Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 222-222)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَيَسْئَلُونَكَ } كانت الأسئلة الثلاثة بالعطف لوقوعهن فى وقت واحد فى العرف ، وهو وقت السؤال عن الخمر والميسر ، وغير الثلاثة بلا عطف ، لوقوع كل فى وقت غير الآخر ، فكل واحد منقطع عما قبله بالوقت مستأنف { عَنِ الْمَحِيضِ } عن الحيض ، مصدر ميمى شذوذا ، والقياس محاض ، وقيل قياسا ، لوروده كالمجىء والمبيت ، أو زمان الحيض أو مكانه ، وهو الفرج ، قياساً ، أو نفس الدم ، وقيل ، إذا كان الفعل يائى العين كسر مفعل منه مكاناً أو زماناً ، وفتح مصدرا ، وقيل بجواز الفتح والكسر فى الثلاثة ، أو يسألونك عن ذوات المحيض ، أو عن الحائضات مجازا ، أو نفس ذلك الدم ، وما يفعلون معهن زمانه وفى الفرج { قُلْ هُوَ } أى الحيض الذى ذكره بلفظ المحيض ، أو بتقدير ذوات ، أو الحيض المعلوم من لفظ المحيض بالمعانى الأخرى { أَذًى } أو الدم المعبر عنه بالمحيض ذو أذى ، وذلك مضر لمن يقربه ، أو هو نفس الضر مبالغة ، أو الأذى الخبث ، شبه بما يؤذى لجامع الكراهية ، روى مسلم والترمذى عن أنس ، " أن اليهود وبعض المسلمين كانوا إذا حاضت المرأة عندهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها فى البيوت ، أى لم يساكنوها ، فسأل الصحابة ، أى أبو الدحداح ومن معه ، النبى صلى الله عليه وسلم ، فنزلت فقال صلى الله عليه وسلم ، افعلوا كل شىء إلا النكاح " ، وكذلك كانت الجاهلية والمجوس والمسلمون فى المدينة . قبل نزول الآية { فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِى الْمَحِيضِ } أى جماعهن فى زمان الحيض ، أو موضع الحيض ، وهو الفجر فقط ، لقوله صلى الله عليه وسلم : إنما أمرتم بعزل الفروج ، ويجوز بين السرة والركبة ، ويكره ما يدعو للفرج ، فقوله صلى الله عليه وسلم : يحل من الحائض ما فوق الإزار ، وقوله جامع زوجتك فوق الإزار ، وقوله لسائله ، لتشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها ، تحذير وسد للذريعة ، بدليل قوله : إنما أمرتم بعزل الفروج وبدليل الآية فإن المراد فيها النهى عن الجماع المعتاد ، فغير المعتاد مما لم يرد تحريمه جائز ، وهو جماعها فى غير القبل وغير الدبر فجاز ، ولو فى فمها ، ومنع بعض جماعها فى فمها قياسا على الدبر ، وبعض منع الإمناء فيه ، والتحقيق الجواز لأنه فوق الإزار ، وحرم بعض ما بين السرة والركبة للأحاديث ، وقد علمت أن المراد بها التحذير من مواقعة الفرج لا التحريم ، وجماع الحائض فى القبل يورث الجذام للولد ، كما فى الخبر ، { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ } للجماع ، وهو مؤكد لما قبله ، قد يحمل الإنسان مشقة عن لذة يسيرة فأمروا بالاعتزال أولا ، ونهوا عن القرب ثانيا ، فجمع بين الأمر والنهى تأكيدا ، والنهى عن القرب إلى الفعل أقوى من النهى عن الفعل ، وما يؤدى إلى الجماع فى الفرج قرب ، غير أن الشرع أجاز الوطء فى غير الفم ، وقد بان لك ألا تقربوهن ليس نفس اعتزلوا . . الخ فى المعنى ، فلذلك صح عطفه ، ولا سيما أنه قيد بقوله { حَتَّى يَطْهُرْنَ } إن لم يجعل قيدا لاعتزلوا . أى يطهرن بالقَصة البيضاء ، أو ببلوغ أقصى الوقت والانتظار ، ويتطهرن بالماء أو بالتيمم إن لم يجدن الماء ، أو استعماله ، إلا تعد عندنا القصة البيضاء ، وعند مالك التيبس ، فالمبتدئة عندنا تتم أقصى الحيض ، وهو عشرة أيام ، إن لم ترها ، وتنتظر للدم يومين ، ولغيره يوما وليلة ، وهكذا إلى ثلاث حيضات ، وبعدهن تأخذ بالتيبس إن رأته فى العشرة ، ومن يجيئها التيبس ثم بعد ذلك القصة أخذت بها وألغته ، ومن كانت تراها ثم كانت لا ترها ثلاث حيضات أخذت بالتيبس ، وإن رجعت إليها القصة رجعت إليها . { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } بالماء أو بالتيمم بعد الطهر ، أو خرج وقت الصلاة ولم يتطهرن تضييعا ، ويجوز تفسير يطهرن بيتطهرن بالماء ، وإنما ذلك فى الوقت وما يلتحق به وهو ضعيف { فَأْتُوهُنَّ } كناية عن الجماع ، وقال أبو حنيفة : يحل الجماع بانقطاع الدم لأكثر الحيض ، وإلا فلا بد من الاغتسال ، أو مضى وقت صلاة بعد الانقطاع ، والأمر هنا للإباسة { مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ } لا تأتوهن فى حال الحيض ، وهو القبل ، وفى الصوم والاعتكاف ، والإحرام منكم أو منهن ، وإن فعلت ذلك بغير إذن منه وفى غير واجب فله نقضه عنها بالجماع ، والأفضل اجتناب نقضه ، فإذا جاء فى القبل فأولى أن يجوز فى سائر الجسد غير الدبر ، وذلك أن الاعتزال عن الجماع كما بينه الحديث ، وبين جواز غير الفرج ، والمعروف الجائز قبل هو القبل بالتزويج أو بالتسرى ، فلا يجوز الدبر من المرأة ولا من الطفل إذ لا يكون زوجا لرجل أو لطفل آخر ، وجاء الحديث بتحريم الوطء فى الدبر والحيض واللواط { إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ } من الذنوب ، أى يثيبهم ، أو يمدحهم ، أو ينعم عليهم ، أو لا يعذبهم ونحو ذلك من لوازم الحب ، قال جابر بن عبدالله : جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : " يا رسول الله ، أصبت امرأتى وهى حائض ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتق نسمة " ، وقيمة النسمة حينئذ دينار ، قلت : وتمسكوا بهذا فجعلوا على المجامع فى الحيض دينارا ، ثم إنه سموه دينار الفراش ، وقيل ، إنه أمر بالنسمة ، فإن وجدت بأقل أجزت ، أو بأكثر وجب الأكثر ، وقالوا فى الدم الأصفر نصف دينار ، وقيل ، وقيل { وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } المتنزهين عن جماع الحائض والدبر ، وقدم التوبة لأنها تخلية ، وهى أحق ما تقدم ، وينبنى عليها التطهر وتستجلبه ، وتسلى التائب بأنه كالمتطهر لا لوم عليه ، ولئلا يقنط ، ولا يعجب من لم يذنب ، وكرر يحب تأكيدا ، إذ لو لم يتكرر لكفى الأول فى أن علة الحب التوبة والتطهر ، وصيغة الثواب والمتطهر إرشاد لتحصيل المبالغة فى التوبة والطهارة ، فلا ينافى أن التائب والطاهر محبوبان الله أيضا .