Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 125-127)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ادْعُ } يا محمد الناس كلهم { إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ } دينه ، ولا يهمك مخالفة اليهود والنصارى وقريش ، وقد نسخ السبت بالأحد ، ونسخ الأحد بالجمعة ، ولا سبت ولا أحد بعد بعثتك ، بل الجمعة على الكل والقرآن لا التوراة ولا الإنجيل إلا ما لم يخالف القرآن . { بِالْحِكْمَةِ } القرآن أو الدلائل القطعية ، ومنه القرآن وهو أصلها ، فإنه قول موضح للحق كما قيل : الحكمة الدليل الموضح المزيل للشبهة ، كما قال أبو حيان : الحكمة الكلام الصواب القريب ، الواقع فى النفس أجمل موقع وهو حق لا إشكال فيه ، وما قيل : إن الحكمة إتقان العمل ، وإتقان العمل غير معروف ، بل هى إتقان العلم وضد السفه ، ووضع الأشياء فى مواضعها ، وقيل : الحكمة هنا النبوة والرسالة . { وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ } الخطاب المقنع ولو بما هو ظنى عند المخاطب يتوصل به إلى القطعى ، أو هى الترغيب والترهيب على وجه يتبيَّن به أنك تريد نفعهم ، والنصح لهم ، أو الرفق بترقيق القول ، ويقال هنا : ثلاثة الكاملون علما وعقلا وبصيرة ، يدعوهم بالحكمة وهى : الحجج القطعية يدركونها ، وينفعون الناس بها ، وينتفعون ، وأصحاب النظر السليم ، وهم الغالب ، وهم دون هؤلاء يدعوهم بالموعظة الحسنة . القسم الثالث أصحاب جدال وعناد ، وفيهم قوله تعالى : { وَجَادِلْهُمْ بِالّتِى } بالمجادلة التى ، أو بالطريق التى { هِىَ أَحْسَنُ } ، وهى ما فوق الموعظة فى الشدة ، ودون الحجج التى لا يدركونها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أُمرنا معاشر الأنبياء أن نكلم الناس على قدر عقولهم " ومن هذا قول العلماء : كلم الإنسان على قدر عقله ، لتسلم منه ، ويسلم منك ، فيجادل المعاندين فى رفق بمقدمات تسهل لهم ، ويقبح عندهم إنكارها ، وأحسن باق على التفصيل ، ويجوز خروجه بمعنى جادلهم بما هو حسن ، ولا تقابلهم بمثل ما يفعلون من الاحتيالات الفاسدة القبيحة ، فإما أن يؤمنوا ، وإما أن لا يزيد شرهم . { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } المراد الحصر فى الموضعين ، فإن علم الخلق كلهم دون علمه ، وكل ما علمت يا محمد من أحوال قومك ، فإن الله أعلم به منك ، فلا تقلق وما عليك إلا ما يطابق علمك منهم ، ويجوز الخروج عن التفضيل ، أى ربك عالم بهم ، وهو مجازيهم ، وهو مولاك ومولى لهم فى الخير ، ولا بد من الحصر ، فإنه تعالى عالم لا غير عالم ، واسم الرب لمزيد اللطف به صلى الله عليه وسلم تذكير الإحسان ، فكما أحسن الله إليك فيما مضى يحسن إليك فى المستقبل بالنصر والجزاء والستر . والخطاب تلويح بعد الكفار عن مقام اللطف ، وذكر فى الكفار ضل بصيغة الفعل إشارة إلى أنهم غيَّروا الفطرة ، كل مولود يولد على الفطرة ، بدَّلوها بالكفر ، وذكر فى المؤمنين لفظ المهتدين ، وهو اسم للدلالة على أنهم استمروا على الفطرة ، ولو فصلها كفر لأنهم رجعوا إليها ، واستمروا ، وربما كانت فيهم ولم تفصل بالكلية حتى رجعوها ، وقوم من ضل على المهتدين ، لأن الكلام وارد فيهم ، وعليك البلاغ ، وقد بلغت وإليه هو المجازى ، ولا تلح عليهم بعد مرة إبلاغ أو مرتين ، وليس عليك الهدى ، بل الله هو الهادى ، ولما نزل القتال وقتل حمزة ، ومُثِّل به بقطع أنفه وأذنيه ، وذكره وأنثييه ، وثقب بطنه ثقبا واسعاً ، أقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستقيد منهم سبعين ويمثل بهم ، فأنزل الله عز وجل قوله : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ وَاصْبِرْ } إلخ وأعتق عن يمينه ، والآية دلت على أن حكم الجماعة للقاتلين حكم القاتل منهم ، لأنه قاتل بهم ، فكأنهم قاتولن ، كما قال عمر رضى الله عنه فى امرأة قتلت فى اليمن : لو تمالأ عليها أهل صنعاء لقتلتهم ، فجاز للنبى صلى الله عليه وسلم أن يمثّل بقتيل من المشركين ، ولو لم يكن هو الذى قتل حمزة ومثّل به ، والقتال فى المدينة ، فالآيات الثلات مدنيات ، جعلهن فى سورة مكية ، وهى محكمة ، وهو الصحيح . وقيل : نزلت فى مكة مطلقة لا فى شأن حمزة فتكون تمهيداً له ، ويعترض بأنه يحتاج إلى مناسبة لذكرها هنا . وعن ابن عباس : أباح الله له صلى الله عليه وسلم أن يقاتل من قاتله ، بل أوجب ، ولا يبدأ بالقتال ، ثم نسخ إلى البدء بالقتال ، وحمزة رضى الله عنه أكبر منه صلى الله عليه وسلم بعامين ، وأشار بأن إلى أن الأصل عدم المعاقبة ، إذ لم يقل : وإذا عاقبتم ، والفعل مستعمل فى الإرادة . والمعنى وإن أردتم معاقبة من أساء إليكم ، والفعل مستعمل فى معناه الظاهر ، وفى إرادته وفى الاقتصار عليه كقوله تعالى : { وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه } [ الأنعام : 119 ] أى ألا تنتصروا على الأكل مما ذكر اسم الله عليه ، وكلوا مما ذكر اسم الله عليه ، أى اقتصروا على الأكل مما ذكر اسم الله عليه ، وفى تأثيره كقوله : { ولكن الله رمى } [ الأنفال : 17 ] أى أوصله وآثره ، وقوله تعالى : { إنَّما تُنذر مَن اتَّبع الذكر } [ يس : 11 ] أى يؤثر إنذارك وفى المشاكلة المشابهة كقوله : { ما عوقبتم به } فإن الإساءة أولا ليست معاقبة ، ولكن تشابهها صورة فهو استعارة للشبه الصورى ، ومشاكلة لما معه من قوله : عاقبتم وعاقبوا ، وذلك من تسمية السبب باسم المسبب . وفيه تلويح باستبعاد الإساءة حتى إنه من شأنها أن لا تكون ، وإنما تكون المعاقبة ، وقوله : هو عائد إلى المصدر المعلوم من صبرتم ، كأنه قيل للصبر والسلام للابتداء ، وقعت فى جواب القسم المقدم على الشرك ، أى والله لئن صبرتم . ومعنى كونه خيراً للصابرين أنه منفعة لهم للثواب فى الآخرة والنصر فى الدنيا ، والثناء الحسن ، وقطع مادة المتنة والسوء ، أو خير اسم تفضيل ، أى هو أفضل لهم لذلك من الانتقام ، وأنه تلويح بأن من شأن النفس أن لا تصبر ، فلم يقل : وإذا صبرتم فهو والله خير للصابرين ، وبعد ما فضل الصبر قال : واصبر بالأمر البدنى ، بل الواجبى فى حقه صلى الله عليه وسلم ، لأن الانتقام فى حق الأنبياء مما يعد ذنباً . { وَمَا صَبْرُكَ إلاّ بِاللهِ } بتوفيقه ، فلم يقتل بعد ذلك سبعين انتقاما ، بل الله كسائر جهاده ، ولم يمثل بواحد توفيقا من الله سبحانه له ، وقد أكد للصبر فى حقنا أيضاً بالقسم ، ولفظ هو وخير والتعبير بأن ، ووضع الظاهر موضع المضمر إذ لم يقل لهو خير لكم . { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } حزن على عدم إيمان الكفار مع شدة إيذائهم له ، وعنادهم لشدة حبه لدين الله وإنفاذه ، ورسوخ الرحمة كما خير فى إهلاكهم فأبى وقال : أرجو أن يؤمن منهم مؤمن أو يلد مؤمنا ، فقال الله : { لعلك باخع } [ الشعراء : 3 ] إلخ ونحو ذلك أمراً له أن يتسلى عنهم ، أو على بمعنى اللام ، وقيل : لا تحزن على قتلى أحد من المسلمين ، وفيه تفكيك الضمائر ، فإن الضمير فى قوله تعالى : { وَلاَ تَكُ فِى ضَيْقِ مِمَّا يَمْكُرُونَ } للكفار لا بقتل أحد من المسلمين ، وهذا من جملة تسليته صلى الله عليه وسلم فى شأن عمه حمزة ، ووعد بالنصر ، ومقتضى الظاهر ، ولا يكن فيك أى فى صدرك ضيق من كيدهم ، فغلب الكلام لنكتة هى أنه إِذا اشتد الهم أحاط بالمهتم إحاطة الظرف بالمظروف ، وما مصدرية ، ولا حاجة إلى جعلها اسماً بمعنى من مكرٍ يمكرونه ، أو المكر الذى يمكرونه وهو مصدر ، ويجوز أن يكون وصفاً مشدداً لوسط مخفف .