Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 84-84)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قُلْ كُلٌّ } أى كل أحد { يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ } على طريقته التى تشاكل حاله فى الهدى والضلال ، أى تماثل حاله ، فمن كان حاله الاهتداء ، فعادته السداد دائما ، أو فى الأكثر ، أو الضلال ، فيعكس ذلك سميت الطريق شاكلة لتلك المشاكلة أى المشابهة لحاله فى الهدى والضلال ، وإن شئت فقل على طريقته التى تشبه حاله فى السعادة أو الشقاوة المكتوبة فى اللوح المحفوظ من الهدى والضلال أو تشبه حاله فى علمه وقضائه الأزلى . روى البخارى ومسلم ، عن عدى بن حاتم رضى الله عنه ، " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . " ما منكم من أحد إلاَّ وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة " فقالوا : يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا ؟ فقال : " اعملوا فكلكم ميسر لما خلق له ، أما مَن كان من أهل السعادة فسيصير لعمل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاوة فسيصير لعمل الشقاوة " ، ثم قرأ : { فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى } إلخ ، وفسر البخارى الشاكلة بالنيَّة ، وبعض بالطبيعة ، وبعض بالدين ، وبعض بالعادة ، ومن مشهور الكلام : العادات قاهرات . وأجيز تفسير الشاكلة بالروح ، وأحوالها التابعة لمزاج بدنه ، فذو النفس الطاهرة يصدر منها الإيمان والإسلام ، وذو النفس الخبيثة غير ذلك ، والنفوس مختلفة بالماهية ، واختلاف أحوالها وأفعالها ، لاختلاف جواهرها وماهياتها ، وقيل : متساوية بالماهية ، واختلاف أفعالها لاختلاف أمزجة أبدانها ، ويدل للأول أن الله جل وعلا بيَّن أن القرآن بالنسبة إلى البعض ، يفيد الشفاء والرحمة ، وبالنسبة إلى البعض يفيد الخسار ، وأَتبعه بقوله : { قل كل يعمل على شاكلته } بمعنى أن النفوس الطاهرة يليق بها أن يظهر فيها بالقرآن آثار السعادة ، والخبيثة على عكس ذلك ، وبحيث بأَن القرآن يناسب القول الثانى أيضًا لأن اختلاف الأمزجة كافٍ فى ذلك . وأيضًا قد يقال : من أين اختلاف الأمزجة لم لا تكون واحدة فما تقولون ؟ والصواب ما أثبته ابن مالك فى تفسير حديث : " اعملوا فكلكم ميسر " إلخ من أن السبيل إلى معرفة ذلك التوقف ، فمن عدل عنه وأجال فيه العقل ضل ، لأن القدر سر ضرب دونه الستر لم ينكشف لأحد من الأنبياء ، والأولياء ، يعنى أن حقيقة الإنسان لا تقتضى لذاتها سعادة ولا شقاوة ، وإنما هما بأمور خارجية سبق بها القضاء ، فالتيسير لما خلق له على هذا التيسير إلى ما سبق القضاء ، وعلى القولين السابقين التيسير إلى مقتضى جواهرها أو الأمزجة . وقد يقال : أصل الإنسان الطاعة لقوله تعالى : { بلى } [ الأعراف : 172 ] بعد قوله عز وجل : { ألست بربكم } [ الأعراف : 172 ] ومعصية بعوارض كصحيح البدن يمرض بالعوارض ، والأنبياء والكتب ، أطباء . وفى الحديث القدسى : " إنى خلقت عبادى كلهم حنفاء ، وأتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم " ، وعنه صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على فطرة الإسلام ، ثم أبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه " . وعن الصديق رضى الله عنه : لم أر فى القرآن مثل هذه الآية ، لا يشاكل بالبعد إلا المعصية ولا بالقرب إلا الغفران . وقال عمر : { غافر الذنب وقابل التَّوب } [ غافر : 3 ] قدم الغفران على قبول التوبة ، وقال عثمان : { نبِّئ عبادى أنى أنا الغفور الرحيم } [ الحجر : 49 ] وقال علىّ : { قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم } [ الزمر : 53 ] وقال محمد بن الحنفية : أرجَى آية عندكم أهل العراق قوله تعالى : { قل يا عبادى الذين أسرفوا } [ الزمر : 53 ] إلخ ، وعندنا أهل البيت : { ولسوف يعطيك ربك فترضى } [ الضحى : 5 ] وقال عثمان النهدى : { وآخرون اعترفوا بذنوبهم } [ التوبة : 102 ] وعن علىّ : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير } [ الشورى : 30 ] فالمصائب بكسب الأوزار ، فإذا عاقبه الله فى الدنيا فالله أكرم من أن يعذبه ثانيًا ، وإذا عفا عنه فى الدنيا فهو أكرم من أن يعذبه فى الآخرة . { فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً } أسدّ طريقا فيثاب عليه ، وأهدى اسم تفضيل من الخماسى ، وهو الاهتداء على خلاف القياس ، وحذف الزائد وهو همزة الوصل والتاء ، أو من هدى الثلاثى اللازم بمعنى اهتدى .