Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 24-24)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ } إذا أراد الطائر الكف عن الطيران ، خفض جناحيه عن نشرهما وارتفاعهما ، فعبَّر بذلك عن التواضع لهما ، جعل الإلانة لهما من جنس خفض الجناح من الطائر بجامع العطف ، فسماها باسم الخفض واشتق منه اخفض بمعنى أَلِنْ ، وجناح ترشيح أو استعارة لجانب الإنسان من بدنه ، أو حاله بجناح الطائر فسماه به ، وأضافه للذل تلويحاً بأن يذل لهما ، ولا يرتفع كأنه قيل : ليكن جنابُك لهما جناب ذل لا جناب ترفع ، وذلك من إضافة الشئ إلى صفته ، كحاتم الجود ، وما در الشح ، ولا داعى إلى المصير إلى الوصف النحوى ، مثل أن تؤول الجود بذى الجود أو بالجواد ، وكذا فى الآية . وإن شئت فقل : شبه المتواضع بالطائر المنحط ، ورمز إلى ذلك بذكر الجناح ، أو شبه الذل بطائر منحط ، ورمز إليه بإثبات الجناح تخييلا ، والخفض ترشيحاً ، وقيل : المراد بخفض الجناح ما يفعله الطائر إذا ضم فراخه للتربية ، وأنه أنسب بالمقام قلت : لا يتضح هذا ، وسمى الجناح جناحاً لأنه يميل تقول : جنحت إلى كذا بمعنى ملت إليه . { مِنَ الرَّحْمَةِ } أى لرقتك عليهما ، متعلق باخفض ، ويجوز أن تكون للابتداء ، لأن هذا الخفض ناشئ من الرحمة لمستكنة فى النفس ، لافتقارهما إليه بعد أن كان أشد افتقاراً إليهما ، واحتياج المرء إلى من كان محتاجاً إليه غاية الذل ، فلا بد من مقابلة بأشد رحمة جزاء له قال الشاعر : @ ما ذلة السلطان إلا إذا أصبح محتاجاً إلى عامله @@ ويضعف كونه حالا من جناح { وَقُلْ } ولو دُبُرُ كل صلاة من الخمس ، أو دبر كل صلاة لا تقبل صلاة امرأة لم تدع لزوجها أو إنسان لم يدع لوالديه ، قال سفيان : يجب عند كل تشهد التسليم كما أمرنا بالتكبير فى أيام معدودات ، فكبرنا أدبار الصلوات ، وبالصلاة والسلام على النبى ، فعلناهما بعد تشهد التسليم . قلت : لكن كل بما يليق به ، فالمتولى بالجنة وغيرها من الدين والدنيا ، والموقوف فيه بالهداية على قول مجيز الدعاء بالهداية لغير المتولى ، أو بترك كذا من الذنوب أو بالتوفيق إلى فعل كذا من الخير ، وكذا فى المتبرأ منه ، وقد قال من قال : بولاية الوالدين المستحقين للوقوف ، ويعرض لهما بدعائه بالجنة إذا اشتدا عليه بها . { رَبِّ ارْحَمْهُمَا } ولو اقتصرت على رحمة دنيوية إن لم يجد سبيلا للأخروية ، وقد أخبرتك بطرق لها ، لكن إن ماتا فى البراءة لم يجد سبيلا إلى الأخروية ، إلا أن تدعو لهما بزوال عذاب القبر ، أو تخفيفه ، كما غرز صلى الله عليه وسلم بعض جريدة على قبر مغتاب أو نمام وعلى قبر من لا يستبرئ من البول . { كَمَا } الكاف للتشبيه والتعليل ، مستفاد منه فلا حاجة إلى جعلها للتعليل وما مصدرية { رَبَّيَانِى صَغِيراً } برحمة لا بعنف ، حين عجزت كل العجز ، وحين عجزت بعضه ، لا يترفعان عن نتن ما يخرج منى ، واللام فى هذا أدخل ، قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أبواى بلغا من الكِبَر إلى أن ألِى منهما ما وليا منى فى الصغر ، فهل قضيت حقهما ؟ قال : " لا إنهما يفعلان ذلك ويحبان حياتك وأنت تفعله وتحب موتهما " أمره الله بتذكير حال الصغر ، وهو أشد أحواله احتياجاً من حيث الولادة والرضاع ، وقد يريد حال الطفولية كلها ، وقد يريد ما بعدها أيضاً ما دام لم يؤنس رشده وما لم يستقل بنفسه ، ولو بالغًا متزوجًا ، والأحوال تختلف فى ذلك ، والكاف للتعليل ، وإن كانت لتشبيه تربيتهما صغيراً ، بمعنى رحمانى صغيراً تعبيراً بالمسبب ، عن السبب أو باللازم عن الملزوم . ويبعد أن يقال المراد رب ارحمهما رحمة تشبه فى الظهور تربيتهما إياى صغيراً أو التقدير : رب ارحمهما رحمة مثل تربيتهما ، أو مثل رحمتهما لى لأن التربية رحمة ، أو رب ارحمهما وربهما كما رحمانى وربيانى ، والإنسان فى تربية الله ما دام حيًّا ، ولو عمر مائة سنة ، أو رب ارحمهما رحمة ظاهرة محققة ، كما فعلا بى فى التربية ، وذلك كقوله تعالى : { مثل ما أنكم تنطقون } [ الذاريات : 23 ] .