Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 221-221)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلاَ تَنْكِحُواْ } لا تتزوجوا أيها المؤمنون { الْمُشْرِكَٰتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } ولو كتابيات ذميات ، جروا على تحريم الكتابيات الذميات كغيرهن ، ثم نزل نسخ تحريمهن بقوله تعالى : { وَالْمُحْصَنَٰتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَٰبَ } [ المائدة : 5 ] وبقيت الكتابيات المحاربات وسائر المشركات على التحريم ولو اقترنت الآيتان لقلت ، إن ذلك تخصيص للعموم ، كما شهر فى المذهب وعند الشافعية ، من أن ذلك من تخصيص العام ، ومن جواز تأخير دليل الخصوص فى العموم ، ولو كانت مقارنة بين العام والخاص ، ولك أن تقول ، لا نسخ ولا تخصيص ، بل المشركات فى الآية غير الكتابيات ، لأنه كثر فى القرآن مقابلة المشركات بالكتابيات ، كقوله تعالى : { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَٰبِ وَالْمُشْرِكِينَ } [ البينة : 1 ] ، ولو كان أهل الكتاب أيضاً مشركين لقوله سبحانه عما يشركون ، وأجاز بعض قومنا نكاح الحربيات الكتابيات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ، وليس بشىء ، ونص ابن عباس على المنع ، وهو الصحيح { وَلأَمَةُ } وزنه فعة بحذف اللام ، وأصله أهو بفتح الميم وإسكانها ، قولان ، احتار الأكثرون الفتح ، وتجمع على إماء بوزن فعال ، بكسر الفاء وهو الأكثر ، وعلى ءام بوزن أفح بفتح الهمزة وإسكان الفاء وكسر العين ، وأصله أفعل بفتح الهمزة وإسكان الفاء وضم العين ، وهكذا أ امو بفتح الهمزة الأولى وإسكان الثانية وضم الميم ، قلبت الثانية ألفاء وضمة الميم كسرة والواو ياء ، حذفت للتنوين بعدها ، وقلبت الواو ياء ، لئلا يختم اسم عربى معرب بواو ساكنة قبلها ضمة لازمة ، فيقال ءام ، جرا ورفعا وءاميا نصبا { مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ } حرة { وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } لجمالها ومالها وعزتها ونسبها ، فكيف الحرة المؤمنة ، ولا خير فى المشركة ، إلا أن المشاركة باعتبار الاعتقاد لا الوجود ، واسم التفضيل لا يخرج عن التفضيل مع وجود من ، والمشاركة هنا موجودة ، ففى كل من الأمة المسلمة والمشركة الحرة تمتع بالأنوثة ، وفى المشركة الحرية ، وفى الأمة الإيمان ، وكل ذلك حسن ، ففضل الله حسن الإيمان على حسن الحرية ، وخيرية الحرة المؤمنة على المشركة الحرة معلوم بالأولى ، ولا حاجة إلى أن الأمة مملوكة الله الشاملة للحرة ، ولا تعسف فى ذلك ، بل التعسف فى دعوى أن الأمة بمعنى مملوكة الله ، لأن هذا ولو كثر استعماله حقيقة أو مجازا ، ولكن فى مقام الوعظ ونحوه ، لا فى مقام الأحكام كما هنا . روى " عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث مرثدا الغنوى إلى مكة ، ليخرج منها ناسا من المسلمين سرا ، وكان يهوى امرأة فى الجاهلية ، اسمها عناق ، فأَتته ، فقالت له : ألا تخلو ؟ فقال ، ويحك ، إن الإسلام حال بينى وبينك وحرم الزنا ، فقالت : هل لك أن تتزوج بى ؟ فقال : نعم ، ولكن أرجع إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأستأمره ، فقالت : أبى تتبرم ، فصرخت عليه ، فعذبوه ، ثم خلوه ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل . ولا تنكحوا المشركات : كذا قيل " . والصحيح عندهم أن قصته هذه نزل فيها : { الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً } [ النور : 3 ] كما أخرجه أبو داود والترمذى والنسائى من حديث ابن عمر ، ولا مانع من نزول الآيتين فى القصة . ونزله قوله تعالى : ولأمة مؤمنة . الخ فى تزوج حذيفة بن اليمانى ، أو عبدالله ابن رواحة أمة بعد عتقها وعاب عليه بعض المؤمنين ، كانت لحذيفة وليدة اسمها خنساء ، فقال : يا خنساء ، ذكرت فى الملأ الأعلى على سوادك ودمامتك ، ثم أعتقها وتزوجها . وروى أنه غضب عبدالله بن رواحة على أمة سوداء ، فلطمها ، فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : وما هى يا عبدالله ؟ قال : تشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، وتصوم رمضان ، وتحسن الوضوء ، وتصلى ، فقال : هذه مؤمنة . قال عبدالله : فوالذى بعثك بالحق لأعتقنها ولأتزوجنها ، ففعل ، فطعن عليه ناس من المسلمين ، وقالوا : تنكح أمة ؟ وعرضوا عليه حرة مشركة ، فنزل قوله تعالى : { ولا تَنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم } قال صلى الله عليه وسلم : " لا تنكحوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ، ولا تنكحوهن على أموالهن فعسى أموالهن أن تطفيهن ، وانكحوهن على الدين ، فلأمة سوداء خرماء ذات دين أفضل " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تنكح المرأة لأربع ، لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " . وقال الإمامية من الروافض وبعض من الزيدية ، إن هذه الآية ناسخة لقوله تعالى : { وَالْمُحْصَنَٰتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَٰبَ مِن قَبْلِكُمْ } [ المائدة : 5 ] والصحيح أنه تخصيص من هذه الآية العامة ، بل وقع كثيراً فى القرآن التعبير بلفظ الشرك فى مقابلة أهل الكتاب مع أنهم مشركون أيضا { وَلاَ تُنْكِحُواْ الْمُشْرِكِينَ } لا تصيروهم ولو أهل كتاب أزواجا للمؤمنات { حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ } فكيف الحر المؤمن ، وهذا أولى من أن يقال أراد عبدالله حرًّا أو مملوكا كما مر ، والتنكير هنا وفى قوله ، ولأمة … الخ للعموم فى الإثبات ، كذا قيل ، قلت : لا إلا أن يراد العموم البدلى ، والتفضيل هنا على حد ما مر فى قوله تعالى { ولأمة مؤمنة … } الخ ، ولا يصح ما قيل فيهما أعظم في خيريتهما من المشرك والمشرك فى شريتهما { خَيْرٌ مِّنْ مُّشْرِكٍ } حر ولو كتابيا { وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ } لمرتبته فى المال والعز والنسب ونحو ذلك ، وعلل ذلك بقوله { أُوْلَئِكَ } إشارة إلى المشركات والمشركين ، لأن المراد بمشرك ومشركة العموم ، إما شموليا ، وإما بدليا ، والبدلى يجوز معه صيغ الجموع ، لأن ما صدقه العموم ، ولا تغليب فى أولئك ، لأنه وضع للذكور ، وللإناث ، ولهما معا { يَدْعُونَ } الواو تغليل للذكور { إِلَى النَّارِ } إلى الشرك وما دونه مما يوجب النار أو يدعون إليها بدعائهم إلى ذلك فلا تتزوجوا نساءهم ، ولا تزوجوهم نساءكم ، لأنهم أهل لأن تقصوهم لا أن تنفعوهم ولئلا تكسبوا منهم سوءا { وَاللهُ يَدْعُواْ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ } أى أولياءه من النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين والمؤمنات يدعون إلى الجنة والمغفرة بالدعاء إلى موجبهما ، أو يدعو إلى موجبهما ، وقدرنا أولياءه لتتم المقابلة ، لقوله تعالى ، أولئك ، مخلوق لمخلوق ولو لم يقدر لجاز ، وفى ذكر لفظ الجلالة نيابة عن ذكرهم إعظام لهم إذ جعل دعوتهم دعوة لله ، كما جعل محاربتهم محاربة لله ، فى قوله تعالى : يحاربون الله ، ويدل لمراعاتهم قوله { بِإِذْنِهِ } إذ لا معنى لقولك ، الله يدعو بإذن الله ، وأيضا مراعاتهم أنسب بقوله أولئك يدعون إلى النار ، ويصح ، الله يدعو بإذن الله ، بمعنى بقضائه وإرادته وتوفيقه ، وقدم الجنة لمقابلة النار قبلها ابتداء ، ولأنها نفس المراد الذى يتنافس فيه ، ولو كان تحلية ، والمغفرة تخلية مقدمة بالزمان ، وقدمت على الجنسة فى قوله ، سارعوا . … الخ مراعاة لحق تقديم التخلية على التحلية ، ولحق تقدم زمانها { وَيُبَيِّنُ ءَايَٰتِهِ لِلنَّاسِ } ينزلها بينة واضحة ، كقولك ، وسع فم البئر ، تريد ابتدعها واسعة الفم ، وأدر جيب القميص ، وذلك غالب ، وفى القرآن متشابه ومجمل ، وكل تفصيله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأردت بالإجمال مثل الصلاة والزكاة ، وقد يدخل فى البيان ، إذ لم يتشابه { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } فيعملون بمقتضى الآيات ، ويتعظون على المعاصى ، ويعرفون قبحها ، فينالون المغفرة والجنة ، والصحيح أن استعمال لعل فى ترجى المخاطب أو فى التعليل مجاز .