Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 1-1)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ } سبحان اسم مصدر سبح بشد الباء ، فهو بمعنى التسبيح نائب عن فعل الأمر ، أى سبِّحوا الذى أسرى بعهده ، أناب سبحان عن تسبيح ، وأضيف للاسم الذى ينصب بسبحوا ، وهكذا سبحان فى جميع القرآن ، أمر بالتسبيح تنزيها عن صفة مخلوق مطلقا أو تنزيها بالصلاة ، وما ذكرته فى التوحيد بالحجة مخالفا لهذا كلام نقلته بلا تأمل . كما أن بعضا قال : التقدير أُسبح إليه بصيغة المضارع ، يقوله الله عن نفسه ، وهو الذى ذكرته فى التوحيد بالحجة ، وهو فى الكرخى ، ونسبه للنحويين وجدت منه نسخة قديمة له أو قوبلت على خطه إلا أنه يحتمل أن يكون المراد أن يقول كل أحد عن نفسه : أسبِّح الله ، ويقدر الماضى إِذا عطف بعده تعالى كما يجئ بعد فى هذه السورة . وأجاز بعض أن يكون سبحان مصدر سبح بلا تشديد ، بمعنى بعد عن صفة السوء كغفران ، وليس قياسا كما قيل ، وشهر أن سبحان عَلَم للتسبيح ، وأسرى لازم كسَرَى وهو أبلغ من سرى ، وتعديته بتأويل أسرى ملائكته بعبده تكلف ، وإنما تعدى بالباء أى صيَّر عبده ساريًا . وقال : بعبده لأن العبودية لله أشرف المقامات ، وكان صلى الله عليه وسلم راغبًا فى اسم العبودية لله ، وكان يقول : " أشرف الأسماء ما تعبد به " ، أى ذكر فيه عبد ، كعبد الله ، وعبد العزيز ، وعبد القادر ، ولو قال بحبيبه أو نحوه لكان أقرب إلى أن تطريه الأمة كما أطرت النصارى المسيح وقالوا : إنه إِله أو إِنه ابن الله ، وقد نهانا أن نطريه كما أطرت النصارى المسيح . { لَيْلاً } بعد صلاة العشاء أى فى ليل عظيم لا فيه كله ، ولا فى نهار ، ويجوز أن يكون ليلاً اسمًا لجزء منه ، وبعض ليل ليل ، كما أن بعض السوق سوق ، وذلك حقيقة لا مجاز كما قيل : إن قصة الإسراء أربع ساعات أو ثلاث أو ساعة ، وقيل : أن يسكن غصن شجرة صادمة أول الإسراء فتحرك قبل أن يبرد فراشه من سخونة الاضطجاع عليه ، وهذا التعبيض بأنواعه حكمة ذكر الليل ، مع أن لفظ الإسراء يدل عليه ، وقد يجوز التجريد ، بأن جرد عن بعض معناه ، فكان بمعنى السير مطلقًا فقيّد بالليل ، وما قدم أحق لزيادة الفائدة . { مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } بعد أن أسرت به الملائكة جبريل وميكائيل وغيرهما ، من بيت أم هانئ بنت عمه ، إِلى الحجر ، ثم منه إلى زمزم ، وشقوا بلا ألم ولا دم قلبه ، وغسلوه ثلاثًا ، وعاد كما كان ، وأسروا به منه ، هذا إلى من دعوى أن المراد بالمسجد الحرام مكة ، فيشمل بيتها ، والمسجد الحرام وهو يومئذ المطاف فقط ، وحوله دور الناس وبيوتهم ، ومن شاء شرع باب مسكنه فى المطاف ، وأول من زاد فى المسجد عمر ، وأتبعه غيره يشترون الدور ويدخلونها فى المسجد بلا رجوع فيها ولا شرط ، وأما المطاف فمن الله لم يجر ملك أحد عليه . { إِلى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى } القصى أى البعيد عن مكة ، قيل : لأنه أبعد المساجد التى تزار من المسجد الحرام ، وقيل : لأنه ليس بعده موضع عبادة ، فهو أبعد مواضعها ، وقيل : بعيد للزائرين ، وقيل : المراد بعده عن الأقذار والخبائث وهو ضعيف لا دليل عليه ، والظاهر أنه بُعد حسى ، وأَنه هو خارج عن التفضيل ، ولا خلاف أنه هو بيت المقدس ، بنته الملائكة بعدما بنوا الكعبة بأربعين عاما ، وبينه وبين مكة مسيرة ثلاثين يومًا وأكثر إِلى أربعين ، وقيل : بنَى آدم بيت المقدس بعد الكعبة بأربعين عامًا ، ويسمى بيت المقدس أى الطهر لأنه لم يعبد فيه ، ولا حوله صنم ، ولم يُبْنَ مسجد قبله فى الأرض . { الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ } بالثمار والأشدار والأنهار ، وبأنه مقر الأنبياء ، ومتعبّدهم ومهبط الملائكة والوحى ، وقِبلة الأنبياء ، ومحشر الخلق ، وقد وصف الله الكعبة بالبركة إذ قال : { إنَّ أول بيت وضع } [ آل عمران : 96 ] إلخ ، وبركتها أعظم من بركة بيت المقدس بأضعاف كم فى آثار منها : أن الحسنة فى مكة بمائة ألف ، وفى المدينة بعشرة آلاف ، وفى بيت المقدس بألف ، وروى عنه صلى الله عليه وسلم : " أن الدجال لا يدخل مسجد مكة ومسجد المدينة وبيت المقدس والطور " وأول مسجد وضع المسجد الحرام ، ثم بيت المقدس ، بينهما أربعون عاما . { لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا } دلائل وجودنا وقدرتنا وحكمتنا ، ومن للتبعيض ، وهذا البعض الذى أراه الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم أعظم من الملكوت الذى أَراه إِبراهيم عليهما السلام ، فإِنه رأى العرش والكرسى ، والجنة والنار ، وغيرهما مما لم ير إِبراهيم ، ورأى فى كل سماء نبيا ، ورأى خلقًا كالرجال راكبين على خيل بلق شاكى السلاح ، يتبع بعض بعضًا طول كل واحد وطول فرسه ألف عام لا يرى آخرهم ولا أولهم ، فسأَل جبريل عليه السلام فقال ذلك قوله عز وجل : { وما يعلم جنود ربك إلاَّ هو } [ المدثر : 31 ] . وهكذا رآهم إذا هبطت وإِذا صعدت لا أدرى من أين يجيئون ، ولا إِلى أين يذهبون ، وصلى فى كل سماء ركعتين الأولى بـ { قل يا أيها الكافرون } [ الكافرون : 1 ] والثانية بـ { قل هو الله أحد } [ الإخلاص : 1 ] وصلى بالأنبياء وهم سبعة صفوف ، ثلاثة صفوف مرسلون وذلك بأرواحهم وأجسامهم وقيل : بأرواحهم ، وصلت معهم الملائكة وذلك قبل العروج على ما صح بعض ، وقيل : بعده ، وأسرى به إلى بيت المقدس لينال فضله كما قال : فضل المسجد الحرام ، وينال فضل المدينة ، ولأن باب السماء فوق بيت المقدس ، ينزل معه كل يوم سبعون ألف ملك يستغفرون لمن زار بيت المقدس ، ولأن الشام أرض المحشر ، ولتتشرف به أرض المحشر ، وفى لفظ : سبحان تنزيه وتعجيب ، وكذا فيما بعده إلى هنا تعجيب . وأتمه بقوله : { إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ } العليم بالأقوال والأصوات ، { الْبَصِيرُ } العليم بالألوان والأعراض والأطوال ، والغلظ والرقة والقصر ، والحركات والسكنات ، وبالاعتقاد ، فهو يقرب سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم درجات ، ويكرمه ، وقيل : سميع لقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، بصير بأفعاله ، وذلك يتضمن التهديد لمن ينكر إسراءه من الكفار ، وكان الإسراء إلى أرض المحشر ليطأها بقدمه للبركة على أمته إذا كانوا فيها ، وليصلى خلقه فيها الأنبياء كلهم والملائكة ، قيل : وروح كل مؤمن ، والإسراء بجسده وروحه على الصحيح ، لأنه أعظم فى الكرامة ، ولو كان بروحه أو فى المنام لم يعتجب الكفار ذلك التعجب المفرط ، ولم ينكروه ذلك الإنكار الكلى حتى ارتد بعض من آمن . نعم قيل سرى بروحه فى النوم قبل ذلك بسنتين ، ثم سرى بجسده ، ولم ير الله ولم يكن شئ مما يخالف صفات الله جل وعلا ، سرى بدابة بيضاء تسمى البراق لصفائها أو سرعتها كالبرق ، ليست بذكر ولا أنثى ، وفى العبارة تذكر لمعنى الحيوان مثلا ، وتؤنث لمعنى الدابة وهو من الجنة ، سرى به من مكة إلى بيت المقدس ، ومنه إلى كل سماء عروج ، فذلك سبع ، والثامن إلى سدرة المنتهى ، والتاسع إلى الكرسى ، والعاشر إلى العرش ، حمل من الحِجر بين النوم واليقظة ، فما استوى على البراق إلا استيقظ أو ذلك بعد ما صلى العشاء ، وذلك قبل الهجرة بسنة . ولما كذبوه أخبرهم بصفة بيت المقدس وأبوابه بعد أن مثل له عند دار عقيل ، إذ لم يراع وصفه حين كان فيه ، وبصفة البعير الذى يقدم أَولا ، والبعير الذى نفر فانكسر ، وشربه ماء القدح ، وصدق أبو بكر أول ما قيل له : إنه كان فى بيت المقدس ، وقال : إن قال فقد صدق ، وإنا لنصدقه فى خبر السماء من العرش بلحظة ، فقيل سمى صديقًا لذلك . وقد قالت المهندسون : الشمس تساوى الأرض مائة ونيفًا وستين مقر ، ومع ذلك نشاهد طلوعها بسرعة فى زمان لطيف ، فكيف يستبعد الإسراء ، وذكر بعض أن الإسراء فى ليلة والعروج فى ليلة ، وبعض أن الإسراء فى اليقظة والعروج فى النوم ، وبعض أن الإسراء وقع مرتين مرة بروحه ، ومرة بجسده فى يقظة ، وبعض أن الإسراء أربع مرات . والحق أنه مرة فى اليقظة يتصل به العروج فى ليلة واحدة ، وقصتها طويلة بسطتها فى شرح القصيدة النونية : @ تيمم نجداً فى تلهفه الجانى يؤم رسول الله للإنس والجان @@ وفى هميان الزاد .