Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 86-87)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَالَ } مجيبا لهم بأَنه لا يذكر يوسف مهملا أَو جزعا بل يذكره تضرعا إِلى الله { إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّى وحُزْنِى إِلَى اللهِ } لا إلى غيره ، البث تفريق الشىءِ وإِظهاره منتشرا كبث الريح التراب ، واستعمل فيما لا يطاق ففرق على متعدد فهو بمعنى مفعول واستعارة تصريحية ، أَو بمعنى فاعل أى الغم الذى فرق الفكر وهو أَشد الحزن ، فكأَنه قال : أَشكو حزنى الشديد وحزنى الذى دونه إلى الله لا إلى غيره لا قدرة له على إزالته ، ولا يخيب داعيه { وَأَعْلمُ مِنَ اللهِ مَالاَ تَعْلَمُونَ } من رحمته ومن حياة يوسف ، زاره عزرائِيل فقال له : أَيها الملك الطيب ريحه الحسن صورته الكريم على ربه ، هل قبضت روح ابنى يوسف ؟ قال : لا ، فطابت نفسه ، ولذلك قال : { وأَعلم من الله مالا تعلمون } وأَيضا علم برؤيا يوسف أًن إخوته يسجدون له ، وأيضاً لما أُخبر بحسن سيرة ملك مصر وديانته رجا أَنه يوسف ، وعلم أَنه حى ولا يدرى أَين هو ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كان ليعقوب أَخ فى الله فقال له : ما الذى أَذهب بصرك ؟ قال : البكاءُ على يوسف ، قال : وما قوس ظهرك ؟ قال : الحزن على بنيامين " وقال له جبريل : إِن الله يقرئك السلام ويقول لك : أَما تستحى تشكو إلى غيرى ، فقال : إنما أَشكو بثى وحزنى إلى الله ، فقال جبريل : ربك أَعلم منك ، أَو والله أَعلم بما تشكو ، كأَنه أَشار إِلى ما قد لا يخلو عنه البشر طبعا ، أَو كره الله منه أن يقول بحضرة الناس : يا أَسفى على يوسف ، مع أنه لم يشك إليهم ، وأَخرج بن أبى حاتم عن النضر أنه قال : بلغنى أن يعقوب عليه السلام مكث أربعة وعشرين عاما لا يدرى أَيوسف حى أم ميت حتى تمثل له ملك الموت فقال له : من أنت ؟ قال : أنا ملك الموت فقال : أنشدك بإِله يعقوب عليه السلام هل قبضت روح يوسف ؟ قال : لا ، فعند ذلك قال ما فى قوله تعالى : { يَا بَنِىَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُف وَأَخيِهِ وَلاَ تَيْئَسُوا مِنْ رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ } وقوله لا يدرى أَيوسف حى مخالف لما علم من رؤيا يوسف فإِنه علم بها أَنهم سيجتمعون معه ويسجدون له ، وكذا يعقوب وخالة يوسف ، وبكلام عزريل وبفتور روبيل بمس بنيامين ولم يأْمرهم بالذهاب إلى موضع معين ، ولعله أَمرهم بالذهاب إلى مصر لعلمه بأن فيها بنيامين وروبيل ولأن فيها الملك المحسن فلعله يعينهم على البحث عنهما ، وقد روى عبد الله بن يزيد : أَن يعقوب عليه السلام كتب إلى يوسف عليه السلام ، من يعقوب صفى الله بن إسحق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله إلى ملك مصر ، أما بعد ، فإنا أهل بيت البلاءِ أُلقى جدى إبراهيم فى النار مشدود اليدين والرجلين ، وعمى إسماعيل اغترب فى مكة ، وأَبى إسحاق أُمر بذبحه فصبر والأَمر لله - جل وعلا - ، ولى ابن أَحب أَولادى إلى وأَتلفه إخوته ، وقالوا أكله الذئْب ، فذهبت عيناى ، وله أخ شقيق أَتسلى به وزعمت أَنه سرق ، فإنا أهل بيت لا نسرق ، فإِن لم تردده دعوت عليك دعوة تلحق السابع من ولدك ، فذهبوا بالكتاب إلى يوسف فى مصر متحسسين عنه ، فقيل : بكى لما قرأ الكتاب ، كتب إليه : اصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا ، والتحسس البحث بالحاسة عن الشىءِ كالتجسس بالجيم كما قرىءَ به لكن الغالب فى الجيم البحث عن السوءِ ، وبالمهملة على السواءِ ، وقيل غالبها الخير كما هنا ، ومن خصه بالسوءِ رد عليه بالقراءَة ، وقيل هو بالجيم تعرف حال ما ، وبالمهملة تعرف ما يدرك بالحس فهو أَعم مما بالمهملة ، ومن بمعنى عن أَو للتبعيض على حذف مضاف أى بعض أَخبار يوسف أَو شمعون فعلم أًنه فى مصر باختياره حى يأْذن له أَبوه فى الرجوع أَو يحكم الله ، وروح الله ورحمته مستعار من روح القلب وهو استراحة من الغم كأَنه قيل : لا تيأْسوا من راحة لقلوبكم تأْتيكم من الله ، أَو مستعار من الروح بمعنى النفس بفتح الفاءِ للفرج ، والإِياس من رحمة الدنيا كفر كما هو من رحمة الآخرة كفر ، وأَما الإياس من الخلق فجائِز ، والكفر هنا بمعنى الشرك ، أَو مطلق الفسق ، وذلك تغليظ فى الزجر ، أَما الفاسق غير المشرك فلقسوة قلبه وإِعراضه ، وأَما المشرك فلقصوره عن إِدراك خصال التوحيد ، وذكر بعض قومنا : إن الموحد إذا أَيس فإِياسه شرك ، وذهبوا يتحسسون .