Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 60-60)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ } واذكر إِذ قلنا لك بالوحى ، أو بواسطة جبريل عليه السلام . { إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ } علماً وقدرة لا يخرجون عما أراد ، ولا يعجزه شئ فبلِّغهم ما أوحى إليك ، ولا تخف ؛ إن الله يعصمك من القتل ، ولو كانوا يؤذونك بألسنتهم ، والناس عام دخل فيه قريش ، أو أريد به خاص ، لأنهم المعاندون جدا الحاضرون أو أحاط بقريش أهلكهم يوم بدر ، أى سيهلكهم يوم بدر ، والآية مكية ، وذكر ذلك بالماضى لتحقيق الوقوع بعد ، كأنه وقع من قولك أحاط بهم العدو ، وكقوله تعالى : { وأحيط بثمره } [ الكهف : 42 ] وهذا تبشير له صلى الله عليه وسلم . { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِى أَرَيْنَاكَ } فى المنام ، احتج بهذا مَن قال الإسراء فى المنام ، لا فى اليقظة ، وهو مذهب أصحابنا ، وقوم من غيرهم ، وقيل : اليقظة لمبالغة الكفار فى التكذيب ، ولو كان فى النوم لم يبالغوا تلك المبالغة ، وإطلاق الرؤيا على رؤية اليقظة وارد فى لغة العرب قال الراعى : @ وكبر للرؤيا وهش فؤاده بوبش عظيم كان جمائلا @@ وأيضا سماها رؤيا مشاكلة لتسميتهم إياها رؤيا وجرياناً على زعمهم كما سمى الأصنام آلهة ، وأيضاً يشبه ما فى المنام لكونه ليلا ، وللسرعة ، وخرق العادة حتى قال بعض مَن ضعف إيمانه للنبى صلى الله عليه وسلم : لعل ذلك يا رسول الله فى النوم ، وحتى ارتد بعض من ضعف إِيمانه . وقال بعض من قال الإسراء فى اليقظة أن الرؤيا هنا غير رؤية الإسراء ، بل رؤياه فى المنام عام الحديبية دخل مكة ، واعترض بأن الآية مكية والحديبية بعد الهجرة ، وأجيب بأنه رأى فى مكة أنه سيدخلها بعد الخروج عنها ، فحكى الرؤيا فى الحديبية ، ولم يدخلوها للعمرة التى قصدوها ، بل رجعوا على أن يدخلوها من قابل ، فافتتن بعض حتى قال عمر لأبى بكر رضى الله عنهما : قد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ندخل البيت ونطوف به ، فقال أبو بكر : لم يقل ندخله فى هذا العام وسندخل فى عام آخر ، ودخله من قال ، ونزل : { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق } [ الفتح : 27 ] وقيل : هذه الرؤيا التى فى سورة الإسراء رآها فى مكة فى شأن وقعة بدر أنها تقع بعد الهجرة ، وسمع قريش ذلك فسخروا منه . ويجوز أن يكون رأى فى المنام مصارع المشركين ، وهو فى بدر أو قريب منه ، فسمع المشركون الخارجون من مكة للقتال ، فسخروا منه ، قال : " والله لكأنى أنظر إلى مصارع المشركين ، هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان " ولم يخطئ . وفى وقعة بدر نزل : { إذ يريكهم الله فى منامك قليلاً } [ الأنفال : 43 ] وقيل : هذه الرؤيا فى سورة الإسراء ، هى أنه رأى فى نومه قومًا من بنى أمية يرقون على منبره وينزون عليه نزو القردة فقال : " هو حظهم فى الدنيا يعطونه على إسلامهم " { إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ } هى تكذيبهم بالإسراء ، حتى ارتد كثير من الناس أو قولهم : وُعدنا بالدخول ولم ندخل ، وهذا فى شأن الحديبية ، وتساخرهم بقوله : هذا مصرع فلان ، وهذا مصرع فلان ، وهذا فى شأن قتلى الكفار فى بدر ، وقتال معاوية عليًّا ، وقتل الحسين وعمار ، ووقعة الحرة ، وهذا فى غزو بنى أمية على المنبر فى الرؤيا . { وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِى الْقُرْآنِ } عطف على الرؤيا ، أى وما جعلنا الرؤيا التى أريناك ، والشجرة الملعونة فى القرآن إِلا فتنة للناس ، وهى شجرة الزقوم ، لعنت فى قوله تعالى : { إِنَّ شجرت الزقوم طعام الأثيم } [ الدخان : 43 - 44 ] إِلخ فلعنها إبعادها عن مقام الخير وأهله ، وإنباتها فى مقام الشر لأهله . ويجوز أن يراد الملعون أهلها ، فحذف المضاف أو ذاك من المجاز العقلى ، وتقول العرب لكل طعام مكروه ضار : إِنه ملعون لكونه ضارًّا مكروهًا ، فيكون المراد بلعنها أنها طعام مكروه ، ووصفت بالملعونة لتشبيه طلعها برءوس الشياطين ، والشياطين ملعونون . ومعنى الفتن بها أنه لما سمع الكفار ذلك قالوا : إن محمداً يزعم أن الحجيم تحرق الحجارة ، ثم يقول ينبت فيها الشجر ، وما نعرف الزقوم إِلا التمر بالزبد ، قال أبو جهل - لعنه الله - : يا جارية زقمينا ، فأحضرتهما ، فقال لأصحابه : تزقموا هذا هو ما يذكر محمد ، ولم يعلموا أن الله قادر على ذلك ، وأن الله أبرد النار على إبراهيم ولباسه إلاكتافة ، وأنبت النبات فى تنور موسى المحمى ، وفى بلاد الترك دابة صغيرة تسمى السمندل لا تؤثر فيها النار حية أو ميتة ، ويتخذ من وبرها مناديل ، فإذا اتسخت ألقيت فى النار فيذهب الوسخ فتبقى سالمة . ويقال : فى بلاد الهند مكان بلاد الترك ، ويقال : طائر مكان دابة ، ويقال : السمندر بالراء مكان اللام ، والنعامة تبلغ الجمر وقطع الحديد المحماة ولا تضرها ، ولم يعلموا أن نبات النار من جنس النار ، والنار لا تحرق النار . ومما يشبه ذلك أن البحر المالح ينبت حجارة المرجان ، واللحم والدم ينبتان الشعر ، وقيل : الشجرة الملعونة الشيطان ، وأبو جهل فرعون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والحَكم وأبوه أبو العاصى الحَكم ، قالت عائشة رضى الله عنها : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لمروان : " الشجرة الملعونة أبوك وجدُّك " فهؤلاء لعنوا فى عموم ذم الكفار فى القرآن . وعن ابن عباس : أن الشجرة بنو أمية بن الحَكم بن أبى العاصى ، وأنه صلى الله عليه وسلم رأى فى المنام بنى مروان يتداولون مقبره ، وقصها على أبى بكر وعمر فى خلوة بيت ، ثم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحَكم يخبر بها ، فاشتد عليه ذلك واتهم عمر بالإفشاء ، ثم ظهر أن الحَكم تسمَّع إليهم ، واعترض بأن الرؤيا بالمدينة ، والسورة مكية والحكم فيها . وروى أن عائشة قالت لمروان : لعن الله أباك وأنت فى صلبه فأنت أبغض مَن لعنه الله ، والفتنة على هذا أنهم طلبوا معجزة قاهرة ، فأجيبوا بأنه تعالى لم يقضها لهم ليتم أمر النبى صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، فلا يستأصلوا فقالوا : إنه صلى الله عليه وسلم غير صادق ، فضاق قلبه وسلاّه بالآية ، وأنه لا يضعف أمرك بقولهم . { وَنُخَوِّفُهُمْ } من عقاب الله فى الدنيا والآخرة بالآيات المتلوَّات ، والمعجزات ، والآيات متضمنة لشجرة الزقوم ، ولم يقل : وخوفناهم لإفادة التكرار . { فَمَا يَزِيدُهُمْ } أى التخويف { إِلاّ طُغْيَانًا كَبِيرًا } طغيانًا مجاوزاً للحد .