Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 14-14)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَهُو الَّذِى سَخَّر الْبَحْرَ } المالح وإنما يفسر به لعظمه وتبادره باسم البحر دون هؤلاءِ البحور الجارية ، ولو كانت تسمى بحرا كبحر النيل ، وأيضا البحر المالح هو المعروف باستخراج اللؤلؤ والمرجان منه والياقوت والحوت بخلاف البحر الحلو كالنيل فإنه لا يكون فيه ذلك الحلى ، وقل فيه السمك ، وهو دون سمك البحر المالح ، والمراد بالبحر الجنس الشامل ، ولا يدخل المحيط لأَنه لا يطاق على الغوص إلى أرضه ، والمراد سخره للركوب إلى حيث شئْتم من البحر أَو البر ، والغوص فيه للسمك ونحو اللؤلؤ كما قال : { لِتأْكُلوا مِنْهُ } أى من سمكة فحذف المضاف ، أَو المعنى لتأَخذوا منه { لَحْما طَرِيّاً وتَسْتخْرِجُوا مِنهُ حِلْيةً } ما يتزين به من لؤلؤ ومرجان { تلْبَسُونهَا } ذكوركم ونساؤكم كما يثقب للصبى فيعلق فى أُذنه لؤلؤة أَو مرجانة ، وكما يركب التاج بهما ، ومن حلف على حلى حنث بأَحدهما عند أَبى يوسف للآية لا عند أبى حنيفة لعدم العرف بذلك ، والأَكثر فى لباسهما النساء ، ولذلك يجوز أَن يقدر تلبسها نساؤكم أَو أُسند اللباس إٍليهم حكما على المجموع لأَن النساءَ والرجال جنس البشر ، ولأَنهن يلبسن ذلك لأَجلهم ، كما قيل المراد بالبحر ما يشمل العذب فيكون نسبة استخراج الحلية بالنسبة إلى العذب حكما على المجموع كما فى قوله تعالى { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } [ الرحمن : 22 ] { ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية } [ فاطر : 12 ] إلخ أَو تلبسونها بمعنى تخالطونها فى نسائكم ومتاجركم ، أَو استعار اللباس للاستلذاذ بجامع التمتع ، أَو ذلك مجاز مرسل لأَن التمتع لازم للباس ، ووصف السمك بالطراوية لأَنه أَرطب اللحوم ، وهو أسرع فسادا من سائر اللحوم إن لم يشرح ويملح ، وكذلك يسرع إلى أكله لئلا يفسد ، وسماه لحما مع أَنه ليس حيواناً لذلك ، ولكونه يصلح للأَكل فقط لا كالأَنعام ، ولدقة عظامه كأَنها لم تكن فيه دلالة عظيمة على قدرته أنه خلق لحما طريا شهيا للأَكل فى ماءٍ مالح تتصلب أَشياؤه ، ومن حلف لا يأْكل لحما حنث بالسمك لأَن الله عز وجل سماه لحما ، والصحيح عندى القول بأَن اليمين على العرف فلا يحنث فى عرف من لا يذكره باسم اللحم ، ولو كان لحما فى اللغة والقرآن لأَن العمل بالنية ، سمع سفيان الثورى عن أبى حنيفة أنه لا يحنث به من حلف على اللحم فأَنكر عليه لهذه الآية ، فأَرسل إليه أبو حنيفة من سأله عن حالف لا يصلى على البساط إن صلى على الأَرض فقال : لا يحنث ، فقال السائل : قد سماها الله بساطا ، فعلم أن ذلك السؤال من أبى حنيفة فرجع إِلى قول أبى حنيفة ، فلا يحنث حالف على ركوب دابة بركوبه إنسانا مع أنه دابة لأنها فى العرف الحمار أو ذات الأربع ، والمرجان شجر أحمر ينبت فى البحر المالح على صورة شجرة التين مثلا ، قال أبو بكر الطرطوشى : إنه عروق حمر تطلع من البحر كأصابع الكف ، لا صغار اللؤلؤ كما قيل وإنما يزداد حمرة بالعمل ، والحوت كله حلال ولو على صورة إنسان أَو خنزير أو كلب أو طفا على الماء ميتا أَو ذهب عنه الماءُ أَو مات بضرب أو بأَكل شىءٍ أو غير ذلك ، أو وجد فى بطن حيوان آخر أَو بحر أَو برد أَو ضيق أَو مات فى جب ماء أَو قتله طائر أَو غيره أَو طال موته وأَنتن ، وما قطع منه وما بقى ، إلا أَن أَكله بعد ذهاب طراوته أَضر شىءٍ قال صلى الله عليه وسلم : " كل ما فى البحر فهو ذكى " وقال : " هو الطهور ماؤه والحل ميتته " أَى ميتته حيوانه ولو مات فى غيره ، ولا أَستثنى شيئاً منه ، ولهذا الحديث ونحوه علمنا أَن حديث : ما أَبين من حى فهو ميتة إِنما هو فى حيوان البر ، وعنه صلى الله عليه وسلم : " ما نضب عنه الماء فكلوا وما لفظه الماء كلوا وما طفا فلا تأكلوا " روى عن جابر بن عبد الله فإن صح فالنهى عن طافٍ كراهة لا تحريم { وتَرَى الْفُلْك موَاخِرَ فِيهِ } جمع ماخر ، والميم أَصل ، تمخر أى تشقه ذاهبة وراجعة بريح ، وربما اتحدت الريح ذهابا ورجوعاً أَو تصوت مع الماءِ للجرى فيه أَو تجرى { وَلِتَبْتغُوا } عطف على تأكلوا أى ولتطلبوا ، قيل : أو الواو زائدة لسقوطها فى قوله تعالى : { فيه مواخر لتبتغوا } [ فاطر : 12 ] أَو عطفت على محذوف أَى لتعتبروا ولتبتغوا ، أَو لتنتفعوا ولتبتغوا ، قيل : وفعل ذلك لتبتغوا { مِن فَضْلِهِ } من سعة رحمته بركوبها للتجر { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } الله على ذلك وسائر نعمه ، وذكر اشكر هنا لأَنه جعل البحر المهلك سببا فى الوصول إِلى المرام ، وأَخرج البزار عن أَبى هريرة موقوفا : كلم الله البحر الغربى إنى حامل فيك عباداً من عبادى فما أَنت صانع بهم ؟ قال : أَغرقهم قال : بأسد فى نواحيك وحرمة الحلية والصيد ، وكلم البحر الشرقى إنى حامل فيك عبادا من عبادى فما أنت صانع بهم ؟ قال : أحملهم على يدى وأَكون لهم كالوالدة لولدها فأَثابه الحلى والصيد ، ومثل ذلك لابن أبى حاتم عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن كعب الأَحبار وهو كلام لم يثبت وكأَنه موضوع ، والمشاهد أَيضا فى الغربى الصيد والحلى .