Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 10-12)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى اللهِ شَكٌ } فاعل أَفى الله أَو مغن عن خبر مبتدأَ متعلق به أَى أَثابت فى الله شك ، توبيخ على شكهم ، وإنكار للياقته إِذ وقع منهم مع كثرة أَدلة الوحدانية ووضوحها ، ومنها خلق السماوات والأَرض كما قال { فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } نعت للمعرفة ولو كان وصفا لأَنه للماضى لا يصح تنوينه ، ونصب السماوات فضلا عن أَن يكون فى نية الانفصال عن الإِضافة ومن كلامهم أَن البدل فى المشتق ضعيف ، وذلك جواب لقولهم : إِنا كفرنا بما اُرسلتم به ، قيل : فبم أَجابهم المرسلون به ؟ فقال : قالت رسلهم أَفى الله شك فاطر السماوات والأَرض وما فيها { يَدْعُوكُمْ } إلى توحيده وطاعته هو ، لا نحن ندعوكم من تلقاءِ أَنفسنا كما يوهمه قولهم : مما تدعوننا ، ومع ذلك يدعوكم لمصلحتكم كما قال : { لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّنَ ذُنُوبِكُمْ } بعض ثم بعض حتى تكفر كلها كلما أذنبتم ذنبا وتبتم بعد إسلامكم غفره لكم بعد أَن يغفر ذنوبكم التى قبل الشرك بالتوحيد ، فمن للتبعيض مع حصول العموم والمضارع للتجدد الاستمرارى ، أَو من للتبعيض ، والبعض حقوق الله ، وأَما حقوق العباد فلا تغفر إلا بقضائها ؛ وكانت قبل التوحيد أَو بعده ، وقيل : تغفر كلها أَيضا إن كانت قبله ، أَو من للتبعيض ، والبعض ما قبل التوحيد ، قيل : أَو البعض الكبائر لأَن الصغائر مغفورة ، قيل : أَو البعض الصغائر لأَن الكبائر تحتاج إلى الإِصلاح ، فتغفر الصغائِر لمن تاب من الكبائِر ، أَو من صلة والذنوب ما قبله على جواز كون من صلة فى الإِثبات والمعرفة ، وجعلها بعض للبدل ، أَى بدل ذنوبهم ، أَو للابتداءِ على تضمين يغفر معنى يخلص ، واللام للتعدية أَو للتعليل ، قيل : أَو بمعنى إلى ، والغالب فى القرآن من ذنوبهم مع الكفار وذنوبهم مع المؤمنين ، ومن غير الغالب قل للذين كفروا إلخ ، إلا أَن اعتبرنا ما ذكر فيه يغفر ، وقيل { يا أَيها الذين آمنوا هل أَدلكم } [ الصف : 10 ] ووجه ذلك أَن المغفرة للكفار مرتبة على الإِيمان ، وللمؤمنين مرتبة على تجنب المعاصى وعلى الطاعة ، فمن مع الكفار لإخراج المظالم ، وأَما المؤمنون فلا تبعيض بل تعم للتوبة المتناولة للخروج من المظالم { وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى } متمتعين باللذات إلى أَجل الموت ، وإن لم تؤمنوا تنغصت حياتكم بالنقم ، ولكن قد علم الله أَنكم لا تؤمنون فتصابوا بالنقم ، أَو تؤمنون فلا تصابوا ، أَو لكل أَحد أَجلان علمهما الله إن عمل كذا كالإيمان أَخر إِلى الأَجل الطويل ، وإِلا عُوجِل بالقصير ، وقد علم الله كل ما يعمل موجب القصير أَو الطويل ، وهذا كما أَوجد للشقى أَزواجا وقصورا فى الجنة ، لوعمل عمل السعيد لصار إليها ، وقد علم أَنه لا يعمل فلا يصير إليها ، وكما جعل للسعيد مكانا فى النار لو عمل عمل الشقى لصار إِليه ، وقد علم أَنه لا يعمله فلا يصير إليه ، وكما قضى فى الأَزل أَن عمر فلان كذا أَو كذا منه وكذا لصلة رحمه ، وإِن أَجل فلان كذا لو لم يقطعها ، وإذا قطعها أَو طغى فأجله دون ذلك ، وهو وقت كذا وكذا ، أَو كذا ما أّشبه ذلك فالأَجل واحد لا يتقدم ولا يتأَخر والفرق بين ذلك ومذهب المعتزلة أَنهم قالوا لا يتعين له أَحدهما حتى يعمل موجبه ، ومن ذلك : { ادخلوا الأَرض المقدسة التى كتب الله لكم } [ المائدة : 21 ] قد كتبها لهم ولم يدخلوها بل حرمها عليهم أَربعين سنة لأَن كتبها مقيد بالطاعة وهم عصوا ، وأَوضح من ذلك أن يقال : المراد ليجمع لكم بين مغفرة الذنوب والتأْخير إلى الأَجل المسمى ، وإِن لم تؤمنوا لم يكن لكم إلا التأْخير إِليه ، وكأَنه قيل : فبم أَجابوا فقال : { قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاًَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } أَكلا وشربا ونكاحا ولحما ودما وصورة وغير ذلك ، فما وجه اختصاصكم بالنبوة ، لو شاءَ الله رسولا لكان ملكا أَو غيره كشىءٍ يجعله أَفضل من البشر لا بشرا ، ولو لم يكن الإِنسان مخصوصا بخواص شريفة لم يصح فى العقل أَن يكون نبيا { تُرِيدُونَ } بدعوى الرسالة { أَنْ تصُدُّونَا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنَا } من تلقاءِ أَنفسكم ، ولم تريدوا تبليغ شىءٍ محقق من الله لعدم إرساله لكم { فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } برهان ظاهر من أَبان اللازم ، أَو مزيل للخفاءِ على أَنه من أَبان المتعدى يدل على صدقكم فى دعوى إِرسال الله لكم ، وأَما ما آتيتمونا به فليس حجة ولا يقنعنا ، وكأَنه قيل فبم أُجيبوا فقال : { قَالتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشْرٌ مِّثْلُكُمْ } كما قلتم { وَلَكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلَى منْ يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ } بالرسالة دون أن يختص عن البشر بشرف لا يوجد نفسى أَو قدسى ، وله أَن يرجح بعض الجائِزات على بعض ، ولو استوت لحكمته ، ولا مؤثر لشىءٍ سواه ، والنبوة ليست اكتسابية تقصد ، ولا اتفاق لمزيد عمل واعتقاد ، ولا مانع من أَن يقال : يخصها الله - عز وجل - بمن جعل فيه خواص شريفة قدسية ، وليسوا يتأَثرون بها بالقصد إلى النبوة ، ولا علموا ، لأَنهم لا يكونون أَنبياءَ حتى يوحى إليهم ، وإِن شاءَ أَخبر بعضا أَنك ستكون نبيا ، وعليه فيكون المعنى فأْتونا بسلطان مبين على أَن لكم مزية تستحقون بها الرسالة ، فإٍن شاءوا أَخبروهم بها ، ولكن لم يخبروا تواضعا لله - عز وجل - ولأَن الله لم يأْمرهم بالإِخبار بها كما قال : { وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ } برهان على نبوتنا أَو على مزيتنا { إِلاَّ بإِذْنِ اللهِ } وقد أَتيناكم بما تفرحون به ولم يأْذن به الله ، الحجج ، ولا طاقة لنا أَن نأْتيكم بما تفرحون به ولم يأْذن به الله ، ولك نبى نصيبه منها لا يتجاوزه { وَعَلَى اللهِ } لا على غيره ثقة به { فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } فى الصبر على معاداتكم لنا وأَذاكم ، والفاءُ صلة ، وعلى متعلق بما بعدها أَو عاطفة على محذوف هكذا وعلى الله نعتمد ، ولم يقولوا وعلى الله فلنتوكل ، بل عموا بالمؤمنين فيدخلون فيهم أَولا وبالذات ، كما رجعوا إلى أَنفسهم على الالتفات من الغيبة إلى التكلم بقوله : { وما لنَا } لا عذر لنا أَو أَى شىءٍ لنا ، على الاستفهام الإِنكارى معشر الرسل ، لكن لا مانع من أَن يريدوا معشر المؤمنين عموما ، فإِن سائِر المؤمنين يؤذيهم المشركون كما يؤذون الرسل { أَنْ لاَ نَتَوكَّلَ عَلَى اللهِ } فى أن لا نتوكل لا عذر لنا فى انتفاءِ التوكل مع قيام الحجة على وجوب إِثباته ، ولا داعى إلى جعل أن صلة ناصبة لا مصدرية وأَن الجملة حال { وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنا } حال ، والهداية من الحجة فى وجوب إثبات التوكل ، فعرفنا الطريق التى نعرفه بها ، ونعرف أن الأَمر كله بيده { وَلنَصْبِرَنَّ } معشر الرسل { عَلَىَ مَا آذَيْتُمُونَا } معشر الكفار على إيذائِكم إيانا بالعناد والاقتراح والشتم وسائِر المضار ، وليس كل نبى يقول ذلك بالجمع بل كل واحد يقول على نفسه بالإِفراد : إن أنا إِلا بشر لا أَتجاوز البشرية إلى الملكية ، ومالى أن آتيكم ، ومالى أَن لا أَتوكل على الله وقد هدانى سبيلى ، ولأَصبرن على ما آذيتمونى ، فجمعهم الله فى كل ، أى قالوا ذلك وكلهم بصيغة نفسه ، وقد يقول الواحد عن نفسه وعن اتباعه من أُمته فيما يمكن ، ومن العجيب أن تجعل ما اسما ويقدر الرابط منصوبا على نزع الجار ، فيكون حذفه كحذف الضمير المفعول به ، هكذا آذيتموناه أَى به مع أَن نزع الجار خلاف الظاهر ، ومع أَن الحذف خلاف الأَصل مع عدم الاحتياج إلى ذلك وأَقرب من ذلك مع المخالفة للأصل تقدير على الإِيذاءِ الذى آذيتموناه { وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكَّلُونَ } مثل ما مر ، والقصر إفادة ، وقصر قلب بالنظر إلى من يتوكل على غير الله خاصة ، وقصر إفراد على من يتوكل عليه وعلى غيره ، والمراد فليدم المتوكلون على توكلهم ، أو يزيدوا منه ، والتوكل مستحدث من إيمانهم ، أَو يتوكل مريدو التوكل .