Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 150-150)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } الشطر فى الأصل ما انفصل عن الشىء ، إما حسا ، كدار شطور أى منفصلة عن الدور ، أو معنى ، كقولنا الإقرار شطر التوحيد ، واستعماله فى الجزء شائع ، واستعمل لجانب الشىء ولو لم ينفصل ، وبمعنى الجهة فى الآية { وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } والعطفان على لكل وجهة ، أو على قد نرى تقلب وجهك فى السماء ، ذكر ذلك ثلاث مرات ، كل لعلة غير علة الأخرى ، ذكره المرة الأولى ليريه أنه قد أجاب له فيما يشتاق إليه ورحم تضرعه ، وأنه أهل لأن يجاب لعظم شأنه عند الله عز وجل ، كما قال الله عز وجل { قد ترى تقلُّب وجهك } [ البقرة : 144 ] وذكره المرة الثانية ليبين أنه جعل لكل أمة قبلة تمتاز بها ، إذ قال { ولكلٍّ وجهة } [ البقرة : 148 ] أى لكل أمة ، وذكره المرة الثالثة ليدفع حجة اليهود ، إذ يجتمعون بأنه لو كان النبى الموعود به لتحول إلى الكعبة كما فى التوراة ، وأنه لو كان لم يتبع قبلنا مع أنه ينكر ديننا ، ولدفع حجة مشركى العرب ، إذ يتحتجون بأنه لو كان نبيّاً لم يخالف قبلة إبراهيم مع أنه يدعيها ، كما قال بعد قوله { لِئَلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ } اليهود ومشركى العرب { عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } ولأتم نعمتى ، أن عطف على لئلا … الخ ، وأما قوله عز وجل { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها } [ البقرة : 143 ] أى الكعبة التى كنت عليها ، فبان أن الجعل معلل بالعلم ، لا بقيد كونه تعظيما للرسول صلى الله عليه وسلم ولا بغيره ، وناسب التكرار أن الكعبة لها شأن ، والنسخ من مظان الطعن ، والمخالفة فى النسخ بدعوى إلزام البداء ، وهو غير جائز ، وهى مخالفة باطلة ، لأن النسخ إزالة حكم قضى فى الأزل أنه يزال ، لا ظهور لما خفى ، تعالى الله ، وقيل : الأولى على أن الإنسان فى المسجد الحرام ، والثانية على أن يخرج من المسجد الحرام ويكون فى البلد ، والثالثة على أن يخرج عن البلد إلى أقطار الأرض ، وفيه أن الخطاب أولا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى المدينة ، فكيف تكون الأولى لمن فى المسجد الحرام { إِلاّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ } بالعناد { مِنْهُمْ } من الناس المعهودين ، أى إلا المعاندين من اليهود ، إذ قالوا : تحول للكعبة ميلاً لدين قومه وحبّاً لبلده ، ومشركى العرب إذ قالوا : رجع لقبلة آبائه ، ويوشك أن يرجع إلى دينهم ، وأنه فى حيرة من أمر القبلة ، ومن لم يعاند قال : يدعى ملة إبراهيم ويوافق قبلته ، والحجة ما يستدل به صحيحاً فى نفسه أو فى زعم المستدل ، ولا حجة صحيحة لمن خالف كلام الله ، لكن تسمى حجة ، كأنها صحيحة ، لشبهها بها فى إحضارها لإثبات المقصود ، أو المراد التحاج أى الخصام ، أو الاستثناء منقطع ، أى لكن الذين ظلموا ، من تأكيد الشىء بضده ، أى إن كانت لكم حجة هى فهى الظلم ، والظلم لا يكون حجة ، فحجتهم غير ممكنة ، كقوله : @ وَلاَ عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ @@ فأخذ منه بعض قوله : @ وَلاَ عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَن نَزِيلَهُمْ يُلاَمُ بِنِسْيَانِ الأَحِبَّةِ وَالْوَطَنْ @@ فالمعنى المبالغة بأنه إن كانت الحجة فى نفى الحق فهى كلام المعاندي ، وكلامهم غير حجة ، فلا حجة فى نفى الحق ، وهو هنا استقبال الكعبة { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ } أى الظالمين ، وقيل : الناس عموما ، والأول أولى ، لاثخافرهم فى الجدال فى التولى إلى الكعبة فإنه يضمحل ، وضرره عائد عليهم ، وسمي خوفهم خشية مع أنه إن خوفهم المؤمنون لا إجلال فيها ، مشاكلة لقوله تعالى { وَاخْشُونِي } أى خافونى مع إجلال { وَلأُتِمَّ } لئلا يكون ولأتم { نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ } وفى ذلك عدم المناسبة إلا بتكليف ، وأيضاً إرادة الاهتداء علة تصلح للأمر بالتولية ، لا الفعل المأمور به ، والأولى أن يقدر ، وأمرتكم بالتولية للكعبة لأتم نعمتى ، لأنها نعمة عظيمة تورث فوزاً عظيما ، ونعيما مقيما ، أو اخشونى لأحفظكم من شرهم فى الدنيا ، ولأتم نعمتى عليكم فى الدنيا والآخرة بكونكم على الحق وبإدخال الجنة . وروى البخارى والترمذى أن تمام النعمة دخول الجنة ، وعن علىّ : الموت على الإسلام ، قلت : أو الهدى إلى معالم الدين والإقامة عليها إلى الموت ، والنعمة فى كل وقت ، وتمامها بما يليق به ، فلا يعارض بما جاء بعد من قوله تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم } [ المائدة : 103 ] { وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } قد مر ، ومن معانيه : ولتهتدوا .