Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 89-89)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا } نبيًّا يشهد ، وإن من أمة إلا خلا فيها نذير نبى أو صالح فيهم ، أو نبى وصالح معاً ، ولا بد فى كل عصر من قائم على أهل عصره يكون صالحا حجة ، ولا تخلو منه أمة يشهد هو لهم ، وتشهد لهم أمته ، ويزكى أمته ، فإن دخل صلى الله عليه وسلم فى قوله : { ويوم نبعث } إلخ بلا بأس بذكره هنا شهيداً على غير أمته من الأنبياء ، وجاز إرادة أمته فى الموصمين ، ولا تكرار ، ولأن الشهادة الأخيرة تزكية لهم ، إذ شهدوا على الأنبياء وأممهم ، وكذلك جعلناكم أمة وسطا إلخ . ولفظ على فى الخير والشر ، والشاهد علو فى الجملة ، أو لوجه ما ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يشهد على مَن يأتى من أمته إلى قيام الساعة ، ومنه صلى الله عليه وسلم : " حياتى خير لكم تحدثون ويحدث لكم ومماتى خير لكم تعرض علىَّ أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله تعالى عليه ، وما رأيت من شر استغفرت الله تعالى لكم وتعرض على القرابة " قال صلى الله عليه وسلم : " لا تفضحوا موتاكم بسيئات أعمالكم فإنها تعرض على أوليائكم من أهل القبور " رواه ابن أبى الدنيا عن أبى هريرة . وقال صلى الله عليه وسلم : " إنَّ أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيرا استبشروا وإن كان غير ذلك قالوا : اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا " رواه أحمد عن أنس ، وروى داود مثله عن جابر ، وزاد : وألهمهم أن يعملوا بطاعتك . وقال صلى الله عليه وسلم : " أعمالكم تعرض على موتاكم فيسرون ويساءون " رواه ابن أبى الدنيا عن أبى الدرداء ، فكان أبو الدرداء يقول : اللهم إنى أعوذ بك أن يمقتنى خالى عبد الله بن رواحة إِذا رأيته يقول ذلك فى سجوده . { عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } بعطف يوم نبعث من كل أمة على يوم نبعث السابق ، ويقدِر ما قدر فيه لبُعده ، والأول يشمل الشهادة للأمم وعليها ، كما مرّ ، وهذا فى الشهادة عليها فقط لزيادة الزجر ، وهذا التأسيس أولى من أن يقال : هذا تفسير للسابق ، أو أن يقال : الشهادة عليهم بمعنى الإخبار عنهم إسلاما وكفرا ، والأصل عدم التفسير ، والأصل أن على للضرر ، ومن أنفسهم من جنسهم أولاد من المعاشر لهم اللائق ، ولو فسر بالنسب لأشكل بلوط وشعيب ، إذ ليس هما من نسب أقومهما ، إلا أن يحمل على النسب تحقيقا أو حكما ، فإنهما من النسب حكما لعشرتهما لهم ، أو من يكون نسبهم مثلهما شهد فى مقامه صالح من نسبهم ، أو يعتبر الغالب . { وَجِئْنَا بِكَ } يا محمَّد { شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاَءِ } أمتك فى إنزال هذا عليها زجر عظيم إلى آخرها ، ويجوز أن يفسره هؤلاء شهداء الأمم ، وهم أنبياؤه فهو شهيد على الأنبياء ، وذلك لعلمه بعقائدهم ، واستجماع شرعه لقواعدهم ، ولأنه مرسل إلى الأنبياء وأممهم ، فالأنبياء كآحاد أمته ، ولا مانع من هذا ، ولو جاء الحديث بأن هذه الأمة تشهد للأنبياء بالتبليغ ، ولا مانع من تكرير الشهادة ، والنبى صلى الله عليه وسلم يزكى أمته ، وقوله تعالى : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } [ النساء : 41 ] كهذه فى احتمال أن هؤلاء هم الأنبياء وزعم بعض أن الشهيد عشرة أجزاء من الإنسان : الأذنان ، والعينان ، والرجلان ، واليدان ، والجلد ، واللسان ، فذلك شهيد على الإنسان عن نفسه . ويرده المقابلة بقوله تعالى : { وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } [ النساء : 41 ] وقوله تعالى : { فى كل أمة شهيداً عليهم } فالشهادة على الأمة لا على نفسه ، ولعل قائله أراد الوعظ لا حقيقة التفسير ، وكل ما لا يجوز التفسير به لا يجوز ما يوهم أنه تفسير . { وَنزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تبْيَانًا لِكُلِّ شَىْءٍ } من التوحيد أو منه ، ومن الفروع ، لأن ما يقول النبى صلى الله عليه وسلم من الوحى وغيره ، وما يقول العلماء هو فى القرآن والحديث مثل : { وما آتاكم الرسول } [ الحشر : 7 ] { وما ينطق عن الهوى } [ النجم : 3 ] وقوله : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين " أو من الدين والدنيا ، ولو تفاوت الناس فى القرآن بقوة الفهم وضعفه ، قال ابن عباس : لو ضاع لى بعير لوجدته فى القرآن . { وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } عطف على أنزل من السماء ماء ، أو على أوحى ربك ، أو على أخرجكم ، أو الواو للحال ، وصاحبها نا من جئنا ، أو كاف بك ، على تقدير : ونحن نزلنا ، أو قد نزلنا وقد أجيز كون الماضى ولو متصرفا مثبتا مجرداً من قد حالا مع مرفوعه ، والحال محكية ، ولزمان لا يجرى على الله ، ومَن قال بجريانه عليه احتل توحيده ، لأنه تعالى والخالق له قليلا قليلا ، والقرآن فيه بيان كل شئ ، بتصريح أو فهم أو سنَّة أو قياس ، وأما الإجماع فمأخوذ من ذلك إلا أنه بعد ذلك خفى موضع استنباطه من ذلك على غير المجمعين ، والمراد كل شئ ما يحتاج إليه من أمر الدين ، وللمسلمين نعت : لهدى ورحمة وبشرى ، أو تنازعت فيه فيقدر لفظ لهم لما أهمل ، والهاء عائد إلى المسلمين ، وخص المسلمين لأنهم المنتفعون ، أو لا تنازع ، ولكن المراد هدى ورحمة لكل أحد ، كما قال عز وجل : هدى ورحمة للعالمين وبشرى للمسلمين خاصة . وبشرى بمعنى التبشير اسم مصدر ، والتبيان التبيين البليغ ، ولا يوجد تفعال بكسر التاء فى المعانى المصدرية إلا تبيان وتلقاء بمعنى اللقاء ، كما روى ثعلب عن الكوفيين ، والمبرد من البصريين ، وذكره الزجاج بلا حصر ، وقيل له الزجاج ، لأنه كان ينحت الزج ، وهو ما يثبت فيه أصل الرمح . وباقى المعانى المصدرية كلها بالفتح : كالتستار ، والتذكار ، والتكرار ، والتهدار ، والتلعاب ، وغير المعانى المصدرية بالكسر وصفا أو غيره : كالتمساح والتمثال ، وتقصار لقلادة المرأة ، وتعشار وتبراك لموضعين ، ورجل تكلام وتلقام وتلعاب ، وناقة تضراب قريبة بضراب الفحل ، وتمراد لبيت الحمام ، وتلفاف لثوبين ملفوفين ، وتجفاف لما تجلل به الفرس ، وتهواء لجزء ماض من الليل للقصير اللئيم وتيفاف لموافقة الهلال .