Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 123-124)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } يا محمد ، ثم لتراخى الرتبة ، كما أن تراخى الزمان موجود ، وذلك الموحى إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل ما أوحى الله ، وهذا تعظيم له صلى الله عليه وسلم ، ويجوز أن يكون تعظيما لسيدنا إبراهيم ، إذ أمر سيدنا محمداً باتباعه صلى الله وسلم عليهما ، وثم لتراخى هذه الرتبة عن سائر رتب إبراهيم عليه السلام ، ويجوز تعظيمه بجملة هذا الكلام ، وهو الأمر باتباعه ، وتعظيم سيدنا محمد يتم ، وقد وصف الله جل وعلا إبراهيم بتسع خصال ، وأمر الرسول باتباعه وهذا الاتباع عاشره . وفى ثم هذا إيذان بأن أشرف ما أوتى الخليل وأجلّه اتباع محمد صلى الله عليه وسلم عليهما له ، فهذا تعظيم لهما معًا ، ولا بأس باتباع الفاضل المفضول ، كما قال : { فبهداهم اقتده } [ الأنعام : 90 ] وكما يتبع الأنبياء آباءهم إذا كانوا مسلمين ، وهم غير أنبياء ، مع أن هذه الآية غير خارجة عن معنى أوحينا إليك القرآن ، وهو غير مخالف لما عليه إبراهيم وهو المراد فى قوله : { أَنِ اتّبِعْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المْشْرِكِينَ } والمراد اتباعه فى التوحيد وخصاله وبعض الأشياء ، وقيل : كل ما فى شريعتنا هو فى شريعته ، وهو صلى الله عليه وسلم مبعوث لإحياء شريعة إبراهيم أصولا وفروعا ، وهو قول باطل ، بل فى بعض كما مرّ ، وكالحج بعد أمره باتباعه فى بعض الأشياء فقال : أفعلها كما فعلها إبراهيم ، وذلك وحى من الله سبحانه مستقل ، وخصه بأشياء كثيرة لم تكن فى شرع إبراهيم ، وأمره الله الختان كإبراهيم أو علم صلى الله عليه وسلم بأن شرع إبراهيم الختان ، ووجد قومه يختتنون ، ولم ينهه الله فجرى عليه . وأن تفسيرية ، قيل او مصدرية بلا تقدير جار ، أى أوحينا إليك اتباع ملته ، أو بتقديره أى باتباعها ، وفى ذلك تعريض باليهود والنصارى وقريش ، بأنهم مشركون ، فكيف يتوهمون أنهم على دين إبراهيم ، ولا تضاف الملة إلى الله ، بل إلى الأنبياء أو غيرهم من الجمل كاليهود وقد تضاف قليلا إلى المفرد وهو غير نبى أمر الله سبحانه وتعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم باتباع أبيه إبراهيم عليه السلام ، فاتبعه فقال اليهود : لو اتبعه لعمل بالسبت كما عمل إبراهيم ، فكذبهم الله عز وجل بقوله : { إِنّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ } وهم اليهود بعد إبراهيم عليه السلام بزمان طويل ، فى زمان موسى عليه السلام ، ولم يكن السبت فى شرع إبراهيم ، بل فى شرعه الجمعة كما فى شرع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم اختاره الله له ، وهو أفضل الأيام ، لأن فيه خلق آدم ، وهو أفضل الخلق ، وفيه تاب عليه ، وفراغ الخلق والمعظم هو يوم الفراغ ، وهو يوم السرور لا يوم بعده ، لأنه تعالى هو الذى فرغ منه لا نحن فنقول : عيينا فيه فلا يصح أن يكون عبداً لنا ، والله لا يعيا ، والله جل وعلا والذى اختاره لنا ، ولم نختره نحن لأنفسنا ، وادخره الله لنا ، وقد أمر الله عز وجل به اليهود ، فلم يقبلوه ، وقالوا نحن نوافق ربنا فى ترك العمل إِذ بدأ الخلق فى الأحد ، وأتمه فى يوم الجمعة ، ولم يعمل يوم السبت ، فنحن نجعله عيداً لا نعمل فيه إلا ما لا بد منه . واختار النصارى الأحد ، لأنه يوم بدأ العمل موكله الله إليهم كما قبل من اليهود السبت ، وحنيفاً حال من إبراهيم ، لأن المضاف هنا كجزء من المضاف إليه لشدة الاتصال ، ويضعف كونه حالا من ضمير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ومعنى اختلاف اليهود فى السبت مخالفتهم كلهم لموسى عليه السلام إذ أمرهم من الله بالجملة فخالفوه إلى السبت ، فجعلوا التفرغ إلى العبادة الذى أمروا به فى يوم الجمعة فى يوم السبت ، فالاختلاف بينهم وبين موسى أى اختلفوا فيه مع موسى ، وهو خلاف الظاهر ، فإن الظاهر فيه أن يذكر موسى أو يقول خالفوا ، ولذلك اختار بعض أَن المعنى اختلفوا فيما بينهم ، بعض رضى بالجمعة ، والأكثر أرادوا السبت . وقيل : لم يعين الله لهم الجمعة ، بل ذكر يوماً مطلقاً من الأسبوع ، فاختلفوا فيه ، فأراد القليل الجمعة ، والصحيح التعيين ، وهو ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم : " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم " ثم هذا يومهم الذى فرض عليهم ، يعنى الجمعة فاختلفوا فيه ، وهدانا الله إليه ، فالناس لنا فيه تبع : اليهود غداً والنصارى بعد غد ، ومعنى ، بيد : غير ، والمعنى على أنه شديد عليهم به ، إذ خالفوا إليه فألزمه تعظيمه بالعبادة وترك الصيد . وأيضاً جعل وباله عليهم ، لما اصطادوا فيه زمان داود مسخ شبانهم قردة ، وشيوخهم خنازير ، أو مسخوا قردة كما هو ظاهر سورة البقرة ، حفروا حياضاً يدخل إليها الحوت يوم السبت يصطادونها يوم الأحد ، فعوقبوا على هذه الحيلة كما لعنوا بأكل ثمن الشحوم المحرمة عليهم ، والسبت هو يوم السبت ، أو هو بمعنى المصدر بمعنى العمل بتعظيمه ، يقول : سبت اليهودى أى عظم يوم السبت ، وعمل به ، أو قطع العمل وبقيت طائفة من اليهود على تعظيم الجمعة ، والتفرغ للعبادة فيه ، كما أمر الله عز وجل ، وترك السبت فى عهد موسى ، فهم لا يحرم عليهم الصيد والعمل يوم السبت وهم قليل انقرضوا . ولما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم بطل السبت والأحد على اليهود والنصارى ، ووجبت عليهم الجمعة . { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } بإثابة المطيع وعقاب العاصى ، فمن المطيع من عظم السبت ، ولم يصد فيه ومنه من عمل بالجمعة وترك السبت . { فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } مع نبيهم ، أو اختلف بمعنى خالف .