Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 59-59)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ } الدالات على رسالتك اللاتى اقترحتها قريش منك { إِلاّ أَنْ كذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ } فيكذبون بها كما كذب بها الأولون المهلكون بالتكذيب ، فيستحقون الإهلاك كالأولين ، وليس فى قضائنا إهلاكهم كالأولين بالموت فجأة بمرة أو بالصواعق وبالإغراق أو نحو ذلك لإتمام أمر محمد ، ومن يؤمن من أمته ، ومن يلدون من المؤمنين اقترحوا منه صلى الله عليه وسلم أن يجعل الصفا ذهباً ، وأن يزيل الجبال من مكة للحرث ، وينحر العيون ونحو ذلك ، فسأل الله فأجابه على أنه إن لم يؤمنوا عجَّل إهلاكهم كثمود وقوم عيسى ، فقال صلى الله عليه وسلم : " لا أريد إهلاكهم رجاء للإيمان " فنزلت الآية . والمنع الصرف عن الشئ قهراً أو استيلاء ، والله لا يقهره أحد ، ولا يستولى عليه ، قيل فهو بمعنى الترك ، والمعنى وما تركنا ، وذلك تعبير بالسبب ، والملزوم عن المسبب واللازم ، وفيه أنه لا يتصور أن يكون إن كذب بها الأولون فاعلا لمنع مع أنه بمعنى الترك ، لأن التارك هو الله ، لا تكذيب ، وأجيب بأنه لا يلزم اتحاد الفاعل فى المعنى الحقيقى والمجازى ، وهو جواب لا يصح فإنه لا بد من موافقة العبارة فى المعنى المجازى لها فى المعنى الحقيقى ، والمناسب لتركنا بإسكان الكاف أن يكون إن كذب تعليلا بلام محذوفة ، فالواضح أن يفسر منعنا بصرفنا فلا قهر . والباء فى بالآيات صلة فى المفعول أو للملابسة ، والمفعول محذوف أى لن نرسل رسولا متلبسا بالآيات ، والضمير فى بها للآيات على طريق الاستخدام ، لأن ما أرسله على الأولين ليس عين ما يرسله على قريش لو كان يرسله ، أو يقدر مضافاً أى إِلا إن كذب بمثلها . ويجوز أن يكون منعنا بمعنى دعانا فيقدر إلى أن نرسل ، والمراد الأولين المهلكون بالعذاب كقوم نوح وعاد وثمود ، ممن قريش على طبيعتهم ، وصرح ببعض الأولين المكذبين بالآيات المقترحين لها ، المهلكين فى قوله عز وجل : { وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ } خارجة من صخرة ، وبْراء عشراء أو يتبعها ولدها على ما فى محله { مُبْصِرَةً } مهتدية ، إسناد الاهتداء إليها مجاز عقلى ، لأنها سبب فيه ، لو عقلوا أو يقدر مضاف أى مبصراً أهلها لو عقلوا ، وأولى من ذلك أنه متعد أى مصيِّرة للناس بصيرين أو مهتدين ، لو تأملوا لخروجها من صخرة ملساء حاملة بولدها ، أو خروجها به تابعًا لها ، وعظم جثتها وضرعها ، أو ذلك للنسب أى ذات بصيرة فى نفسها أى اهتداء كالعاقل ، أو ذات إِبصار للناس . { فَظَلَمُوا بِهَا } ظلموا أنفسهم بسببها ، إِذ قتلوها ، أو كانوا ظالمين بسبب قتلها ، وقيل : ظلموا بها : كفروا بها ، وأهلكهم الله ، وخص الناقة بالذكر لأنها من أموال العرب ، وهم عرب ، ولأن ثمود عرب ، ولأنهم أجدادهم ، ولأنهم يمرون بمنازلهم فى الذهاب إلى الشام ، فيشاهدونها . { وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاّ تَخْوِيفًا } ما نرسل الآيات فالباء صلة ، أو ما نرسل نبيًّا مع الآيات إِلا تخويفًا للكافرين من نزول العذاب ، فإن كانت بغير اقتراح ولم يؤمنوا ، ترك إهلاكهم ، ويموتون بدون استئصال ، وعذبوا يوم القيامة ، فالتخويف مع الاقتراح بعذاب الدنيا وبعده عذاب الآخرة ، ومع غير اقتراح كسائر المعجزات ، وكتب الله كالقرآن بعذاب الآخرة .