Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 42-46)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِذ قال لأَبيه } بدل اشتمال من إبراهيم اعترض بينها بجملة تعليلية ، وذلك من خروج إذ على الظرفية كما خرجت عنها بالإضافة إليها فى يومئذ ، وحينئذ ، أو متعلقة بكان ، لأن الصحيح جواز التعليق بكان التى لها خبر ، وأنها تدل على الحث ، ولو شهر منع ذلك ، وقيل متعلق بنبياً ، وفيه أنه يلزم أن الله جل وعلا جعله نبياً حين القول لأبيه ، ويحاب بأنه يطلق الوقت على ما قبله وما بعده مما يليه ، فإذا وقع نبى فى شهر مثلا صح إطلاق أنه وقع فيه ، مع أنه وقع فى جزء منه ، وكذا البحث والجواب إذا علق بصديقا . { يا أبت } التاء عوض عن ياء المتكلم ، وأبوه آزر وهو ظاهر القرآن ، وقيل هو عمه ، ويصح أنه أبوه ظاهر ما رواه أبو نعيم والديلمى ، عن أنس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حق الوالد على ولده ، أن لا يسميه إلا بما يسمى به إبراهيم أباه يا أبت ولا يسميه باسمه " . { لم تعْبُد ما لا يسْمَع } ثناءك عليه ، ولا صوتك بالخضوع إليه ، ولا صوتاً ما من الأصوات { ولا يُبْصر } خضوعك وخشوعك بين يديه ولا شيئا ما من الأشياء { ولا يُغْنِى عنك شيئاً } أى إغناء ما أولا يدفع عنك شيئاً ، ولا يفيدك شيئا ، والجماد من شأن أن يكون شيئا مطروحاً إلا إذا احتيج أن ينتفع به فعل به بلا احترام له ، فكيف يحترم غاية الاحترام ، ويعبد وهو دون عابده ، مع أن العاقبل المميز القادر على النفع والضر بإذن الله سبحانه ، لا يستحق العبادة لأنه محتاج ليس بخالق ، ولا رازق ، ولا محيى ولا مميت ، ولا مثيب ولا معاقب ، وذلك حجة عقلية ، واحتج بالنقلية فى قوله : { يا أبت إنى قد جاءنى مِنْ العِلْم } متعلق بجاء ، ومن للابتداء أو حال من ما ، ومن للتبعيض من قوله : { ما لم يأتِك } استماله برفق إذا لم يسمه بجاهل ولا نفسه بعالم { فاتبعنى أهدك صراطاً سوياً } مستقيما سهلا ، لا يضل سالكه ، موصلا إلى أسنى المطالب منجياً من المعاطب ، وهو ما أوحى الله إليه من التوحيد والعمل بما يجب ، وترك ما يحرم والوعد والوعيد ، وإن كان ذلك قبل الوحى إليه صح أيضا ، لأنه على دين الله قبله أيضا ، ثم حذره بأن عبادة الأصنام التى تعبدها عبادة للشيطان لأمره بها ، وهو عدو لله الذى منه النعم كلها ، المسمى الرحمن أى المنعم ، أفلا تخاف أن يسلبها عنك فقال : { يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصياً } فعيل للمبالغة أو مفعول أدغمت واوه فى يائه ، وكسر عاقبلها ، وأراد عصيان على الإطلاق ، أو عصيانه بترك السجود لآدم تذكيراً له بعداوة أبيه ، فيجتنب مصادقة من هو عدو لأبيه ، كما رسم فى القلوب ، ثم صرح له بالتحذير من أن يعاقبه الله على مصادقة عدوه وقال : { يا أبت إِنِّى أخافُ أن يمسك عذاب من الرَّحمن فتكون للشيطان ولياً } والخوف هنا العلم ، عبر به مجاملة له ، واستنزالا أو على ظاهره إذ لا جزم بأنه يصيبه عذاب الدنيا ، ولا بأن يصيبه عذاب الآخرة لإمكان أن يؤمن ، ونكر العذاب للتعظيم ، أو للتقليل تلويحاً بأنه لا طاقة له على قليل منه ، وذكر الرحمن مع أن الرحمن تستدعى عدم العذاب ، لأنه المذكور قبل ، وللاطماع بأن الرحمة باقية له على كل حال ما لم يمت مصراً ، ولأن العقوبة من الكريم أشد ، لأن فيها اعتبار جحود نعمة ، وإلغائها وللإشارة بأن كونه رجيماً لا يؤمن المكر من العذاب وإلى أن العذاب ليس انتقاماً لشىء ضرى إذ لا يضرى شىء ، بل حكمة ، وبأن الرحمة سبقت الغضب ، ولا دلالة للمس على تقليل العذاب لقوله تعالى : { لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم } [ النور : 14 ] ومعنى كونه ولياً للشيطان أنهما يقرنان فى فى العذاب ، وفى هذا تغليظ عليه بعد ما ألان وهو من نفس الرحمة ، لأن المراد انزجاره عما يضر إلى ما ينفع قال بعض : @ فقسا ليزدجروا ومن يك حازماً فليقس أحياناً على من يرحم @@ وفى قوله : { لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا } حجة عقلية ، وفى قوله : يا { أبت } تحبب وترغيب فى التوحيد ، وتمهيد للانتباه ، بنهمه أولا على ما يمنع من عبادة الأصنام ، ثم أمره باتباعه فى الإيمان ، ثم بأن طاعة الشيطان غير جائزة فى العقول ، وختم الكلام بالوعيد الزاجر ، وكأنه قيل : فما حال أبيه بعد ذلك الوعظ العظيم الطويل ، فقال الله جل وعلا : { قال } أبوه مصراً مقابلاً لاستعطافه بالغلظة { أراغب أنت عن آلهتى يا إبراهيم } راغب مبتدأ ، وأنت فاعله أغنى عن خبره لتقدم الاستفهام ، وهو هنا توبيخى تعجبى ، وعن آلهتى متعلق براغب . ولا يضر الفصل بأنت ، لأنه فاعل كما يفصل الفاعل الفصل عن المفعول ، وهو الأصل ، ولو أغنى عن الخبر ، أو راغب خبر ، وأنت مبتدأ . لا يضر فصل أنت . لأن راغب فى رتبة التأخير عن أنت ، والأصل أأنت راغب عن آلهتى ، ومن التخليط تقدير لفظى راغب آخر بعد أنت ، يفسره المذكور تحرزاً عن هذا الفصل ، بل المبتدأ ليس أجنبياً من الخبر من كل وجه ، ولا سيما أن المفصول الجار والمجرور ، وهم يتوسعون فيهما وفى سائر الظروف ، وليس فى جعل أنت مبتدأ إلباس بالفاعل بل اللفظ إجمال إذ فى كل وجه خلاف الأصل الرفع بالوصف لما يغنى عن الخبر ، خلاف الأصل وكونه خبرا مقدما خلاف الأصل بخلاف قام زيد لو جعل خبراً مقدماً ، فإنه إلباس بالفاعل ، وعلى كل حال جعل راغب تالياً للهمزة ، لأن محط التوبيخ والتعجب بالذات الرغبة عن الآلهة ، وراغب للحال أو للماضى المستمر . { لئن لم تنته } عن الرغبة عن آلهة ، وعن النهى عن عبادتها ، وعن الدعوة إلى ما دعوتنى إليه ، أقسم بآلهته لا بالله ، لأنه لم يؤمن إلا إن آمن به وعبد غيره { لأرجمنك } بالحجارة عند الحسن ، وبشتم اللسان عند ابن عباس والسدى والضحاك وابن جريج ، { واهجرنى } عطف على { لأرجمنك } عطف إنشاء على إخبار ، أجاز سيبويه ذلك وعكسه ، وفى ذلك جعل جواب القسم غير الاستعطافى إنشاء ، وهو لا يجوز والمعطوف على الجواب جواب ، أو العطف على محذوف تقديره احذرنى واهجرنى . { مَلياً } زماناً طويلا عند الحسن ومجاهد ، وجماعة ورواية عن ابن وأبداً عند السدى ، وكأنه تفسير بالمراد وهو منصوب على الظرفية كما رأيت ، أو مفعول مطلق أى هجراً ملياً أى طويلا ، وعن ابن عباس : ملياً سالماً قادراً على الذهاب قبل أن أثخنك بالضرب ، فلا تطيق التنقل فهو حال .