Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 144-144)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَدْ نَرَى } تحقق إنا لنعلم ، وقال سيبويه ، كثر تقلب وجهك { تَقلُّبَ وَجْهِكَ } حال الدعاء { فِي السَّمَآءِ } إلخ ، تعليل جملى ثان لقوله تعالى { وما جعلنا … } [ البقرة : 143 ] إلخ ، والأول لنعلم من يتبع … إلخ . روى أنه أمره الله بعد الهجرة باستقبال المقدس تأليفاً لليهود فرضى وأحب ، وكان بطبعه يحب استقبال الكعبة لأنها أشرف وأقدم للملائكة قبل آدم ، ولأنها قبلة آدم إلى إبراهيم وإسماعيل ومن بعدها حتى نزلت التوراة ، ولأن الأنبياء تحجه ، ولأنه أدعى للعرب إلى الإسلام ، وهم أفضل ، ولهم قرابة ، وأنفع فىالإسلام وأقوى ، ولو كان استقبال القدس أدعى لليهود ، ولأنه أغيظ لهم ، وأشد مغايرة ، ولأنه لو لم يتحول لوجدوا مقالا ، إذ علموا أنه يؤمر بالتحول ، ولأنهم قالوا ، يخالفنا ويتبع قبلتنا . وقال لجبريل ، وددت لو حولنى الله إلى الكعبة ، فقال جبريل : إنما أنا عبد مثلك ، ثم عرج جبريل ، وجعل النبى صلى الله عليه وسلم يديم النظر فى جهة السماء { فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَٰهَا } فوالله لنصيرنك تاليا قبلة محبوبة لك بالطبع ، وما معهه من دواعى الدين كما رأيت ، وأما بيت المقدس فهو أيضاً يحب اسقباله ، امتثالاً لأمر الله عز وجل ، أو لنوجهنك إلى قبلة ترضاها . قيل : لا تدعو الأنبياء بشىء حتى يأذن الله لهم فيه ، خوف أن يكون فتنة لقومهم ، وقد روى ، أنه صلى الله عليه وسلم ، " استأذن جبريل أن يدعو الله فى شأن ، فأخبره ، أن الله عز وجل قد أذن له أن يدعو فيه " ، والواضح : أنه لا يلزمهم أن يستأذنوا ، وقد جاءت أخبار بأنهم دعوا بدون استئذان ، وليس ذلك خروجاً عن الأدب ، وما ورد فيه معاتبة له صلى الله عليه وسلم فإنما هو لأسرار خفية { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ } جهة { الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } جهته ، لا لذاته ، بل للكعبة فيه ، وهى التى تقصد ، ولكن ذكر شطر المسجد ، وهو الحرم ، لأنه يتعذر الجزم بإصابته عينها مع عدم معاينتها والبعد عنها . نزلت فى رجب بعد الزوال قبل بدر بشهرين ، وقد صلى بأصحابه فى مسجد بنى سلمة ، بكسر اللام فى زيارة أم بشر بن البراء بن معرور ، وقد صنعت لهم طعاما ، ركعتين من الظهر ، وقيل كان فى ركوع الركعة الثانية فتحول ، واستقبل الميزاب ، وتبادل الرجال والنساء صفوفا ، وزاد الركعتين الباقيتين ، ولا يضر ذلك صلاتهم ، ولو كثرت الخطا والأعمال ورفع الأقدام والمقام من الركوع بمشى ، لأنهم فى إصلاح الصلاة بذلك وفى امتثال أمر الله . وقيل : قدم المدينة فى ربيع الأول ، وصلى إلى بيت المقدس تمام السنة ، وصلى من سنة اثنتين سبعة عشر أو ستة عشر شهراً ، ثم حولت الكعبة فى جمادى ، وقيل يوم الثلاثاء نصف شعبان ، وقيل ، نصف رجب يوم الاثنين ، وقيل فى صلاة العصر ، وذلك قبل بدر بشهرين . وقيل : من رجل ببنى سلمة فناداهم وهم ركوع فى صلاة الفجر نحو بيت المقدس ، إلا أن القبلة قد حولت للكعبة فمالوا كلهم ركوعاً إليها ، وروى ذلك فى قباء فى صلاة الفجر نحو بيت المقدس ، وأنه قال المار : ألا إن القبلة قد حولت الليلة ، وقال السيوطى : حديث بنى سلمة تحريف ، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن إماماً فى تلك الصلاة ، ولا هو الذى تحول فى الصلاة ، فإن أبا سعيد بن المعلى روى " أنه صلى الله عليه وسلم قرأ ، قد نرى تقلب وجهك فى السماء … الآية ، فنزل ، فصلى الظهر أربعاً ، قلت : لعله نزل فى صلاة الفجر ، وتحول ، وأعاد قراءتها عند الظهر " ، فإن أبا سعيد لم يقل نزلت فى الظهر ، بل قال ، قرأت على المنبر ، قال ، فقلت لصاحبى ، تعال نركع ركعتين قبل أن ينزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكون أو من صلى إليها ، فصليناهما ، فنزل صلى الله عليه وسلم ، فصلى الظهر إليها { وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } وهو الحرم ومن كان فيه ، فشطره المسجد ومن عاينه ، وكلف الجزم بمقابلته ، ويكلف بمقابلة الكعبة جزما من عاينها . وعن مالك ، الكعبة قبلة لأهل المسجد ، وهو لأهل مكة ، وهى لأهل الحرم ، وهو لأهل الدنيا ، قلت ذلك ، مقاربة ، ولا يحل لأحد قصد غيرها فقط ، بل يقصدها ، وإنما يقصد الجهة لأجلها ، وعمم الأمكنة لتعم بيت المقدس وغير المدينة ، وما حضر فيه اليهود وما لم يحضروا فيه ، فلا يتوهم خصوص المدينة ، إذ نزلت فيها ، ولا غير محضر اليهود إذ كان يصلى لبيت المقدس حين هاجر ، استجلاباً لهم ، أمره الله سبحانه بالتولية خصوصاً ، تعظيماً له ، ولأنه الداعى لله بالتحويل ، فخاطبه ، بأنا قد استجبنا لك ، وذكر دعاءه فى قوله { قد نرى تقلب وجهك … } الآية ، فكأنه قيل : دعوتنا بالتحويل فاستجبنا لك ، ثم عمم أمته بالخطاب ، تأكيداً ، أو حثّاً على المتابعة ، وإلا فخاطبه كاف إلا إذا تبينت الخصوصية { وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَٰبَ } اليهود والنصارى والصابئين { لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ } أى ما ذكر من التولية ، أو أن التولى المطاوع للتولية ، أو أن التوجيه أو التحويل ، أو أن التحول أو التوجه { الْحَقُّ مِنْ رَّبِّهِمْ } وقد صح لهم فى التوراة والإنجيل أنه صلى الله عليه وسلم يصلى إلى القبلتين ، بيت المقدس والكعبة { وَمَا اللهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } وعيد لليهود والنصارى والصابئين على التكذيب وسائر المعاصى ، ووعد للمؤمنين على التصديق وسائر الطاعات .