Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 142-143)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ سَيَقُولُ } الخ نزلت قبل قوله : مَا وَلاَّهم وبعد { قد نرى تقلب وجهك } [ البقرة : 144 ] … الآية فتكون معجزة بالإخبار بالغيب ، وتوطيناً لنفوس المؤمنين على الصبر ، وليستعدوا للجواب ، ومفاجأة المكروه أشد على النفس ، وأدعى لاضطراب الجواب ، أو خطئه فقدم الله الإخبار لهم ولقنهم الجواب ، وعلى صحة نزولها بعد قولهم : ما ولاهم ، فالسين للتأكيد دون الاستقبال ، وفائدة التأكيد ذمهم ، بأنهم قد تحقق منهم كلام سوء وطعن ، فيكون الفعل للال المحكية تنزيلا للماضى منزلة الحاضر ، أو الاستمرار أو هى للاستقبال بمعنى ، أنهم سيعيدون القول ويكررونه مجاهرة ، وجد بعد إخفاء { السُّفَهَاءُ } من يضعون الشىء فى غير موضعه لخفة عقولهم ، ويعملون بغير دليل ويرون غير الدليل دليلا { مِنَ النَّاسِ } أى من جملة الناس ، لئلا يتوهم أن السفهاء هم خصوص المذكورين أوائل السورة ، والسفيه ولو كان قد يكون من الحيوانات لكن لا قول لها إلا شاداً ، أو تأويلا فلا يحترز عنها ، والسفهاء اليهود المجاهرون ، والمنافقون بإضمار الشرك من العرب ، والمنافقون من اليهود ، ومشركو العرب ، أما اليهود فإنهم لا يرون الفسخ ، وكانوا يأنسون باستقبال النبى صلى الله عليه وسلم بيت المقدس ، ويرجعون أن يرجع إلى دينهم ، ولما استقبل القبلة اغتموا ، وقالوا ، اشتاق إلى دين آبائه ، ولو ثبت على قبلتنا لعلمنا أنه المبشر به فى التوراة ، فبعض علموا أنه النبى ، وأنه سيرجع إلى الكعبة وكتم ، ولو لم يرجع إليها لعلموا أنه غير النبى ، وقال ذلك سفها ، وبعض ما علم وقال ذلك ، وأما المنافقون فقالوا : تحوله للكعبة لعب بالدين وعمل بالرأى لا دين ، وأما مشركو العرب فقالوا ، قد رجع إلى وفاقنا ، ولو بقى عليه من أول الأمر لكان أولى له وكذبوا ، لم يكن قط إلا على الإسلام ، إلا إن أرادوا موافقة الكعبة . ويروى أنه كان يصلي إلى بيت المقدس فتأذوا بذلك ، وقيل : يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس ولما حوّلت الكعبة قالوا ، لو كان من أول كذلك كأن ألْيق به ، وقالوا : رغب عن قبلة آبائه ، ثم رجع إليها ، وسيرجع إلى دينهم . قال البراء : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً ، أو سبعة عشر شهراً ، وكان يحب أن يتوجه إلى الكعبة ، فأنزل الله تعالى { قد نرى تقلب وجهك … } [ البقرة : 144 ] الآية فكان يصلى إليها . وفى رواية صلى إلى بيت المقدس تسعة أشهر أو عشرة أشهر ، وعن معاذ ثلاثة عشر شهرا ، وقيل سبعة أشهر { مَا وَلَّٰهُمْ } صرفهم إلى الكعبة { عَنْ قِبْلَتِهِمُ } صخرة بيت المقدس . وأصل الكعبة نوع من الاستقبال فى ذات المستقبل وأحواله فى مكانه ، ثم صار حقيقة عرفية عامة للجهة المسقبل إليها { الَّتِي كَانُواُ عَلَيْهَا } فى صلاتهم ودعائهم وأمورهم ، وذلك ظاهر فى اليهود والمنافقين من العرب المعتقدين لحقية قبلة اليهود تقليداً لليهود . ومما ورد فى صخرة بيت المقدس ، أن المياه تقسم عليها لأهل الأرض . وأما مشركو العرب فقولهم ، ما ولاهم … الخ مجرد طعن ، بأن الانصراف بلا داع ، وأما استقبال الكعبة فحق عندهم { قُل لِّلهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ } وسائر الأرض دخل فيها تعميما للجوانب ، أو كناية عن جميع الأرض ، وذلك أبلغ من أن يقول ، لله الأرض كلها ، وأيضاً فى ذكرها تلويح بذكر قبلة النصارى وهى المشرق ، وقبلة اليهود ، وهى المغرب ، وأخره لأن الطلوع قبل الغروب ، ومطابقة لمزيد ظهورها لكونهما مطالع النور والظلمة وكثرة توجه الناس إليهما للأوقات والمقاصد ، ولا بد أنهما سميا لشروق الشمس وغروبها ، لكن إما أن يعتبرا على طول الأرض وعرضها ، وإما أن يعتبرا بمشارق الأرض ومغاربها { يَهْدِي مَن يَشَآءُ } هدايته { إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } هداية توفيق إلى قبول دين الله ، سواء أعمل به ، أو آمن ، وقيل : وعمل الكبائر فهو للنار إن أصرَّ ، فهؤلاء أمة الإجابة ، ومقابلهم من لم يهده التوحيد وقبول الدين ، وهم اليهود والنصارى وكل مشرك ، وهم أمة كفر من جملة أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، كقوم نوح وقوم هود ، وهداية توفيق للسعادة ، وبدل للأول العموم فى قوله : { وَكَذَلِكَ } الخ ، أى كما هديناكم إلى الصراط المسقيم ، وجعلنا قبلتكم الكعبة لا تنسخ هى ولا دينكم ، وهما أفضل دين وقبلة ، ولو لم تصرح الآية بالأفضلية وعدم النسخ ، لكن ناسبه التفضيل فى قوله " جعلناكم أمة … الخ " ولا شك أن الكعبة أشرف لأنها قبلة إبراهيم ، وقبلة آدم ، ومن بعد ، وإذا صير إلى السبق فهى أسبق ، لأنها قبل آدم بألفى عام تحجه الملائكة ، ووضع الله بيت المقدس أيضاً لكن بعد الكعبة بأربعين عاما { جَعَلْنَٰكُمْ } يا أمة محمد { أُمَّةً وَسَطاً } أفضل من غيركم بالعلم ، والعمل من الواسطة التى هى المختار من الجواهر ، أو من الواسطة بمعنى الاعتدال فى الشأن ، لأن وسط الشىء مصون ، والأطراف يتسارع إليها الخلل ، ولأنها وسط معنوى ، بين إفراط وتفريط ، والوسط فى الأصل اسم لما يستوى نسبة الجوانب إليه كالمركز ، ثم استعير للخصال المحمودة لكونها أوساطا للخصال المذمومة المكتنفة بها من طرفى الإفراط والتفريط ، كالجود بين الإسراف والبخل ، والشجاعة بين الجبن والتهور { لِتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ } أن أنبياءهم بلغوهم ، والمراد بالكاف وواو تكونوا المجموع لا الجميع ، لأن الأشقياء من هذه الأمة لا يكونون شهداء على الناس الذين قبل هذه الأمة { وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ } لكم { شَهِيداً } بأنكم عدول تقبل شهادتكم على الأمم ، وأنه بلغكم وقبلتم ، كما دل عليه أمة وسطاً وأنكم شهداء ، فله مدخل فى التعليل ، بخلاف ما لو فسرنا بمجرد شهادته صلى الله عليه وسلم ، أنه بلغكم ، فيخص عن الأنبياء بشهادته لنفسه بالتبليغ فتكون على بظاهرها ، فتكون اللام للعاقبة فى هذا ، ولو صح التعليل فى تكونوا فيجمع فيه بين الحقيقة والمجاز ، أو تجعل لعموم المجاز ، أو تجعل فى الأول للتعليل ، وتقدر فى الثانى للعاقبة ، أى ، وليكون الرسول عليكم شهيداً . تنكر كفار الأمم تبليغ الرسل ، فيقول الرسل ، تشهد لنا أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فيشهدون لهم بالتبليغ ، فيقول الكفار : كيف يشهدون علينا وهم بعدنا ؟ فيقولون : يا ربنا ، أرسلت إلينا رسولا : وأنزلت علينا كتابا فيه تبليغهم وأنت صادق ، فيسأل صلى الله عليه وسلم عن أمته ، فيزكيهم ، يشهد كل نبى على أمته باكفر بما بلغها { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد } [ النساء : 41 ] فتكذبه الأمم ، فتشهد له هذه الأمة ، وشهادته صلى الله عليه وسلم بعدالة أمته الشاهدين للأنبياء شهادة على كفار الأمم { وجئنا بك على هؤلاء } [ النساء : 41 ] أى كفار الأمم ، شهيداً . وعن أبى سعيد عنه صلى الله عليه وسلم : يجىء النبى صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ومعه الرجل ، أو النبى ومعه الرجلان وأكثر ، فيدعى قومه ، فيقال لهم : هل بلغكم هذا ؟ فيقولون : لا ، فيقال له : هل بلغت قومك ؟ فيقول : نعم ، فيقال له : من يشهد لك ؟ فيقول : محمد وأمته ، فيدعى محمد وأمته ، فيقال لهم : هل بلغ هذا قومه ؟ فيقولون : نعم ، فيقال : وما أعلمكم ؟ فيقولون : جاءنا نبينا صلى الله عليه وسلم فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا ، فذلك قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا . الآية . وفى رواية ، فيؤتى بمحمد صلى الله عليه وسلم فيسأل عن حال أمته ، فيزكيهم ، ويشهد بعدالتهم ، وذلك قوله تعالى : ويكون الرسول عليكم شهيداً : { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ } وهى الكعبة فى نفس الأمر { الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا } قبل ، كانت قبلته حين كان بمكة الكعبة ، ولو كان يجعلها بينه وبين بيت المقدس ، واستقبل المقدس فى المدينة ستة أو سبعة عشر شهرا ، بأمر الله تأليفا لليهود ، ثم حوله للكعبة . فالتى مفعول ثان لا نعت على المختار ، أو ما جعلنا القبلة فى المدينة قبل التحويل أو ما جعلنا القبلة التى كنت عليها قبل الهجرة قبلة ، أو ما جعلنا القبلة التى كنت عليها بعد الهجرة قبلة ، فالمفعول الثانى محذوف ، والتى نعت { إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ } محمداً صلى الله عليه وسلم علم ظهور ، أو ليظهر علمنا ، أو نعاملهم معاملة المختبر ، وعلم الله أزكى ، لكن لا يخفى عنه وقع الشىء ووقته وتفاصيله ، لأنه الخالق له ؛ أو ليعلم رسولنا أو عبادنا الصالحون ، فحذف المضاف ، أو أسند لنفسه ، لأنهم خواصه ، وفى ذلك تعظيم لهم ، أو لنميز مع يتبع الرسول للناس ، والعلم سبب للتمييز وملزوم له ، فإن العلم صفة توجب تمييزاً لا يحتمل النقيض ، أو لنجازى الطائع والعاصى ، وإنما يكون الجزاء ممن علم طاعة الطائع وعصيان العاصى ، والمراد بالاتباع البقاء على اتباعه فيما مضى وفيما يحدث من القبلة وغيرها { مِمَّن يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ } يكفر بعد الإيمان ، بسبب تبدل القبلة كفراً شبيهاً برجوع الماشى إلى ورائه ، يظن أنه صلى الله عليه وسلم فى حيرة من أمره ، وقد ارتد لذلك الظن جماعة { وَإِن } إنه أى الشأن { كَانَتْ } أى التولية المعلومة من قوله ، ما ولاهم ، أو القبلة ، أو التحويلة ، أو الردة إلى الكعبة . أو الجعلة أو المتابعة { لَكَبِيرَةً } شاقة على قلوب الناس ، وقاعدة الكوفيين فى جميع القرآن وغيره ، أن يجعلوا أن المخففة نافية لا مخففة ، واللام بعدها بمعنى إلا ، ويرده أنه لم يجىء فى كلام العرب ، ما جاء لزيد ، أى إلا زيد ، وجاء القوم لزيد ، أى إلا زيداً { إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ } منهم ، أجاز بعضهم التفريغ فى الإثبات ، والمانع يعتبر ما فى كبيرة من معنى النفى ، أى لا تخف إلا على الذين هدى الله . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى نحو بيت المقدس ، ويكثر النظر إلى السماء ، ينتظر أمر الله ، فأنزل الله تعالى ، قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضَها فول وجهك شطر المسجد الحرام ، فقال رجال من المسلمين : ووددنا لو علمنا علم من مات منا ، قبل أن نصرف إلى القبلة ، وكيف صلواتنا إلى بيت المقدس ، فأنزل الله عز وجل { وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمْ } أى طاعتكم ، أى ثوابها ، وكل عبادة إيمان ، وفى الحديث ، الإيمان بضع وستون جزءا ، وهى أن الإيمان مؤنثة لتأنيث الخبر فى الآية ، الصلاة . قال حيى بن أخطب وأصحابه من اليهود ، إن كانت صلاتكم إلى بيت المقدس هدى فقط تحولتم عنه ، أو ضلالة فقد دنتم بها مدة ، ومن مات قبل التحويل مات عليها كأسعد بن زرارة ، وأبى أمامة بن بنى النجار والبراء بن معرور من بنى سلمة ، وكانا من النقباء ، وآخرين ، فقال عشائرهم ، يا رسول الله ، قد صرفك الله إلى قبلة إبراهيم فما حال من مات منا قبل الصرف ؟ فنزل : وما كان الله ليضيع إيمانكم ، أى صلاتكم أو طاعتكم مطلقاً ، لا يضيع صلاتكم ولا غيرها ، أو إيمانكم باستقبال بيت المقدس سواء أقلنا لها بوحى على ما رجحوا ، أو اجتهاد منه إذ وجد أهل التوراة يستقبلونها ، كما صام عاشوراء متابعة لهم ، فوطن أن يستقبلها حتى يوحتى إليه فى الاستقبال ، ومن قال ، الإيمان التصديق فقط ، وفسره بالصلاة فقد يجوز لأنه سببها وملزومها { إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ } متعلق بما بعد اللام بحسب الظاهر فيحمل عليه ، فيقال ، لا صدر لللام فى خير إن إذا كان المتعلق ظرفاً أو مجروراً ، لأن تأويل الكثير لا يحسن إلا لما لا بد منه ولا محيد عنه { لَرَءُوفٌ } شديد الرحمة { رَّحِيمٌ } الرحمة أعم من الرأفة ، ومع ذلك أخرها للفاصلة ، وهى مبنية على الميم نظير الميم فى مستقيم ، وأولى من ذلك أن نقول ، لا محذور فى تقديم خاص لا يشمل كل ما فى العام ، فلذكر العام بعده دلالة على ما لم يدل عليه الخاص ، فذكر الرحمة ليدل على رحمة أخرى دون الشديدة ، بخلاف فلان متكلم فصيح ، فإنه لو أخر متكلم لم تكن له فائدة ، فإن فلانا لا يكون فصيحاً إلا وهو متكلم . ولذلك قدمت بلا فاصلة فى قوله تعالى { رأفة ورحمة } [ الحديد : 27 ] وقيل ، الرحمة تعم دفع المكروه وإزالة الضرر وسائر الأفضال ، والرأفة دفع المكروه والضرر ، ودفعهما أهم من جلب الرزف مثلا ، فقدمت لذلك على الرحمة ، فهى تخلية متقدمة على التحلية ، أو الرأفة دفع المضار ، والرحمة جلب المسار .