Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 28-29)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَاصْبِرْ } احسب { نَفْسَكَ } ولو أبت { مَعَ الذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } يعبدونه مطلقاً ، أو يسألونه حوائجهم ، أو يصلون الخمس ، أو يقرءون القرآن أو يذكرون الحلال والحرام ، روايات عن السلف وأضعفها الأخير ، والصحيح الأول . { بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىِّ } عبارة عن إكثار الدعاء لا خصوص الوقتين ، أو الغداة من الفجر إلى الزوال تسمية للكل باسم الجزء ، والعشى بمعنى المساء ، أو الغداة صلاة الفجر يصلونها ، والعشى وقت الظهر والعصر يصلونهما ، ويستثنى بالسنة الصلاة عند الغروب ، والتوسط والطلوع ، فيعبدون فيهن بغير الصلاة أو يسألون حوائجهم . { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } يريدون الله أو الوجه بمعنى الرضا والطاعة ، لأن من رضيت عنه تقبل إِليه بوجهك ، وقيل : بمعنى التوجه ، أى التوجه إليه ، وعلى كل لا رياء ، وسلف قومنا يجعلونه وجهًا حقيقيًا بلا كيف ، فضلوا ولم تغنهم البلكفة ، وبعض سلفهم توقف . { وَلاَ تَعْدُ } عدا يتعدى بنفسه ، وعداه بعض لتضمن نبت عينه عنه تنبو بمعنى احتقره ولو جالسه ، فاختار لفظ تعد ليفيد أيضا معنى المباعدة ، مع الاحتقار ، ويجوز كونه من المتعدى فيقدر المفعول به أى لا تصرف عيناك عنهم النظر . { عَيْنَاكَ عَنْهُمْ } نهى الله عز وجل عينى النبى صلى الله عليه وسلم عن مجاوزتهم ، والإعراض عنهم بتركهم بلا بدل أو ببدل ، والمراد نهيه هو عن أن يحتقر فقراء المسلمين ، كعمار وسلمان ، وصهيب ، وابن مسعود ، وبلال ، لفقرهم ورثة ثيابهم ونحو ذلك من أمور الدنيا التى لا تقدح فى الدين . كما روى أن أمية بن خلف ونحو من كبار قريش ، وعيينة والأقرع من المؤلفة قالوا : اطرد هؤلاء الفقراء لضعفهم واتساخ ثيابهم نجالسك ، وننقل عنك ، فنزلت الآية ، لكن أمية فى مكة والمؤلفة فى المدينة ، والصحيح أن السورة مكية ، وقيل : إلا هذه الآية ، وقيل : السورة مدنية ، وقيل : مكية ، إلا أولها إلى جُرُزًا . ولما نزلت الآية قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمسهم فوجدهم فى مؤخر المسجد يذكرون الله تعالى فقال : " الحمد لله الذى لم يمتنى حتى أمرنى أن أصبر نفسى مع رجال من أمتى ، معكم المحيا والممات " وهذا دليل المدينة . { تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } أى زينتها الموجودة عند كفار رؤساء قومك وما وجد فى المسلمين منها فجالسه لله عز وجل لا لهما ، والجملة حال من الكاف المضاف إليها ، لأن المضاف جزء من المضاف إليه هنا ، ولأنه يقوم مقامه ، كما تقول : لا تعد أى أنت وهذه الحال جاءت على مقتضى طبع النفس بمعنى أنه لو عَدَتهم عيناك لكان ذلك لحالهم الرثة ، وذلك مقتضى المقام . والقصد أن لا تعدو عنهم مطلقًا ، تريد زينة الحياة الدنيا ، أو لم تردها إِلا أن قومه قالوا له : اطرد الفقراء عنك ، ومن لا شأن له نؤمن بك ونجالسك نحن زيادة على شرطهم الأول ، وهو إن أخبرهم بقصة أهل الكهف ، وذى القرنين ، آمنوا فنزل : { واتل ما أوحى إليك من كتاب ربك } [ الكهف : 27 ] إِلى { أعتدنا للظالمين ناراً } فقام صلى الله عليه وسلم يلتمسهم فوجدهم فى مؤخر المسجد يذكرون الله تعالى فقال : " الحمد لله الذى لم يمتنى حتى أمرنى أن أصبر نفسى مع رجال من أمتى معكم المحيا ومعكم الممات " فالتلاوة للقرآن المستلزمة للعمل بما تضمنه . { وَلاَ تطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا } جعلنا قلبه غافلاً كأمية بن خلف من جملة من دعاك إِلى طرد الفقراء المسلمين ، ومَن لا يعبأ به من المسلمين ، والآية صرحت بغباوتهم لانهماكهم فى المحسوسات الظاهرة ، وإعراضهم عما به الشرف الدائم دنيا وأخرى ، وهو زينة الدين ، والآية نصت على أن الله خلق المعصية ، كما خلق الطاعة ، والجهل ، كما خلق العلم ، وإذا قلنا أغفلنا قلبه بالخذلان ، فالمراد نفى الإجبار لا الهروب عن خلق الله المعصية ، ومنعت المعتزلة ذلك فقالوا : المعنى وجدنا قلبه غافلاً ، أو نسبنا الغفلة إلى قلبه فراراً منهم عن نسبة القبيح إلى الله سبحانه ، كأجبنه بمعنى وجده جباناً ، وأبخله بمعنى وجده بخيلا وأقحمه بمعنى وجده مقتحمًا أو نسبه لذلك ، كقول معدى كرب لبنى سليم : قاتلناكم فما أجبنَّاكم ، وسألناكم فما أبخلناكم ، وهجوناكم فما أقحمناكم ، وفيه نسبة المصادفة إِلى الله تعالى وهى ممنوعة للزوم تقدم الجهل عنها . فالمعتزلة بل بعضهم يقولون : لا يعلم الله فعلا حتى يكون ، وهو فى معنى الإشراك أو أهملناه ولم نوقفه ، وبه قال الرمانى من المعتزلة ، كقولهم : أغفل إبله إذا تركها بلا وسم ، عكس الذين كتب فى قلوبهم الإيمان قال الكميت ، وهو من الشيعة : @ وطائفة قد كفرونى لجدكم وطائفة قالوا مسئ ومذنب @@ أى نسبونى إلى الكفر وذلك منهم خطأ ، فإن الله هو القادر متأثر القدر لا قبح له فى خلقه وهو خالقهم ، وإِنما القبيح هو قولهم : إِنه يقع فى ملك الله ما لم يرده ، وهو خلق العدد ما هو قبيح إذ نسبوا الخلق فى ذلك إلى الفاعل ، وليس فى مذهبنا سوى أن الله نهى عن القبيح ، وقد خلقه ، فعصى عصيانا قارنه خذلان . { وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } استدل به المعتزلة على مذهبهم فى تفسير أَغفلنا إِذ لو كان المعنى كما قلنا صيرنا قلبه غافلا لقال : فاتبع هواه بالفاء التفريعية والتسبب على تصييرها غافلة ، فلم يسند الاتباع إلى مشيئته تعالى ، بل إلى شهواتهم ، ويجاب بأَن القدرة المؤثرة ليست إلا لله كما قال : { قل كلٌّ من عند الله } [ النساء : 78 ] وللعبد قدرة كاسبة يصح إِسناد أفعاله الاختيارية إليه بسببها وفعل العبد يكون بكسبه ، وبفعل الله والإسناد إلى الكاسب حقيقة ، وإلى الخالق تعالى مجاز فيما هو كسب ، وأيضا ليس النص على التفريع ، وإنما هو بحسب القصد . فإن المراد هنا الإخبار بوقوع شيئين : الإغفال واتباعهما لهوى ، كما تقول : جاء زيد وأكرمته إذا أردت الإخبار بأنه جاء ، وأنك أكرمته هكذا أو إن أردت التصريح بما هو سبب قلت : فأكرمته بالفاء . { وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } تقدمًا على الحق بحيث يكون خلفهم منبوذاً ، والمادة منبئة عن العجلة ، كما يقال : فرط منه قول قبيح ، أى سبق ، وفرس فرط : يسبق الخيل ، قال الله عز وجل : { إننا نخاف أن يفرط علينا } [ طه : 45 ] وفرطت القوم سبقتهم إلى الماء ، وفراط الغنم متقدماتها إلى الوادى والماء ، وفى الحديث : " أنا فرطكم على الحوض " وأفرط جاوز الحد ، وفرطا فى الآية بمعنى فارطًا أو مسرفًا أو مضيعًا ، أو مفرطا فيه ولا يقال : لم لا يطردهم جلبًا للكثير والكبراء ليقوى الإسلام ، فإنا نقول : فى ذلك إهانة للإسلام ، وللسابق إليه ، وكسر لقلبه ، وتنفير عنه ، وتقليل لمن يدخل فيه ، وتسبب فى ردة من أسلم ، وإساءة ظن بتفضيل أهل الدنيا . وأكثر الناس ليسوا بأصحاب مال ومرتبة ، وإنما الإسلام المرتبة العظيمة ، فمن سبق إليها فهو الفائز ، ولإسلام غير محتاج إلى شرف الناس ، بل مَن أعرض عنه كب ، ففى ذلك بيان من الله لهؤلاء الأشراف أن نحو سلمان وعمار هو الشريف ، وهكذا قل ولا تحتاج أن تقول : إن الله عالم بأن هؤلاء لا يؤمنون إيماناً ضعيفاً ، وبدل لما قلت قوله تعالى : { وَقُلِ } لهؤلاء الذين أغفلنا قلوبهم { الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ } مبتدأ وخبر أى الحق آت أو ثابت من ربكم ، لكن إذا قدرنا آت فالخبر آت لا من ربكم ، وما أتى من غير الله مما لم يأذن به الله ، ليس بحق ، بل مجرد هوى ، أو الحق خبر لمحذوف ، و من ربكم حال مؤكدة أو خبر ثان ، أى ذلك الحق من ربكم ، أو هذا الحق ، أو الذى آتيتكم به ، والمراد ما مر من أول السورة ، أو كل ما أوحى إليه . { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ } بهذا الحق المذكور ، أو بالنبى ، أو بالقرآن ، وهذا من مقول القول أو من الله تعالى . { وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } لا أُبالى بإيمانكم وكفركم ، فإنى مثاب على تبليغى ولو لم تعملوا به ، ولا يضرنى كفركم ، ولا أطرد الفقراء آمنتم أو كفرتم ، أو استعارة للخذلان بتشبيه ما هو بحال المأمور بالكفر ، والجامع عدم المبالاة ، والآية لا تقتضى استقلال العبد بفعله ، لأن مشيئته الإيمان أو الكفر لا تكون إلا بمشيئة الله عز وجل ، ولا ينفذها إلا بإنفاذه تعالى ، فإنه خالق لمشيئة العبد ، وإنفاده لها ، ومشيئة العبد غير مؤثرة ، وأيضا قال الله عز وجل : { وما تشاءون إلاَّ أن يشاء الله } [ الإنسان : 30 ] والشرط لا يلزم أن يكون علة تامة للجزاء ، بل يكفى أن يكون سببًا فى الجملة كما فى المطول . ولو كانت مشيئة العبد مؤثرة لاحتاجت إِلى تقدم مشيئة لها عليها ، فيتسلسل بخلاف مشيئة الله لمشيئة العبد ، فإنها تقطع التسلسل ، والآيات دالة على اختصاص الخلق بالله ، وأيضا كيف يكون العبد خالقًا لفعله مع جهله بأَجزاء فعله ، وغفلته وحاله وكيفيته ، وأيضا كيف يكون العبد خالقًا لفعله مع جهله بأجزاء فعله ، وغفلته وحاله وكيفيته ، وأيضا قد يفعل بلا عمد كيف يخلق بلا عمد ، ومذهبنا ومذهب الأشعرية واحد . وزعم أبو منصور الماتريدى أن مشيئة العبد ليست بمشيئة الله ، بل مستقلة ومجموع الأمرين تهديد ، ويكفى لو اقتصر على الثانى لكفى تهديداً لا على الأول . { إِنَّا أَعْتَدْنَا } هيَّأْنَا { للظَّالِمِينَ } أنفسهم بالإشراك ، ويلتحق بهم الفسَّاق { نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ } يُحيط بهم { سُرَادِقُهَا } فسطاطها ، والإضافة بمعنى من التبعيضية ، فهم على بعضها ، وتحت بعض هو سرادقها ، ولو كانت كلها سرادق ، والإضافة للبيان لزم أن يكونوا فى أرض غير النار ، والنار سرادق عليها ، نعم يجوز أن تكون السرادق من غير النار ، وهم فى النار ، وأضافها إلى النار لأنها فى النار ، وهى سرابيل من قطران غير النار ، بل خلقه من الله ، أو لباسهم وطعامهم وشرابهم المحرمة ، التيى يتمتعون بها ، صيِّرت لهم سرادق . ويجوز أن تكون الإضافة من إضافة المشبه إلى المشبه به . وقيل : السرادق جدار دائر بهم عرضه مسيرة أربعين عامًا ، وفى الحديث : " سرادق النار أربعة جدر كل جدار مسيرة أربعين سنة " والمراد أن هذه الجدر محيطة بهم كلهم ، وقيل : سرادقها دخانها الشبيه بالسرادق وعلى ما مر من الاستعارة ، وبيان الإضافة والتشبيه الإضافى . وقيل : هذا الدخان هو المراد فى قوله تعالى : { إلى ظل ذى ثلاث شعب } [ المرسلات : 30 ] وأنه قبل النار . وعن ابن عباس : حائط من نار ، وعن الكلبى عنق يخرج ، ويحيط بهم فى المحشر ، وزعم بعض أن البحر المحيط يكون عليهم ناراً ، وزعم أنه صلى الله عليه وسلم قال : البحر من جهنم ، وتلا الآية . { وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا } من العطش { يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالمُهْلِ } ما أذيب من حديد أو نحاس أو ذهب أو فضة أو رصاص ونحو ذلك ، حتى صار فى السيلان كالماء ، وقيل : كدردى الزيت ، ويقال : قيح ودم أسود ، ويقال : ضرب من القطران بالغ فى الحرارة ، وذلك تهكم وتحقير حيث أجيبوا بضد مطلوبهم ، طلبوا ماء فأوتوا بعذاب إذا قرب من وجوههم سقطت لحومهم ، وإذا شربوه قهراً أخرجت أمعاؤهم من أدبارهم ، وسقوا ماء حميمًا فقطع أمعاءهم ، ثم يعادون كما قال : { يَشْوِى الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ } ذلك الماء جملة بئس مستأنفة ، ولا يبعد أن تكون مقولاً لنعت محذوف أى مقولاً فيه ، بئس الشراب وهذا النعت كالنعت قبله وهو يشوى منعوته ماء ، وكذا كالمهل نعت لماء أى ثابت كالمهل ، أو النعت الكاف على أنها اسم مختلف لما بعد ، قيل : فيستتر فيه الضمير ، لأنه بمعنى مشابه ، وأجيز أن يكون يشوى حالا من المستتر فى الكاف ، أو من ضمير الاستقرار ، على أن الكاف حرف أو حال من المهل ، لأن المهل ولو سيق للتشابيه ، لكن نعته بيشوى ، تكميل لوصف الماء ، فيكون كإفراد الشئ مع دليله . { وَسَاءَتْ } بئست النار { مُرْتَفَقًا } متكأً وهو اسم مكان بمعنى موضع ارتفاق ، أى اتكاء على مرفق اليد ، أو هو مصدر ميمى ، أى ساء ارتفاقها ، أى الارتفاق فيها . وعن ابن عباس : منزلا ، وهذا مقابل لقوله : { وحسنتْ مرتفقا } [ الكهف : 31 ] وقوله : { متكئين فيها } [ الكهف : 31 ] إلخ جئ على التهكم ، فإنه لا اتكاء لأهل النار فيها ، كما تهكم بقوله : { يغاثوا بماء كالمهل } كقوله : تحية بينهم ضرب وجيع . وأما قوله : @ غضبْ تميم أن يقتل عامر يوم النثار فأعقبوا بالصيام @@ أى بالداهية ، والنثار ماء لتميم ، فلا يلزم أن يكون تهكما لجواز أن يكون معناه : اصبروا للصيام ، ولا تجزعوا ، وذلك على صيغة الأمر لما كان مبنيا للمفعول ، فتهكم .