Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 77-78)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَللهِ غَيْبُ } أى علم غائب { السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } لا يعلمه سواه بحس ولا بدليل يؤخذ من محسوس أو من عقل ، ودخل فى ذلك قيام الساعة ، وفسر به . { وَمَا أُمْرُ السَّاعَةِ } مع عظم أمرها ، والمماراة فيها { إِلاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } ما قيامها فى السرعة والسهولة إلا كنظرة بعين ، وفسر أيضًا بقوله تعالى : { عنده علم الساعة وينزل الغيث } [ لقمان : 34 ] الآية ، والتعميم أولى ، وإن شئت فلا تقدر علم غائب السماوات والأرض ، فيكون المعنى لله غائبهما عن علوم المخلوقين ، وأَو لشك المخلوق ، أو تشكيك الله إياه أو للتخيير على جوازه فى الإخبار مطلقا ، أو بشرط التشبيه كما فى الآية ، أو للإضراب الانتقالى لا الإبطالى ، لأن الله جل وعلا لا يقول بالباطل إلا أن يقال الأول على سبيل الفرض ، وهو لمح البصر ، والثانى محقق ، وهو كونه أقرب ، ككونه فى نصف لمح البصر ، واللمح : النظر الخفيف السريع ، وفسر برجع الحدقة من أعلاها إلى أسفلها . وفيه مع ذلك أجزاء دقيقة من الزمان ، وذلك أن الله يحيى الخلق فى آن واحد ، لا يقبل التجزؤ ، ولو تفاوت خروجهم من قبورهم ، ومعنى التخيير أن الله عز وجل خيّرنا أن نشبه أمرها بكلمح أو بأقرب ، وأو لمنع الخلق لا لمنع الجمع ، لجواز أَن يشبه باللمح وبأقرب ، ويجوز أن يكون المعنى أن قيام الساعة ، ولو تراخى وقوعه هو قريب عند الله شبه بلمح البصر أو أقرب ، كما قال : { وإِنَّ يومًا عند ربك كألف سنة } [ الحج : 47 ] فى أحد أوجه . وفى هذا التفسير الآخر الأوجه المذكورة فى أو ، ولكون أمر الساعة كلمح البصر أو أقرب مناسبة لعلم الغيب ، ولعلم الغيب مناسبة للذى يأمر بالعدل ، وهو على صراط مستقيم ، لأنه لا يكون كذلك لا يعلم ، وقيل : المعنى : ما إماتة الناس كلهم آخر الدنيا ، وإحياؤهم إلا كلمح البصر . { إنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } لا بعجزه شئ ، فهو قادر أن يحيى الخلق دفعة ، كما خلقهم تدريجًا ، لأنه يفعل بلا آلة ولا علاج ولا كسب ، واستدل على ذلك بقوله : { وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ } العطف على أن الله على كل شئ قدير ، وقيل : على { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً } [ النحل : 72 ] الهاء زائدة كأهراق فى أراق . أمهات للعموم ، وقيل للأناسى ، والأمات للحيوانات ، وقوله : { لاَ تَعْلَمُونَ } حال من الكاف { شَيْئًا } مفعول به ، أى شيئًا من المعلومات ، أو مفعول مطلق ، أى علمًا والأول أنسب ، وعلى الثانى لا مفعول لتعلم ، أى لا علم لكم ، والمراد قيل : لا تعلمون شيئًا من حق المنعم وغيره ، أو شيئًا من منافعكم ، أو مما قضى من سعادة أو شقاوة ، أو مما أخذ عنكم من الميثاق يوم قال : { أَلست بربكم } [ الأعراف : 172 ] والصواب التعميم . وعن وهب : لا يدرك فى سبعة أيام من ولادته شيئًا ولا يدرك راحة ، ولا ألما ، ويرده بكاؤه إِذا أصابه ضر من جوع أو غيره ، وأنه عالم بنفسه ، وذكر بعض أن النفس لا تغفل عن الذات ، ولو حال النوم والسكر ، وزعم بعض أن شيئًا مفعول به أولا ، والثانى محذوف ، أى لا تعلمون شيئا واقعا أو موجودًا . { وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ } قيل : قدم السمع لأنه أشرف من البصر ، وأخر القلوب لأن السمع والبصر وسيلتان ، والوسائل مقدمة قيل : وخصهما من سائر الوسائل لأنهما أَشرف ، والاستدلال بمدركاتهما أكثر ، كما يذكر المهاجرون والأنصار ، والمراد الصحابة عمومًا ، وكما يذكر الصلاة والزكاة ، مع أن المراد جميع العبادات لشرفهما وأصالتهما ، فقد يكون مجازًا بذكر الخاص وإرادة العام ، ووحدا لسمع لأمن اللبس ، ولكونه فى الأصل مصدرًا يصلح للقليل والكثير بلفظ واحد ، ولاتحاد متعلقه وهو الصوت وجمع الأبصار لتعدد متعلقاته من الألوان والأعراض ، والأطوال ، والرقة والغلظ وأما الأفئدة فلكل واحد فؤاد واحد ، خلق الله فيه من الإدراك صفى ما فى العينين والأذنين ، وأصله الطف القلب ، وهو وسطه ، والمراد القلب كله ، ولم يذكر اللمس والذوق والشم ، لأن الدلالات اليقينية الظاهرة فى وجود الله ، إنما هى فى النظر فى نفس الإنسان والآفاق ، وفى السمع للنقليات ، وليس الذوق والشم واللمس إِلا بدون ذلك فذكر الأعظم استغناء عن العظيم . كما مر أنه يذكر الصلاة والزكاة والصوم والمراد ما دونهما أيضا ، لأن العقل يعتبر أنه لا يقدر غير الله أن يخلق هذه الرائحة فى هذا ، والحلاوة فى هذا ونحو ذلك ما يتخالف ، مع أن الكل مثلا من خشب ؟ والحس الرؤية والسمع واللمس والذوق والشم والحس سبب للإدراك ، وقد يراد بالحس الإِدراك بالحواس ويقال الإدراك للحس المشترك ، أو للعقل والإحساس للحواس الظاهرة ، وذكر بعض أن السمع والبصر عبارة عن باقى الحواس الظاهرة ، وقدما على الفؤاد لتقدم الظاهر على الباطن ، لأنهما لهما مدخل فى إدراكه ، ولأنهما خادمان له ، والخدم تتقدم بين يدى السادات كما تقدم بعض السنن على العرض ، ولأن مدركاتهما أقل من مدركاته ، ولو كان له حد ينتهى إِليه كما لهما ، وقدم السمع على البصر ، لأنه طريق تلقى الوحى ، ولأن إدراكه أقدم من إدراك البصر ، ولأن مدركاته أقل من مدركات البصر . واعلم أن للنفس تدرك الكلى والجزئى باستعمال الحواس وبدونه ، والصحيح أن الإدراك للعقل خاصة والحواس أبوابه ، ومعنى الحس المشترك أنه أدركت فيه الشئ الحواس والعقل معا بمرة ، وأنكره أكثر المتكلمين ، والإنسان إذا كان جنينا له عقل هيولى له به العلم بالإحساس بالجزئيات ، والجملة معطوفة على أخرجكم . { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } المراد تصلون إلى الشكر بعد المعرفة بالنعم ، لأن وجود النعم بلا معرفة لا يكون سببا للشكر ، وقد قيل إن لعل للتعليل .