Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 18-19)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ } بعلمه من العبادة { الْعَاجِلَةَ } همته مقصورة عليها وهى الدنيا ، والمراد إيثارها أو متاعها ، وأما من لم تقصر همته عليها كما قال : { ومنهم من يقول ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة } [ البقرة : 201 ] فليس مراداً لقوله : { ثم جعلنا له جهنم } والمراد الدار العاجلة ، أو الحياة العاجلة ، والأول أنسب بقوله : { عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا } فى العاجلة ، ولو أريد الحياة العاجلة لقيل عجلنا له منها ، لأن الحياة من جملة ما عجل . { مَا نَشَاءُ } تعجيله طبق ما يريد أو دونه أو فوقه ، ولا يجد كل أحد جميع ما يتمنى إلا إن شاء الله ، فالأمور على مشيئة الله ، والهم زائد لا يزيد خيراً ، وما الهم بمعنى الاهتمام بالخير ففضل من الله ، والإرادة منا مخلوقة لله عز وجل عندنا وعند الأشعرية ، وزعم بعض منهم أن الإرادة الجزئية غير مخلوقة له تعالى وأنها أمر اعتبارى لا وجود له ، خارجاً وهو خطأ . { لِمَنْ نُرِيدُ } التعجيل له ، ودليل على أن المراد لمن نشاء هلاكه ، كما زعم بعض ، ولو صح المعنى ، إذ لا يجوز أن يفسر بما يجوز فى المعنى بلا دليل ، ولمن بدل من له ومن العجيب أن يقال من بدل من الهاء إعادة الجار ، ما المانع من أن يقال الجار والمجرور بدل من الجار والمجرور معاً ، وهو بدل بعض لأن الهاء لمن يريد العاجلة ، ومن يريدها شامل لمن يعجل له مراده ، ومن لا يعجل له ، والرابط محذوف أى لمن نريد منهم ، أو لمن نريد التعجيل له ، ولا بأس بعود الضمير إلى بعض المبدل منه ، وهذا البعض هو هاء له ، وبعض الناس يريد العاجلة ، ولا نعطيه منها مراده ، وقيل : المراد بالآية المنافق ، يريد بعمله الصالح كالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والصلاة معه والصوم أمر الدنيا كالأخذ من الغنائم ، قيل الآية متصلة بقوله عز وجل : { وكل إنسان ألزمناه } [ الإسراء : 13 ] إلخ بيَّن أنه يصدر عنه من الأعمال ما قدر له ، وأن عمله محفوظ له ، يجازى عليه يوم القيامة ، وبيَّن هنا أن بعض الناس مقصور الهمة على الدنيا ، ويعمل لها فينال مراده منها إن شاء الله ، وله جهنم كما قال : { ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ } مفعولان لجعلنا بمعنى صيَّرنا ، أو الثانى محذوف أى مأوى واللام فى له للاستحقاق أو للاختصاص ، أو للنفع تهكماً { يَصْلاَهَا } قال الخليل : يقاسى حرها ، وقيل : يدخلها مستأنف أو مفعول ثان أو حال من الهاء أو من جهنم . { مَذْمُومًا مَدْحُورًا } مطروداً عن الرحمة ، والمراد بمن كان المشرك والمنافق بإضمار الشرك ، والمنافق بالجارحة ، وأما المؤمن المخلص ففى قوله تعالى : { وَمَنْ أَرَادَ } أى قصد بقلبه { الآخِرَةَ } المثوبة الآخرة وهى الجنة ، ورِضَى الله عز وجل { وَسَعَى لَهَا } اللام للاستحقاق أو للتعليل أو عبَّر به عن مطلق الإعطاء { سَعْيَهَا } مفعول به ، أى فعل لها ما يليق بها من فعل ما أمر بفعله ، وترك ما أمر بتركه ، لا ما اخترعوه مما يتقربون به ، أو ما يفعله أهل الأهواء فلا جناح بعوضة له ، أو مفعول مطلق أى سعى لها حتى سعيها الخالى عن تقصير . { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } حال مؤكد لأنه داخل فى سمى لها سعيها ، وأما عمل الكافر فكرماد اشتدت به الرياح ، وكسَرَاب بقيعة يحسبه الظمآن ماء إلخ . { فأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا } مثاباً عليه مقبولا ، قال بعض المتقدمين : من لم يكن معه ثلاث لم ينفعه عمله : إِيمان ثابت ، ونية صادقة ، وعمل مصيب ، وتلا هذه الآية ، ولا ثواب إلا للمخلص ، قال الله تعالى : " أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه غيرى تركته وشركه " وذكر بعض قومنا أنه إن ترجحت إِرادة الآخرة أثبت على قدرها ، وأبطله ابن عبد السلام ، ومثل له فى الإحياء بأن ينشط لإطلاع الناس ، ولو فقد لم يترك العبادة ، ولو انفرد قصد الرياء لم يفعل ، واختار أنه يثاب على قدر قصده لله ، ويعاقب على قدر قصده للناس ، وكذا ذكر ابن حجر أنه يثاب على أقل قليل قصده الله سبحانه .