - عز وجل - ، وروى أَنه لما قال : أُحب أَن أَسمع منك قال : رأَيت سبع بقرات سمان خرجن من النيل يقطرن لبناً ونظرت إِليهن معجباً فغار النيل فخرج من طينه سبع عجاف بأَنياب وأَضراس ، وأَكف الكلاب وخراطيم السباع فأَكلن لحوم السمان ومخهن ، وأَنت تنظر معجباً إِذا لم يسمن ، ورأيت سبع سنابل خضراً وسبعاً يابسات فى منبت واحد ماءٍ ، وترى وأَنت تتعجب فى اختلافهن مع اتحاد المنبت فهبت ريح أَضرمت اليابسات على الخضر فانبهت مذعوراً ، فقال : والله ما أَخطأْت فيم رأَيت فى المنام ، وما رؤْياى بأَعجب من علمك به ، كأَنك الرائِى ، ومن تفسيرها ، ولما قال : اجمع الطعام فتأْتيك أَهل النواحى للميرة ، قال : من لى بذلك الحرث والخزائِن وذلك التصرفات وأَهل مصر كلهم لو جمعتهم ما طاقوا ذلك ، وليسوا مأْمونين على ذلك فمن يكفينى ذلك ؟ فقال يوسف ما قال الله عز وجل عنه : { قَالَ اجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ } خزائن الطعام والأَموال ، خزائِن أَرض مصر التى تحت يدك ، وقال الربيع بن أَنس : اجعلنى على خزائِن خراج مصر ، فأَجلسه على السرير وفوض الأَمر إِليه ، وذلك كله بعد عبر الرؤْيا ، وزعم بعض أَنه قبل عبرها قيل جعله وزيراً ، وقيل : أَسلم السلطنة إِليه ، وروى أَنه توفى قطفير زوج زليخاءَ أَو راعيل فى تلك الليالى فجعله فى مرتبته فزوجه زليخاءَ أَو راعيل فوجدها عذراءَ ، وكان قطفير عنينا فيما قيل ، وولدت له إِفرايم وميشا والد رحمة زوجة أَيوب فى قول ، ويقال : ميشا جد يوشع ، وقيل : رحمة زوج أَيوب هى بنت يوسف ، وقيل : لم يلد يوسف ، وقيل : لم يلد نبياً ، وتزوجها بلا عدة لجواز ذلك فى دين يوسف ، والمشهور أَنه تزوجها بعد مدة طويلة ، وبه قال القرطبى ، وروى أَنه أَصابتها حاجة فقيل لها : لو أًتيت يوسف فقيل لها : لا تفعلى نخافه عليك قالت : لا أَخاف ممن خاف الله تعالى : فأْدخلت عليه وقالت : الحمد لله الذى جعل العبيد ملوكاً لطاعته ، والملوك عبيداً بمعصيته ، فقضى حاجتها ، وتزوجها ، ولما أَذاه قطفير وهو العزيز أَورثه منصبه وزوجه ، وقيل : قالت له ذلك فى الطريق فعرفها وقضى لها وتزوجها وقيل : عزله وولى يوسف ولم يتزوجها إِلا بعد موته ، وبحث فيه بأَن المؤْذى زوجه ، قلت : كلاهما لأَن زوجها وافقها ، ويقال : لما تنزه عن السوءِ أَنعم الله عليه بذلك { إِنِّى حَفِيظٌ } للخزائن من السنين المخصبة للمجدبة بحساب لا أَضيعها ، ولا تضيع لمحافظتى عليها بإٍذن الله { عَلِيمٌ } بمصالحها وبالكتابة ، وبوقت الجوع وبلغات من يأْتينى ، وبأْمر الدين فقال له الملك : ومن أَحق بذلك منك فجعله عليها ، وقد كان الملك يعرف عنه أَنه من أََهل دين الله ولكن لا يعرف أَنه من أَهل العلم بأْمر الدنيا أَيضاً فقال له يوسف : إِنى عارف بهما جميعاً ، وإٍنما طلب الجعل على خزائن الأَرض ليقوم بمصالح العباد ، وهذا الطلب واجب عليه لأَنه يجب على الأَنبياءِ القيام بمصالح الأُمم دينا ودنيا ، ولولا ذلك الطلب لماتت أُمم بالجوع ، ووصف نفسه بالحفظ والعلم ليتوصل إِلى مصالح العباد والقيام بالدين لا ترفعاً ، ووصف النفس بذلك لغرض جائز شرعاً أَو واجب غير مكروه ولا محرم ، بل هو من الشرع ، ويجب حيث يجب فلا يشكل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة : " لا تسأَل الإِمارة فإِنك إِن أُوتيتها عن مسأَلة وكلت إِليها ، وإِن أُعطيتها عن غير مسأَلة أُعنت عليها " لأَن الحديث فى طلبها لغرض النفس من مال أَو فخر ، وعن مجاهد : أَن الملك أَسلم على يد يوسف قبل هذا الطلب مع أَنا لا نسلم أَن طلب الولاية من مشرك أَو موحد جائز لإِقامة الدين أَو مصالح الخلق ممنوع ، إِذا كان غرض الطالب ذلك ، ولا يتبعه فى جوره أَو ديانته ، وإِلا فحرام كبعض قضاة العصر يطلبونها أَو يقبلونها ويتبعون أَحكامهم ، ويوفرون مصالحهم ، ويقصدون جمع المال ويحكمون تارة بالجهل وتارة بالجور عمدا ، قال ابن عباس رضى الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رحم الله أَخى يوسف لو لم يقل اجعلنى على خزائِن الأَرْض لاستعمله من ساعته ولكنه أَخر ذلك سنة " رواه البغوى ، ولا أَعرف أَنه صحيح { وَكذَلِكَ } أَى كما أَنجيناه من السجن ، أَو كما مكناه من عبر الرؤْيا ، أَو تأْكيدا لما بعده { مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الأَرْضِ } أَرض مصر وهى أَربعون فرسخا فى أَربعين فرسخاً ، فأَل للعهد ، والمراد مَكَّنَّا الأُمور أَو مكنا يوسف على زيادة اللام { يَتَبَوَّأُ } ينزل { مِنْهَا } أَى فى بعضها فمن تبعيضية أَو فيها ، ويضعف أَن يكون المعنى يتخذ بعضها منزلا { حيْثُ } متعلق يتبوأُ ، وزعم بعض أَنه مفعول لمكنا { يَشَاءُ } أَى هو أًى يوسف وهو الظاهر ، أَو الله على طريق الالتفات كما قرأَ نشاءُ بالنون وهى قراءَتنا عن نافع ، وكما يناسبه قوله { نُصِيبُ } بالنون { بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ } فى الدنيا المؤْمن والكافر ، وقيل المراد الكافر ، والمراد التوسع ، وإِلا فكل حى فى نعمة من الله ، ولو فى أَضيق عيش قال الله - عز وجل - { عجلنا له فيها ما نشاءُ لمن نريد } [ الإِسراء : 18 ] أَى توسع له وهو كافر ، فالنعمة تصيب الكافر ولا يشكرها ، ولا وجه لقولك لا نعمة على كافر إِلا معنى أَنه يزيد بها كفرا فينتقم منه { وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } فى الدنيا ولا فى الآخرة … وقد يوفر للمسحن للآخرة وليس تضييعاً ، قال سفيان بن عيينة : المؤْمن يثاب على حسناته فى الدنيا والآخرة ، والكافر يعجل له فى الدنيا وما له فى الآخرة من خلاق ، وتلا هذه الآية ، والحكم أَكثرى لا كلى ، وفى الحديث : " أَشد البلاءِ على الأَنبياءِ ثم الأَمثل فالأَمثل " ، وأَيضاً فالمشيئة بالنسبة إِلى مجموع الدنيا والآخرة ، أَعطاه الملك تاجه وسيفه وخاتمه وسريره الذى هو مذهب مكلل باليواقيت فى طول ثلاثين ذراعا وعرض عشرة ، وثلاثين فراشاً وستين مأَدبة وحلة من إِستبرق فأَمره أَن يطلع السرير فخرج إِليه بالتاج وجهه كالقمر يرى فيه الوجه من صفائِه ، ودانت له الملوك ، وقيل : قال أَشد بالسرير ملكك ، وأَدر أَمرك بالخاتم ، فقال يوسف : لا أَقبل التاج ، فليس من لباسى ، ولا لباس آبائى ، فقال الملك : تركته إِجلالا لك ، ودخل يوسف على زليخاءَ أو راعيل ووجدها عذراءَ ناعمة ، فقال لها : أَليس هذا الحال أَولى ؟ فقالت : لا تلمنى أَيها الصديق فإِنى ناعمة وزوجى لا يشتهى النساءَ ، وأَنت فى جمالك الفائق ، وشهر أَنه تزوجها بعد عماها وكبرها ، وفقرها ، وكانت تتكفف فتعطى أَو تمنع ، فقيل لها لو تعرضت ليوسف إِذا خرج ، وكان يخرج فى مائة أَلف من عظماء قومه كل أسبوع ، ففعلت ، فقالت : سبحان من جعل العبيد ملوكاً بالطاعة ، والملوك عبيداً بالمعصية ، فقال : ما هذا ؟ فعرفها ، وبكى بكاء شديداً ، وتزوجها وزفت إِليه ، فصلت وراءَه ، ودعا الله أَن يرد بصرها وشبابها وجمالها ، وروى أَنه قال لها لما تعرضت له : هل بقى من حبك شىءٌ ؟ فقالت : خذ طرف عكازى ، فكان يندفع فى يده متصلا بصدرها وروى أَنه أَحبها أَضعاف حبها ، فقال : ما شأْن حبك لى نقص ؟ فقالت : لشغل قلبى بحب الله ، وروى أَنها : كانت تصلى فجذبها فقد قميصها من دبر ، فقال جبريل : قد انقد ، واشتغل يوسف ببناء البيوت للطعام ، ويقال : إِنه كان يعطى الملك وحاشيته مرة نصف النهار ، وأَول من أَصاب الجوع الملك نصف الليل فنادى يا يوسف الجوع الجوع ، فقال يوسف : هذا أَول وقت القحط ، وكان يوسف لا يشبع فقيل له بيدك خزائن الطعام ، فقال : أَخاف نسيان الجائِع إن شبعت ، وأَمر أَن يطبخ للملك نصف النهار لئلا ينسى الملك من جاع فكانت عادة الملك الأَكل نصف النهار ، وفى أًول المجدبة قال الله - عز وجل - لجبريل : أَلا ترى كيف يأْكل عبادى رزقى ويعبدون غيرى ، اهبط عليهم بالجوع ، فنادى ليلا : يا أَهل مصر جوعوا سبع سنين ، فانتبهوا جائعين ، قيل : فلا مطر ولا نبات ولا ريح ولا نهر يجرى ولا حمار ينهق ، ولا ثور ينعق ، ولا دابة تحمل ولا طائر يفرخ للضعف بالجوع ، هلك فى الأُولى كل ما أَعدوه ، وباع لهم بالنقود ، وفى الثانية بالحلى والجواهر ، وفى الثالثة بالدواب ، وفى الرابعة بالعبيد والجوارى ، وفى الخامسة بالضياع ، وفى السادسة بأَولادهم ، وفى السابعة برقابهم ، فقال للملك : كيف رأَيت صنع الله ربنا فيما أًعطانى ؟ فقال : للملك الرأْى ونحن تبع لك ، فقال : أَشهد الله وأَشهدك أَنى أَعتقتهم ورددت لهم أَموالهم ، وعند مجاهد : لم يزل يلطف بالملك حتى أَسلم وأَسلم معه كثير ومات فى حياة يوسف ، ولم يثبت إِيمان العزيز ، قيل : أَصاب القحط أَهل الدنيا ، وقيل مصر والشام وكنعان .