Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 30-31)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ رَبَّكَ } يا كل من يصلح للخطاب { يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ } البسط له { وَيَقْدِرُ } يضيّقه لمن يشاء التضييق له أو عليه ، وذلك مشكل لأن الآية مكية ، ولفظ ابن مردويه ، عن ابن مسعود : جاء غلام إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : إن أمي تسألك كذا وكذا ، فقال : " ما عندنا اليوم شئ " قال فتقول : اكسنى قميصك فخلع صلى الله عليه وسلم قميصه فدفعه إليه ، فجلس فى البيت حاسراً فنزلت الآية ، وليس فيه ذكر أذان بلال ، فلا يشكل أنه مكى ، وكذلك لا يصح ما قيل : إنها نزلت حين أعطى الأقرع مائة من الإبل وعيينة مائة ، فقال عباس ابن مرداس . اتجعل نهبى … لأبيات المشهورة ، فقال الصديق رضى الله عنه : اقطع عنى لسانه ، فأعطاه مائة فنزلت لأن الآية مكية والعطاء مدنى . وقد يقال الآية مدنية ، جعلت فى سورة مكية ، لتجتمع فيها خصال مخصوصة ، وحينئذ يصح الحديث الأول الذى فيه أذان بلال ، وحديث سعيد بن منصور وابن المنذر ، أنه صلى الله عليه وسلم قسم ما لا فقال قوم من العرب : فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعطينا فوجدوه قد فرغ فنزلت الآية . { إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا } بسرهم { بَصِيرًا } بلعنهم ، فهو يرزقهم على ما علم من ظواهرهم وبواطنهم ، ومعنى الحديث أمل من ساعة أو أخر سؤالك من ساعة لم يظهر لنا فيها درع إلى ساعة يظهر لنا فيها درع ، وفى رواية من ساعة إلى ساعة فعد إلينا ، وقد يقال : الخطاب من قوله : وآت ذا القربى حقه إلى هنا النبى صلى الله عليه وسلم : فيكون التسلية له هنا بالذات ، وغيره تبع له ، والمراد أنه يبسط ويضيق بحسب مشيئة تابعة للحكمة ، والمصلحة ، ولا يجب أن تكون مصلحة العبد فى مشيئة الله خلافاً للمعتزلة ، وقليل من الأشعرية كالشيخ زادة ، ولكن نسبة للأشعرية كلهم ، والبسط والإعسار لحكمة لا لعظم المرزوق ، أو هوان المرزوق ، وليست أفعاله معللة بالحكمة والمصلحة ، ولا المصلحة فى حق العبد واجبة عليه عندنا وعندهم ، خلافاً للمعتزلة . ويجوز أن يكون المعنى أَن القبض والبسط الشديدين مختصان بالله فاقتصد أنت ودع ما يختص بالله سبحانه ، وأن يكون المعنى أنه يقبض تارة ويبسط أخرى ، وهذا اقتصاد ، فاعتنوا به ، وعلى الوجهين الآية تعليل للآية قبلها الناهية عن القبض والبسط الشديدين . قيل : ويجوز أن تكون تمهيداً لقوله : { وَلاَ تَقْتُلُوا } وفيه أنه لو كان كذلك لقال فلا تقتلوا إِلخ بالفاء . ويجاب بأنه جئ بالواو ليفيد زجراً عن قتل الأولاد وعامًّا مطلقاً مستقلا ، فيدخل فيه كل ما أريد دخوله . { أَوْلاَدَكمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ } ، لأنه تعالى متكفل بأَرزاق العباد بحسب مشيئته ، فكيف تقتلونهن الرزق ، وهو مضمون عند الله ، وكانت العرب يقتلون بناتهم لعجزهن عن الكسب ، ولئلا يتزوجن بغير أكفائهن وهو عار ، وقد يقتلونهن لعدم جمالهنّ ولخوف زناهن ، والإملاق : الفقر والقتل : هو دفنهن . وعلل النهى عنه بقوله : { نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ } وبأن قتلهن ظلم عظيم ، ويقطع التناسل ، وذلك فى قوله : { إِنّ قَتْلَهُمْ } قتل الأولاد التى هى هنا البنات ، أفاد أن الاسم الصادق بالمذكر والمؤنث ، كالإنسان والولد يذكر أصالة ، ولو أريد به المؤنث . { كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا } خطئ يخطأ خطئا بوزن علم يعلم علما ، وهو الإثم ، وقدم رزق الأولاد لأن المخاطبين هنا الأغنياء ، وفى سورة الأنعام الفقراء ، فقدم رزقهم فيها ، وللإشعار بأن الأولاد هم الأصل فى إفاضة الرزق ، وفى سورة الأنعام ذكر ما يستدعى تقديم ذكر المخاطبين ، ولأن الباعث على القتل فى سورة الأنعام نفس الإملاق الناجز كما قال فيها : { من إملاق } [ الأنعام : 151 ] والباعث هنا خشية الإملاق ، كما قال خشية إملاق ، فهو متوقع لا ناجز ، فكأنه قيل : نرزقهم بلا نقص من رزقكم ، فلا تتوقعوا الإملاق فتقتلوهم ، ومر كلام فى سورة الأنعام .