Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 11-11)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَيَدْعُ الإِنْسَانُ } المراد الجنس لا مخصوص معهود ، وحذف الواو من يدعو بياناً للأصل فى أن شأن ما حذف لفظاً أن يحذف خطًّا ، ولم يكثر ذلك ، بل جاء فى مواضع وحذف لفظاً لسكون حكماً ، ولو كسرت بحركة النقل ، وذلك من عدم الاعتداد بالعارض . { بِالشّرِّ } على نفسه وأهله ، إِذا ضجر أو عضب ، لقلق أو هم كالموت والفقر . { دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ } مثل دعائه بالخير على نفسه أو أهله فى الإِلحاح والحرص ، وطيب نفس ، وقد يلتحق بذلك أن يلح فى شئ أو عدمه ، قبل التأمل فى عاقبته بلا غضب ولا ضجر ، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم ، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم ، وذكر بعض العلماء أنه لا يستجاب للإنسان فى الدعاء بالشر على نفسه أو أهله ، ويرده قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم لئلا توافقوا من الله تعالى ساعة فيها إجابة فيستجيب لكم " . والمراد بالخير فى نفس الأمر ، وفى الشرع فيحسن مقابلته بالشر وذلك دعاء باللسان ، ويبعد تفسير الدعاء بفعل السوء المفضى إِلى الشر إذ هو خلاف الظاهر ، ولا دليل عليه ، ولو صح المعنى وكذا لا يفسر الدعاء به ، وبالدعاء باللسان جميعًا إذ لا دليل عليه ، ويجوز أن تكون الباء بمعنى فى أن يدعو فى وقت الشر ، كما يدعو فى وقت الخير ، أو سببية ، بمعنى يدعو بسبب شر أصابه ، أو متعلقاته ، لأن المقام زجر كما قال . { وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً } المراد الجنس المذكور أيضاً يسارع إلى ما يخطر بباله فلا ينظر فى العاقبة ، ولا يعزى أحد من عجلة لو تركها لكان أصلح له فى الدين أو الدنيا أو فيهما ، وأظهر الإنسان فى مقام الإضمار له لزيادة البيان والمقام ، للتعليل ، وقيل المراد بالإنسان الأخير آدم وأل للعهد الذهنى ، ولا دليل لهذا ، بل الدليل على خلافه ، لأن الجملة كالتعليل لما قبله ، لكن أظهر الإنسان تأكيداً ، وعلى أنه آدم يكون زوجه اتصاله بما قبله الإيماء إلى أن العجلة بالدعاء بالشر موروثة من عجلة آدم ، ولا شر فيها لما بلغت الروح إلى سرته أو صدره عالج النهوض ، فسقط ، ويقال : لما بلغت الروح سرته ، وقد نظر إلى ثمار الجنة نهض ليأكل . وقال ابن مسعود : لما بلغت عينيه نظر إلى ثمار الجنة ، ولما بلغت جوفه اشتهى أكلها ، فوثب إليها فسقط ، وعن سليمان : خلق الله الحياة فى رأسه أولا ثم فى جسده شيئاً فشيئاً ، وبقيت رجلاه بعد العصر فقال : يا رب أعجل لى قبل الليل ، فذلك قوله تعالى : { وكان الإِنسان عجولاً } . قلت : وعرف الليل باسمه تعليماً من الله عز وجل ، أو بزمانه من حيث إنه رأى الشمس تذهب وقد دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيراً إلى سودة بنت زمعة فأرخت له بعض كتافه رحمة لا ينته ، فهرب فدعا عليها بقطع يدها ، ثم ندم ، فقال : اللهم إِنى بشر ، فمن دعوت عليه فاجعل دعائى رحمة له ، فنزلت عليه صلى الله عليه وسلم هذه الآية : { ويدع الإنسان بالشرِّ دُعاءَه بالخيرْ وكانَ الإنسانُ عجولا } " . " وروى أنه صلى الله عليه وسلم أتى عائشة بأسير وأمرها أن تحتفظ عليه فاشتغلت مع امرأة فذهب ، فسأل عنه فقالت لا أدرى ، فقال : قطع الله يدك ، فخرج فصاح به فوجده ، فرجع فوجدها تقل يدها ، فقال : مالك ؟ قالت أنتظر دعوتك فرفع يديه فقال : اللهم إنما أنا بشر آسف وأغضب فأى مؤمن أو مؤمنة دعوت عليه بشر فاجعل دعائى له بركة وطهراً " ونزلت الآية ، وذلك على العموم بحيث يصدق عليه صلى الله عليه وسلم ، فيكون قد لوح له أن يقول : اللهم اهدها مكان اللهم اقطع يدها ، وبعد أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد الدعاء بسوء ، بل أراد كما تقول العرب : لك الويل ، وتربت يداك ، ولا يقصدون شراًّ . وأجيز أَن يراد مثل من يقول : فأْتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ، ومثل النضر بن الحارث القائل : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الخ ، فأجيب له فقتل فى بدر مقبوضاً ، فيه رد لما مر أنه لا يجاب للداعى بالشر على نفسه ، ويجاب أنه أراد النضر - لعنه الله - بالدعاء الإهلاك فى حينه ، ولم يهلك فى حينه ، وأيضا أراد الإهلاك بالله لا بواسطة مخلوق ، وأيضا لعله أراد بالدعاء التهكم بأن المؤمنين ليسوا على الحق لا الدعاء الحقيقى وأل على ذلك أيضا للعهد .