Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 56-57)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ واذْكُر فى الكتاب إِدريس } هو نبى قبل نوح بألف سنة ، كما روى عن ابن عباس ، وهو أخنوخ بضم الهمزة وفتحها ابن برد بن مهلاييل ابن أنوش بن فيتان بن شيث بن آدم عليه السلام ، وعن وهب أنه جد نوح والمشهور أنه جد أبيه . على أنه ابن لملك بن متوشلخ بن أخنوخ ، وهو أول من نظر فى النجوم والحساب ، جعل الله ذلك من معجزاته ، وأول من خط بالقلم ، وخاط الثياب ، ولبس المخيط ، وكانوا من قبل يلبسون الجلود ، وأول مرسل بعد آدم ، وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة ، وأول من اتخذ المكاييل والموازين والأسلحة ، وكان يقاتل بنى قابيل . وعن ابن مسعود أنه إلياس بعث إلى قومه أن يقولوا لا إله إلا الله ويعملوا ما شاءوا أى مما ليس من مساوىء الأخلاق ، فأبوا أو أهلكوا والصحيح الأول ، ولو روى القول بأنه إلياس ابن أبى حاتم بسند حسن عن ابن مسعود ، وهو لفظ سريانى عند الأكثر ، لا مشتق من الدرس ، لأن الاشتقاق من غير العربى لا يقول به أحد ، ولو كان عربياً لصرف إلا أن يكون فى تلك اللغة قريب المعنى من ذلك ، فلقب به لكثرة درسه . { إِنه كان صدِّيقا نَبيا * ورفعناه مكاناً علياً } فى السماء الرابعة ، عند أنس وأبى سعيد وكعب ومجاهد ، وفى السادسة عند ابن عباس والضحاك ، وفى الجنة عند الحسن ، لأنه لا أعلى منها إلا العرش لما أنشد النابغة الجعدى للنبى صلى الله عليه وسلم قصيدته المختومة بقوله : @ بلغنا السماء مجدنا وسناءنا وإنا لنرجو فوق ذلك مظهراً @@ قال صلى الله عليه وسلم : " إلى أين يا ابن أبى ليلى ؟ " قال : الى الجنة يا رسول الله ، قال : " أجل إن شاء الله " وعن الحسن والجيانى وأبى مسلم : الرفعة رفعة شأن ونبوة ، وفى السابعة عند قتادة ، يعبد الله مع الملائكة ورفع عنه الأكل ، وقيل إذا شاء أكل من الجنة ، وشذ ما روى عن مقاتل أنه مات فى السماء ، وهذا الرفع ولو كان حسياً لكن فيه مدح ، لأنه إلى محل الملائكة والعبادة ، وهل سمع رفع عاص الى ذلك ، وروح الشقى ترد من السماء ولا تدخلها ، وقد تكون الرفعة المكانية معنوية ، كما فسرها الحسن فى رواية وكما قال : @ وكن فى مكان إذا ما سقطت تقوم ورجلك فى عافيه @@ وفى البخارى ومسلم ، عن أنس بن مالك ، عن مالك نب صعصعة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنه رأى ليلة الإسراء إدريس فى السماء الرابعة ليلة المعراج " وعن كعب الأحبار : أصاب إدريس حر الشمس فقال : كيف بمن يحملها كل يوم مسيرة خمسمائة عام ، فدعا الله تعالى للملك الحامل لها ، فخففت عليه ، فقال [ الملك ] : يا رب خففت على فماذا ؟ قال الله عز وجل : بدعاء إدريس ، فقال : يا رب اجعل لى معه خلة ، فاستجاب الله عز وجل له ، فأتاه فقال له ادريس : أخبرت أنك أمكن الملائكة عند ملك الموت ، فاسأله أن يؤخر أجلى لأزداد عبادة وشكراً ، فقال لا يؤخر الأجل ، لكن أخبره فرفعه الى مطلع الشمس ، فقال لملك الموت : لى صديق آدمى طلب تأخير الأجل ، قال لا يؤخر ، لكن أخبره بأجله ليقدم لنفسه فنظر فى الديوان فقال كلمتنى فى إنسان لا يموت أبداً ، أى لأنه قد مات فلا يزداد موتاً آخر ، وإنى أجد موته عند مطلع الشمس ، قال : إنى تركته هناك ، قال فانطلق فإنه قد مات ، فوجده ميتاً ، وقد عرف ملك الموت أنه أراد إدريس . وعن كعب الأحبار أيضا : أصابته من الشمس حرارة فى بروزه فى حاجة مشى فيها ، فقال : كيف بمن يحملها كل يوم مسيرة خمسمائة عام ، فدعا الله له فأصبحت خفيفة ، فقال يا رب خلقتنى لحملها ، وقد صارت خفيفة قال إن عبدى إدريس دعانى بذلك ، فقال يا رب ائذن لى فى خلته ، فأذن له ، فجاءه فطلبه أن يرفعه إلى السماء فرفعه ، وكان كما روى ابن المنذر ، عن عمر مولى عفرة ، عن النبى صلى الله عليه وسلم : أنه قسم دهره ثلاثة أيام لتعليم الناس ، وأربعة للعبادة والسياحة مجتهداً يرفع من عمله مثل أعمال بنى آدم فأحبه ملك الموت ، فلقيه فى سياحته ، وطلب صحبته ، فقال لا تقدر ، فقال بلى إن شاء الله ، فمر آخر النهار بغنم ، فقال له كالمختبر : لا ندرى أين نمسى فلنفطر بجفرة من الغنم ، فقال : أتدعونى إلى ما ليس لى ، لا تعد الى مثل ذلك يأتينا رزقنا من الله ، فأتاه حين أمسى ما يأتيه من الرزق ، فقال : كل ، فقال : والله ما أشتهى ، فأكل وحده فصليا حتى فتر ونعس ، ولم يفتر الملك فصغرت نفسه إليه ، وأصبحا وساحا . ومرا آخر النهار بحديقة عنب فقالا مثل ذلك ، فأتاه رزقه ، فدعاه فأبى فأكل وحده ، فصليا حتى فتر دون الملك ، فقال : والذى نفسى بيده ما أنت آدمياً ، فقال : إنى ملك الموت ، فقال : أمرت بى ؟ فقال لو أمرت ما أنظرتك ، ولكن أحبك وصاحبتك فى الله تعالى ، فقال لم تقبض روحا من حين التقينا ؟ قال : قبضت روح من أمرت به ، والدنيا كلها لى كمائدة بين يدى الرجل ، فقال أسألك بالذى أحببتنى له ، أن نقضى لى حاجة ، فقال : ما هى ؟ قال تقبض روحى ، ويردها الله إلى ، فقال أستأذن ربى فأذن له ، ففعل فقال : يا نبى الله كيف وجدت الموت ؟ فقال أعظم مما حدثت ، وسأله رؤية النار فنادى بعض خزنتها ، فجاء يرتعد إذ علم أنه ملك الموت ، فقال : أمرت فينا فقال : لو أمرت لم أنتظر ، لكن نبى الله إدريس سأل أن تروه لمحة من النار ، ففتح قدر ثقب المخيطى ، فصعق ، فقال أغلقوا وجعل يمسح وجه إدريس ويقول : ما أحب أن يكون هذا حظك من صحبتى . وقال : كيف رأيت ؟ قال : أعظم مما حدثت ، وسأله لمحة من الجنة ، فكانء مثل ما مر وأصابه بردها وطيبها ، فطلب الدخول والأكل والشرب لتشتد رغبتى ، فدخل ففعل فقال له : اخرج يا نبى الله ، قد أصبت حاجتك حتى تدخلها مع الأنبياء عليهم السلام ، فتمسك بشجرة فقال : لا ، وإن شئت أخاصمك ، فأوحى الله تعالى إليه خاصمه ، فقال : ما تقول يا نبى الله ؟ فقال قد قال الله عز وجل : كل نفس ذائقة الموت ، وقد ذقته ، وقال سبحانه : { وإن منكم إلاَّ واردها } [ مريم : 71 ] وقد وردتها ، وقال جل وعلا : { وما هم منها بمخرجين } [ الحجر : 48 ] فأوحى الله إليه خصمك عبدى إدريس ، وعزتى وجلالى إن فى سابق علمى أن يكون ذلك ، فدعه وتلك الآيات ألهمها الله له إلهاماً ، أو رآها فى اللوح المحفوظ بإذن الله . وقوله قد وردتها نص فى أن الورود حضور ، كما هو مذهبنا ، لا الدخول ، وروى أنه أتاه ملك الموت قبل الرفع فقال : أين ملك الموت ؟ فنظر فى الحساب فقال ما يوجد فى الدنيا إلا أن تكونه .