Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 61-61)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ } فى الدنيا يهلك أو يعاقب ، والمفاعلة للمبالغة لا للمفاعلة بين اثنين ، كما زعم ابن عطية أن العهد بأخذ حق الله بمعصية ، والله يأخذ منه بمعاقبة لضعفه ، بأن المأخوذين متغايران ، بخلاف التضارب ، فإنه فى جانب كل منهما إيلام بالضرب ، وكأن نسبة أخذ حق الله بالمعصية ، مع كونه مجازاً تنافى حسن الأدب . { النَّاسَ } الناس الظالمين لذكر تعليق الحكم بالظلم بعد فى قوله : { بِظلْمِهِمْ } لأنفسهم ظلمًا للغير ، أو لأنفسهم فقط بالذنوب الكبار ، فخرج غير الظالمين ، ولا يأمر بتأخير القرينة ، بقدر ما لا يفسد اعتقادا ولا عملا أو الناس عموماً بظلم الظالمين منهم ، ولا بأس بنسبة الظلم إلى العموم باعتبار أن الظالمين فيهم ، ولا يوهم أن الأنبياء غير معصومين ، كما احتج بهذه الآية ونحوها ، على أنهم غير معصومين ، وقد قال الله جل وعلا : { ثم أورثنا الكتاب } [ فاطر : 32 ] إلخ فذكر الظالم ، وذكر المقتصد والسابق ، فهما لا يطلق عليهما اسم ظالم إِلا ببيان التوبة ، أو قيد . ويجوز أيضا أن يراد بالناس المعهودون المذكورون والمثبتون البنات لله سبحانه . { مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ } غير مهلكة والهاء للأرض ، دل عليها المقام لأن الظالمين كغيرهم فى الأرض ، فكل من بنى آدم والدواب على الأرض ، التزام ، والحق جواز تأخير القرينة قدر ما لا يحتاج إِلى البيان فى الأحكم ، وكيف فى غيرها ، وكالدابة الحوت ، ومر أيضا إدخاله فى الدابة ، وإهلاك غير الظالم بالظالم حكمة من الله ، ولا عقاب إِلا على الظالم ، كما يصيب الناس القحط والطاعون والجدب بأسبابها من بغض الناس ، كحكم الجور والزنى ، ومنع الزكاة . قال ابن مسعود رضى الله عنه ، كاد الجُعَل يهلك فى جحره بذنب ابن آدم . وفى مسند أحمد : ذنوب ابن آدم قتلت الجمل فى جحره ، وسمع أبو هريرة رجلا يقول : إن الظالم لا يضر إلا نفسه ، فقال : بلى والله حتى إن الحيارى تموت هزلا بذنب ابن آدم ، وذكر ابن الأثير هذا حديثًا ، والمؤاخذة فى الآية والضر بما شاء الله من منع القطر ، ومن الصاعقة ، وما شابه من المهلكات ، واختار بعض أن المراد منع القطر ، ويقال الدواب خلقت لانتفاع الناس بها ، فلو هلكوا لم يبق لها فائدة ، وفيه أنها تعبد الله سبحانه وجل جلاله أيضا ، وأن منها ما لا ينتفع به ابن آدم ، اللهم إلا باعتبارها ، وأما خلق لكم ما فى الأرض جميعا ، فالمراد به ما يتوصلون إِليه ، وخص الجمل بالذكر لأنه من أخبث الأشياء لا يترك بلا هلاك ، فكيف ما هو عظيم ، والحبارى لأنها أبعد الطير نجعة ، لأنها تذبح بالبصرة ، وتوجد فى حوصلتها الحبة الخضراء ، وبين البصرة ومنابتها أَيام . ومن معنى الآية لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ، والقائل لا يضر إِلا نفسه ، يريد إِنما إِثمه عليه ، كما قال الله عز وجل : { إِنما بغيكم على أنفسكم } [ يونس : 23 ] ولعل ابن مسعود يرى أن المذنب عليه إثم ما هلك به ، وقيل المراد بالدابة خصوص الظالمين ، أى من دابة ظالمة ، أى من أحد ظالم { إِن شر الدواب عند الله الذين كفروا } [ الأنفال : 55 ] أو للظاهر عموم للدابة كما مر ، حتى إنها تشمل الجن ، ولو يؤاخذهم لم تبق دابة فى الأرض بالتنجس فى قطع النجاء ، ومخالفة رسوله فى أمر الله إياه بإعفاء اللحى وإحفاء الشارب ولا تقبل شهادة من يفعل ذلك ، ويجوز حلق أعلى الحلق لا ما فوقه من اللحيين باطنا وظاهراً أسفل مما يلى العنق ، وفوق ما يلى الوجه . أخرج ابن مردويه عن أبى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم : " ولو أن الله تعالى يؤاخذني وعيسى بن مريم بذنوبنا وفى لفظ بما جنت هاتان الإبهامان والتي تليهما لعذبنا ما يظلمنا شيئاً " فلا بأس بتفسير الناس بما يشمل الأنبياء ، لو كانوا لا يسمون باسم ظالم ، كما تقول : الله خالق كل شئ ، ودخل القردة والخنازير فى ذلك ولا قول خالق القردة والخنازير ، وكما نقول : الله فى كل مكان ، ولا نقول الله فى الدار . والأولى أن يراد بالناس العموم والظلم مصروف إِلى أَهله وصاحبه فيهم يؤخذ بظلمه ، وغيره بشؤم الظالم ، قال الله تعالى : { واتقوا فتنة } [ الأنفال : 25 ] الخ . { وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } معين عند الله ، أجل لأعمارهم وعذابهم ، وتوالدهم ، وسائر ما قضى الله فى الأزل ، ولو هلك الآباء لذنوبهم لم تكن الأبناء فلا تبقى الدواب لأنها خلقت لهم على حد ما مر . { فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً } ولو أقل من لحظة { وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } عطف على إِذا وما بعدها لا على جوابها ، لأن التقديم بعد المجئ مستحيل ، فلا يتعرض لنفيه إِلا أن يعطف عليه ، لا لبيان انتفاء التقدم ، مع إمكانه فى نفسه كالتأخر بل للمبالغة فى انتفاء التأخير بنظمه فى سلك المستحيل عقلا أو المراد بمجئ الأجل قربه . وقرب الشئ ، يقبل التقديم فيما بعد ذلك القرب لا فى نفس القرب أو قبله .