Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 90-91)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ } بترك الميل عن الحق ، والميل الجَوْر ، يقول : مال بمعنى جار ، ودين الله وسط لا إِفراط ولا تفريط ، إما اعتقاداً كالتوحيد بين نفى الله وإثباته مع الشركة ، وكإثبات صفات الله ، وإنما هو بين نفيها وإثباتها مع اعتقاد أنها غيره يحتاج إليها حاشاه عن الحاجة ، وقد عاب على الأشعرية ابن العربى إذ قال لا فرق بين قول من يقول : إنها عيره ، وقول من قال إن الله فقير إلا تزيين اللفظ ، وكالقول بأَن فعل المخلوق كسب منه ، وخلق من الله المتوسط بين دعوى أنه مجبر علىعمله ، لا كسب له فيه ، وبين دعوى أنه خالق لا قدرة لله فيه . وإما عملا كأداء الواجب المتوسط بين البطالة والانقطاع بالكلية إلى العمل وقد قال صلى الله عليه وسلم : " لا رهبانية فى الإسلام " وفى الهند قوم يتقربون إلى الله بترك اللذات كلها ، وإليه وإلى ملكهم بقتل أنفسهم بالنار أو بالإِلقاء من عال . وإما خلقه كالجود بين البخل والتبذير ، والشجاعة مع التحرز بين التهور والجبن ، ودخل فى العدد الحكم بين الخصمين بالحق ، بين الأولاد والأزواج . { وَالإِحْسَانِ } يفعل الطاعات والمبالغة فى تجويد الفرض ، وفى الحديث : " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه " وقصر بعضهم الآية على الحديث ، وقيل : العدل التوحيد أو الإنصاف والإحسان أداء للفرائض ، وذلك إحسان الإنسان إلى نفسه وإلى غيره من الخلق ، ويجوز أن يكون الإحسان الإتيان بالأعمال حسنة صحية مجوَّدة . قال عيسى بن مريم : الإحسان أن تحسن إلى من أساء إِليك ، وليس أن تحسن إِلى من أحسن إليك ، كأنه يشير إِلى أن الإحسان إِلى من أحسن إليك كالفرض ، وقيل : العدل أن ينصف من نفسه لغيره ، وينتصف لنفسه من غيره ، والإحسان أن يتصف ولا ينتصف ، وقيل : العدل فى الفعل والإحسان فى القول وهو قول بعيد عن العدل والإنصاف ، وعندى العدل أداء الواجب مطلقاً ، والإحسان الزيادة عليه . { وَإِيتَاءِ ذِى الْقُرْبَى } من جهة الأب أو الأم ما يحتاج إليه وجوبا إن اضطر إليه ، وندبًا إن لم يضطر إليه ، فهو داخل فيما مر من فرض أو نفل ، وخصه إيذانا بشرفه إذ فيه صدقة وصلة ، وفى الحديث : " أعجل الطاعة ثواب صلة الرحم " { وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ } الزنى وهو أقبح أحوال الإنسان ، وقيل : ما ازداد قبحه من زنى أو غيره . { وَالْمُنْكَرِ } قيل ما ينكر على فاعله من إنهاض القوة الغضبية ، وكل فحشاء منكر ، وكل منكر فحشاء ، وامتاز بالإنهاض المذكور ، والواضح أن المنكر ما حرمه الشرع ، وقيل : ما وعد عليه النار ، والفحشاء : ما اشتد تحريمه فهو أعم منها ، وقيل : المنكر الشرك وهو مباين للبغى ، فتحصل فى الآية عطف الخاص على العام ، وعطف العام على الخاص ، وعطف مباين . { وَالْبَغْىِ } تطاول الإنسان بما ليس على غيره فى بدنه أو ماله أو عرضه ، خصه بالذكر لمزيد عظمه . { يَعِظُكُمْ } بالأمر والنهى المذكورين ، والجملة مستأنفة لتعم ، ولو جعلت حالا من فاعل بأمر أو من فاعل بنهى لكان قيدًا له فقط ، ولا وجه لكونه حالا من فاعلها لاختلاف عاملها ، ولا حاجة إِلى تقدير مثله لأحدهما . { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } تتعظون ، قال ابن الأثير فى المستدرك : هذه أجمع آية فى القرآن للخير والشر ، قال الحسن البصرى : أمرت بكل خير ، ونهت عن كل شر ، قال ابن عباس رضى الله عنهما : إنه قال عثمان بن مظعون رضى الله عنه : ما أسلمت أولا إلا حياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يتقرر الإيمان فى قلبى ، فحضرته ذات يوم ، فبينما هو يحدثنى إذ رأيت بصره شخص الى السماء ، ثم خفضه عن يمينه ، ثم عاد لمثل ذلك ، فسألته فقال : " بينا أحدثك إذْ جبريل نزل عن يميني فقال : إن الله يأمر بالعدل " إلخ فوقع الإيمان فى قلبى ، وقال : إن فى هذه الآية لحلاوة ، وإن فى القرآن لطلاوة ، وإن أعلاه لثمر ، وأسفله لغدق بغين معجمة ودال مهملة أى كثير الماء أسفله ، وما هو بكلام البشر ، بل هو كلام خالق القوى والقدر . وكان بنو أمية يلعنون عليًّا فى المنابر ، ولم تولى عمر بن عبد العزيز قطع ذلك فى كل بلد ، وجعل مكانه : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } الآية ، فكان له على ذلك مدح عظيم ، وقبول وهو حق ، لأن اعتياد الشتم والإكثار منه ليس عبادة ، ولا سيما ما كان انتقامًا وجهالة وبغيًا على المتقدم بالخلافة ، وإنما أتمنى قطع ذلك ولو كان تورية ، إذ كان مؤذن المالكية يقول : شتما لأصحابنا بتعريض وتورية بهم ليلة كل جمعة ، من أبغض معاوية فأمه هاوية ، مع أن عليا ومعاوية متباغضان ، ويقول : من أبغض عليًّا فخصمه النبى ، وكل من معاوية وعثمان أبغضا عليًّا وأبغضهما على ، ويقول : من أبغض عثمان فأمه النيران ، وعلىّ يبغضه . بلغ أكثم بن صيفى أمره صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه رجلين فقالا له : مَن أنت وما جئت به ، قال صلى الله عليه وسلم : " أنا محمد بن عبد الله عبد الله ورسوله " ، وتلا : إن الله يأمر بالعدل إلخ قال : ردِّد علينا ، فردده حتى حفظناه ، فأخبرا به أكثم قال : إنى أراه يأمر بمكارم الأخلاق ، وينهى عن مذامها ، فكونا فى هذا الأمر رأسا لا أذناباً ، رواه أبو نعيم ، عن عبد الملك بن عمير ، وفعل الأمر ، ولام الأمر ، واسم فعل الأمر والمصدر النائب عنه الأصل فيهن الوجوب . وأما لفظ أمر ، ويأمر ومر والأمر ، موضوع للقدر المشترك بين الوجوب والندب ، ولو لم يكن فى القرآن إِلا هذه الآية لصدق عليه أنه تبيان لكل شئ وهدى ورحمة للعالمين ، ولعل الله نبه على هذا بإيرادها عقب قوله : { ونزلنا عليك الكتاب } [ النحل : 89 ] وبعد الإجمال فى الأمر والنهى فصّل بعضا فى قوله تبارك وتعالى : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ } بالعهد الذى عاهدتم الله . { إِذَا عَاهَدْتُمْ } شامل للطاعة والمباح فى الوعد والنذر بأى لفظ وشمل بيعة الإِمام اعتباراً بما بعد ، فإن الآية مكية ، وإنما البيعة بالمدينة ، ولا يلزم من وجوب الوفاء بالشئ إذا كان أن يكون جائز الوقوع فى الحال ، ألا ترى إلى قوله : إذا عاهدتم ، ودخل فيه بيعة الأنصار رضى الله عنهم الأولى والثانية والثالثة ، ودخل فيه كل ما قبلوه عنه صلى الله عليه وسلم وحلف الجاهلية . قال صلى الله عليه وسلم : " كل حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة " وكانوا يتحالفون على التناصر ، فيبقى فى الإسلام على الوجه الشرعى ، ونسخ الإرث به ، والآية نزلت في بيعته وهى على العموم ، وخصوص السبب لا ينقض عموم اللفظ . { وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } ليس التوكيد قيدا فلا تنقض ، ولو لم تؤكد ولكن نزلت الآية وهم يؤكدونها ، فكانت على ما هم عليه ، وتوكيدها يكون بتكرير أسماء الله أو صفاته مثل : والله العزيز ، وقدرة الله وعزته وأفعاله عندى ، أو أراد بتوكيدها أنها بالله أو صفته أو فعله ، وأنها فى طاعة أو مباح ، وأنها بقصد لا يغلط أو نسيان أو توهم ، أو لغو كقولهم : لا والله ، وبلى والله ، ولا شئ على من حلف على ما توهم فلا عليه وعلى معصية ، ويجب النقض فيها ، ويستحب فيما إذا رأى ما هو أفضل . قال صلى الله عليه وسلم : " من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه " فالآية عامة خصصتها السنة ، وتجب المحافظة على الوفاء باليمين وإن نقضها وكفر فقد أساء ، لأن ذلك كالتهاون ، قال الله عز وجل : { واحفظوا أيمانكم } [ المائدة : 89 ] وعموم آية السورة حجة أيضاً ، والتوكيد والتأكيد والتأكيد بالواو بالهمز لغتان ، وقيل : الهمز بدل منها . { وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً } صامتًا بالوفاء ، أو شاهدًا ورقيبا ، وذلك استعارة أو مجاز مرسل لعلاقة اللزوم ، وكذا الجعل ، ويجوز إبقاء كفيلا على ظاهره تمثيلا لعدم تخلصهم من عقوبته ، وأنه يسلمهم لها كما سلم الكفيل من كفله . والجملة حال من واو تنقضوا ، وقد يراد بالعهد ما ذكر قبله ، والأيمان وخصهما بالذكر بعد . { إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } من إيفاء ونقض وسائر أعمالكم ، أو من جعلكم الله عليكم كفيلا ، وذلك تهديد وتخصيص علىالوفاء وعدم النقض .