Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 30-32)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } وقوله : { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } خبر ، لإن الأولى والرابط من فهو من وضع الظاهر موضع المضمر ، على أن المراد بمن أحسن عملا هو الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، ولا يمنع هذا تنكير العمل ، فإنه للتعظيم اعتبر وضع الظاهر موضعه على وجه التعظيم ، وإن أريد بالأول الخصوص ، وبالثانى العموم ، كان الرابط العموم أو بالعكس فالرابط محذوف أى من أحسن منهم عملا ، أو هذه الجملة معترضة ، فيكون خبر إن الأولى قوله : { أُولئكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ } وإِذا جعلنا الخبر هو إنا لا نضيع كانت هذه مستأنفة أو خبراً ثانيًا لإن الأولى ، والعدن الإقامة ومنه المعدن لإقامة الجواهر فيه ، العمل الصالح هو إحسان العمل أو إحسان العمل قيد فى العمل الصالح لأن الإنسان قد يعمل صالحًا ، ولا يحسنه ، وعلى وضع الظاهر موضع المضمر ، فالإحسان مراد فى آمنوا وعملوا الصالحات ، وعلى غيره يكون الإحسان قيداً مخرجاً لمن لم يتم عمله ولمن رأى به ولمن عمل محبطاً أو يراد الإحسان الذى هو أن تعبد الله كأنك تراه ، فتكون لآية فى نوع من المؤمنين . { تَجْرِى مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ } خبر ثالث ، أو مستأنف أو نعت جنات ، أى من تحت غرفهم كما قال جل وعلا : { وهم فى الغرفات آمنون } [ سبأ : 37 ] . { يُحلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ } خبر رابع أو مستأنف ، أو تحت جنات ، والمفعول الثانىمحذوف منعوت بمن أساور ، أى يحلون فيها حليا من أساور ، ومن هذه للتبعيض من هذا المحذوف ، أو بيان له ، ويجوز أن يكون متعديًا لواحد فقط بمعنى يعطون حليًا ، فتكون من للابتداء ، ومن ذهب نعت لأساور ، أو بيان لأساور ، أو تبعيض له يتعلق بمحذوف نعت أساور ، والمفرد أسورة وأسورة جمع سوار ، وقال أبو عبيدة : جمع أسوار بحذف الألف بعد الواو ، ولو اعتبرت لقيل أساوير بالياء ، أو حذفت من أساوير الياء . قال أبو عمرو بن العلاء : سوار مفرد لا جمع ، وجمعه أساور بحذف ألف المفرد ، وكذا قال قطرب وأبو عبيدة ، وتنكير أساور وذهب للتعظيم ، والسوار حلقة تلبس فى اليد أو فى الزند ، وكان الملوك يتزينون فى أيديهم ، ويتوجون فى رءوسهم فى الدنيا ، وتزين بها الأطفال الذكور أيضا فلا عيب فى لبس أهل الجنة لها ، بل جعلها الله لهم زينة يحبونها ، ولو كانوا لا يحبونها فى الدنيا طبعًا ، ولكل واحد من أهل الجنة ثلاثة أسورة ، واحدة من ذهب كما فى هذه الآية ، والثانية من الفضة لقوله تعالى : { وحلّوا أساور من فضة } [ الإنسان : 21 ] . والثالثة من اللؤلؤ لقوله تعالى : { ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير } [ الحج : 23 ، فاطر : 33 ] أو لبعضهم من ذهب ، ولبعض من فضة ، ولبعض من اللؤلؤ ، بحسب أعمالهم ، وأكثر التسوير فى الدنيا النساء ، ويشترك به النساء والرجال فى الآخرة والأصل دستاور لفظ عجمى تصرفت فيه العرب ، فقالوا سورت الجارية ، وقالوا : سوار بحذف الف دست ، ورائه وهائه وتائه وداله ، والصحيح أنه عربى وقيل : معرب دستواره . قال عكرمة : أسورتهم من ذهب وفضة ولؤلؤ ، أخف عليهم من كل شئ ، إِنما هى نور . وعن أبى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم : " تبلغ الحلية حيث يبلغ الوضوء " وعن كعب الأحبار : " لله تعالى ملك يصوغ حلى أهل الجنة من يوم خلق إلى يوم قيام الساعة لو بدا واحد لأزال ضوء الشمس " . { وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا } لأن للخضرة طراوة زائدة على حسن الزرقة ، والسواد والبياض ، والحمرة والصفرة ويتقوى بها نور البصر ، ولا سواد فى الجنة ، والأحبار لا تخلو عن إثباته إلا أنا لا ندرى صحتها ، كما يقال : لهارون لحية تضرب إلى سرته فنظن أنها سوداء ، وكما يقال : يفرق سواد بلال رضى الله عنه نقطًا فى خدوج نساء الجنة ، وإنما بنيت الحلية للمفعل واللباس للفاعل ، لأنه لعملهم الصالح الذى تناولوه هم ، ولأن المعتاد أن يلى الإنسان لباس نفسه ، ولا سيما إذا كان فيه ستر العورة أو مسها ، والحلى أعطوه وهو زيادة من الله ، والملوك تلبسهم الحلى ونحوه الخدم . { مِنْ سُنْدُسٍ } ما رقّ من الحرير ، وأصله فارسى أو هندى قولان ، وأصله بالهندية سندون وغيَّرته الروم إلى سندس ، والعرب إلى سندس . { وَإِسْتَبْرَقٍ } ما غلظ منه ، وقيل : حرير منسوج بالذهب ، فارسى معرب ، وأصله استبر بلا هاء ، أو رومى أصله استبره بالهاء ، أو استبره بالباء الفارسية بعد التاء وبالهاء ، وقيل : هو عربى من البريق ، وهو استفعل كاستخرج ، جعلوه اسماً جمع لهم ذلك ، لأن لهم فيها ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين ، وكل قد يشتهى لغرض ، وفى قوله تعالى : { ما تشتهيه الأنفس } [ الزخرف : 71 ] تلويح بأن فى الجنة غير الخضرة ، لأن الحرير أبيض ما لم يصبغ ، وفى الجنة خلقه الله أخضر بلا صبغ ، " قيل : يا رسول الله ثياب الجنة منسوجة أم مخلوقة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : تنشق عنها ثمار الجنة " . وعن أبى الخير مرثد بن عبد الله : فى الجنة شجرة تنبت السندس ثيابًا لأهل الجنة ، وعن سليم بن عامر ، أن الرجل يكسى فى الساعة الواحدة سبعين ثوبًا ، وأن أدناها كشقائق النعمان . وعن كعب : لو أن ثوبًا من الجنة بدا لصعق أهل الدنيا وما حملته أبصارهم . { مُتَّكِئِينَ } حال من واو يلبسون { فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ } السُّرور فى الحجلات بهيئة المتنعمين من الاتكاء ، قال صلى الله عليه وسلم : " يمكث الرجل فى متكئِه أربعين سنة ما يمله " وعن ابن عباس : الأرائك فرش منضودة فى السماء ، مقدار فرسخ ، وأصله من الأراك وهو شجر ، أو من الأروكة وهى الإقامة على رعى الأراك ، وهو عربى . { نِعْمَ الثَّوَابُ } الجنة وما فيها { وَحَسُنَتْ } أرائكهم { مُرْتَفَقًا } موضع اتكاء ، أو هو حال أو اتكاء وهو تمييز ، ولو كان معناه من المتكئين لا من السرر ، ولم ذكر الله عز وجل جزاء للظالمين أصحاب الأموال المحتقرين للمسلمين الفقراء ، الناهين ذكر مثل ذلك بضرب المثل برجل مشرك متعظم بماله على رجل مسلم ، ينهاه فقال : { وَاضْرِبْ لَهُمْ } للمشركين { مَثَلاً رَجُلَيْنِ } للكافرين والمؤمنين ضعفَاء المؤمنين طالبين لطردهم عن مجلسه مقداراً مفروضاً . والصحيح أنهما كانا رجلين موجودين فقيل : كانا أخوين إِسرائيليين كافر اسمه قرطوس بقاف مضمومة ، وقيل : بفاء مضمومة ، وقيل : قطفير ، ومؤمن اسمه يهوذا ورثا من أيهما ثمانية آلاف أنصاف ، فاشترى الكافر بسهمه ضياعاً وعقاراً ، وجعل المؤمن سهمه فى وجوه الخير ، وقيل : كانا حدادين ، جمعا مالا : ويروى أن الكافر اشترى أرضًا بأَلف ، فتصدق المؤمن بألف الأرض فى الجنة ، وداراً بأَلف ، فتصدق المؤمن بألف لدار فى الجنة ، وتزوج امرأة بألف فتصدق المؤمن بألف للحور ، واشترى خدماً بألف ، فتصدق المؤمن بألف لولدان الجنة ، وكل ذلك بقول : اللهم ، وافتقر وتعرض لأخيه فى طريقه ، فمر به مع حشمه ، فوبخه على تصدقه ، ولم يعطه . وقيل : الرجلان أخوان من بنى مخزوم ، بطن من قريش ، وقوله تعالى : لصاحبه ، لا ينافى الأخوة كافر ، وهو الأسود بن عبد الأشد بالشين المعجمة ، وبعض ضبطه بالمهملة ، ومؤمن وهو أبو سلمة عبد الله ، زوج أم سلمة قبل النبى صلى الله عليه وسلم ، بفتح سين سَلَمة ، ولامه فى أبى سلمة ، وفى أم سلمة ، وهى من أمهات المؤمنين . { جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ } مستأنف تفسيراً للمثل أو نعت لرجلين مفيد للتمثيل ، والمعنى سنانان من شجر الأعناب على تقدير مضاف ، والأعناب شجر العنب مجازاً ، أو يقدر مضاف أى من شجر أعناب . { وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ } جعلنا النخل حافة بهما أى محيطة ، والجنة عبارة عن شجرها فبيَّنها بقوله : " من أعناب " ومن للبيان ، أو يقدر شجرها من أعناب ، والنخل مقوّ لها ، فالعنب أشرف من التمر ، والتمر أشرف من غيره ، والنخل خارج عن الجنتين ، لأنهما جنتان بالعنب ، والنخل أحاط بهما ، ويقال : حفَّه القوم أحاطوا به ، وحففته بالقوم حطتهم حافين ، فالباء للتعدية إلى مفعول ثان كهمزة التعدية ، كأنك قلت : أحففتهم إياه ، أى جعلتهم حافينه بنصب محل الهاء على المفعولية ، وتعديته بالباء أولى منها بالهمزة ، والمراد كل جنة منهما مدور عليها بنخل على حدة . { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا } بين كل جنة ونخيلها ، والأخرى ونخيلها { زَرْعًا } فيحصل من ذلك القوت العظيم والبقول كل وقت بما ناسبه من المحروث ، ولا يحتاج مالكهما إلى غيرهما ، لأن ذلك بُرّ أو شعير أو نحوهما ، وفواكه وعنب ولا يختص الزرع بنحو البُرّ ، بل يصدق أيضا بنحو البطيخ والزرع ، بمعنى الصدرية أى قبول الحرث ، أو مفعول أى ننبت بينهما ما يحرث ، أو يقدر أرض زرع .