Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 72-73)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا } لا من جنس آخر كالفرس والناقة لتأنسوا ، وتماثلكم أولادكم ، والنفس بمعنى الجنس مجازًا ، وأصله الذات فلا يجوز للرجل تزوج الجنية ، ولا للمرأة تزوج الجنى ، لعدم الجنسية ، ولعدم الوثوق لأنهم لا يشاهدون وهم يتخيّلون ، فكيف يثق بها أو تثق به ؟ وكيف يثق بأن هذا وليها ؟ ويقال وقع التزوج منهم فى أصحابنا وقومنا ، ولعل من فعل ذلك أمكن له التوثق ، وقيل المراد خلق حواء من آدم عليهما السلام ، لأنها خلقت من ضلعه ، وسائر النساء من نطفة الرجال ، ولا يعترض لجمع الأنفس ، والأزواج ، ولا يحتاج إِلى الجواب بالتغليب ، أو بأن المراد بعض الأنفس وبعض الأزواج فضلا عن أن يقال ذلك تكلف . { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ } يشمل البنات ، أو يقدر بنين وبنات . { وَحَفَدَةً } أولاد البنين وأولاد البنات ، ذكوراً أو إِناثاً أو البنات وأولاد البنين عند عبن عباس والحسن وابن العربى والأزهرى فإنهم من الأزواج بالواسطة من حفد فى الشئ أسرع فيه ، والبنات أسرع فى خدمة البيت والطاعة ، ولذلك فسر بعضهم الحفدة بالبنات ، والمفرد حافد ككامل وكملة ، ولد حافد وأولاد حفدة . وفى التفسير زيادة امتنان ، وكذلك الأولاد أسرع فى ذلك كما فسر بهم عموما ، أو الحفدة البنون ، ذكروا بالبنوة وباسم السرعة فى الخدمة والطاعة ، وعن ابن عباس : البنون صغار الأولاد ، والحفدة كبارهم ، نظراً إلى أن الكبار أقوى فى الخدمة ، وعن مقاتل العكس ، لأن الصغار أقرب للانقياد ، وقيل المراد الأختان على البنات ، فإنهم قوامون عليهنَّ ويخدمون بالجد والصدق وقيل الربائب ومن بنات امرأة الرجل من غيره ، وقيل الأصهار فيحصل ليزاد اعوان الرجل من قبل المرأة ولو أخاها أو ابن أخيها ونحو ذلك من قرابتها ولا مانع من حمل الآية على ما ذكر كله . { وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ } اللذائذ ، والخطاب للمؤمنين والكفرة أو الطيبات الحلال ، والصحيح أن الكفرة مخاطبون بفروع الشريعة ، فصح خطابهم بالحلال ، ولا يخفى أنه خلاف الظاهر ، فذلك وجه إِنكار من أنكره كما أن تفسير الطيبات بالغنائم أو بما جاء من غير نصب خلاف الظاهر ومن للتبعض فإنه لم يرزقكم كل ما فى الدنيا ، وكل ما فيها بعض مما فى الجنة اسما وصورة ، والحقيقة مختلفة أو من الطيبات مما فى قدرة الله تعالى . { أَفَبِالْبَاطِلِ } هو أن عبادة الأصنام حق ، وأنها تنفعهم فى الدنيا . وأيضا فى الآخرة إن كانت حقا ، وتحريم السائبة والبحيرة والوصيلة والحامى ، وهن من الطيبات ، والاستفهام توبيخ ، وقدم الجار على متعلقه وهو قوله : { يُؤْمِنُونَ } على طريقة العرب فى الاهتمام أو لإيهام التخصيص مبالغة ، وللفاصلة ، وكذا فى قوله : { أَفبنعمة الله يجحدون } [ النحل : 71 ] والعطف على محذوف أى أيكفرون بالحق فيؤمنون بالباطل ، وهو عبادة الأصنام ، وتحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحامى . { وَبِنِعْمَةِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } يستمرون على الكفر ، كأنه قيل لا يجحدون إلا ينعمه ، ولا يؤمنون إِلا بالباطل ، ولا يكفرون إلا بنعمة الله والاستفهام التوبيخي منسحب على قوله : { وبنعمة الله } كأنه قيل أو بنعمة الله هم يكفرون ، وكذا انسحب على قوله : { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } ومعنى كفرهم بنعمة الله إِضافتهم إياها للأصنام ، وتحريم المحلل كالبحيرة ، وذلك أن إِثبات الألوهية لغير الله إثبات لبعض النعم لغيره ، لأن الإله منعم ، وقيل الباطل الشيطان ، والنعمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل : الباطل ما حرم الشيطان من نحو البحيرة ، ونعمة الله ما أحل الله عز وجل ، وشيئا مفعول لرزقًا من أعمال المصدر المنون أى ما لا يملك لهم أن يرزق شيئا ، وإن جعل بمعنى ما يرزق به الإنسان ، فشيئًا يدل رزقا مؤكد له ، جعل تنوينهما للتحقير أولا ، إِذ شئ أم ومن متعلق برزقا لا يرزقهم من جهة السماء ، لا من جهة الأرض ، أو محذوف نعت لرزقًا ، ومفعول يستطيع محذوف ، أى لا يستطيعون ملك رزق ، وهو منزل كاللازم بمعنى لا استطاعة لهم ، والواو لما فى قوله : ما لا يملك ، مراعاة لمعناها ومراعاة لفظها ، وهو جائز وهو جماعة الأصنام التى يعدونهاعقلاء عندهم ، أو نحو عقلا ، أو للكفار لا يستطيعون وهم عقلاء تحقيقا ، فكيف الأصنام الجمادات . وذكر هنا هم دون سورة العنكبوت ، لتقدم قوله تعالى : { والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون } [ العنكبوت : 52 ] المفيد لأتم للتأكيد ، فيستغنى عن التأكيد بقوله هم ، أو جئ به هنا لسرد النعم على أتم وجه ، فكان التأكيد فى بيان كفرهم أنسب ، ولا سرد لها فى سورة العنكبوت كذلك . أو لأن آيات سورة العنكبوت استمرت على الغيبة ، وهنا تقدمت خطابات فجئ بقوله هم تأكيداً فى إظهار الغيبة المنتقل إليها لئلا يسبق توهم أحد إلى أن يقرأ تؤمنون وتكفرون بالخطاب ، وهذا ليس فيه ما يعترض عليه ، بأنه لا مقتضى للزوم الغيبة ، وأنه لا لبس فى ترك قوله هم ، وإنما زاد هنا هم دون قوله : " أفبالباطل يؤمنون " ، لئلا يتوهم أنه تكرير لقوله : " أفبنعمة الله يجحدون " ، ففصل بالمبالغة والتأكيد ترقيًا فى الذم ، وللجرى على عادة العرب فى أنهم إذا أنكروا على أحد شيئًا جدًا أتوا بكلام آخر أذم من الأول ، لئلا تكون الفاصلة الأولى زادت على الثانية وقال هنا : يكفرون ، وهنالك : يجحدون لتقدم ضرب المثل هنالك ، وهو أقبح ، فناسب الجحد .