Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 247-248)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ } اسمه شاول بن قيس { مَلِكاً } كما طلبتم ، أن أبعث لكم ملكا ، وهذا القول مقدم نزولا ولو تأخر تلاوة ، وطالوت عبرانى ، ولو كان فعلوت من الطول بفتح العين لشدة طوله ، وأصله طولوت بفتح الواو قلبت ألفا لتحركها بعد فتح لصرف ، لانفراد العلمية ، ولا يصح أنه منع الصرف لشبه العجمة ، لأن رهبوتا ورغبوتا وحموتا وملكوتا ونحوهن يصرفن ، ولا يصح أنه معدول عن الطوال أو الطويل إذ لا يعرف العدل عن ذلك ، بل عن فاعل ، ولا تعسف فى أنه عبرى وافق العربية فى معنى الطول ، ممتنع للعجمة والعلمية كما صدرت به ، وقيل : عربى منع الصرف للعلمية وشبه العجمة ، إذ ليس ذلك من أوزان العربية الغالبة . كان جالوت ومن معه من العمالقة يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين وظهروا على بنى إسرائيل وأخذوا ديارهم وسبوا أولادهم ، وضربوا الجزية عليهم وأبو العمالقة عمليق بكسر العين أو عملاق بكسرها ، ابن لاود بن إرم بن سام ابن نوح ، ولما دعا الله نبيهم أن يجعل لهم ملكا أمره ملك أن يقلب إناء الدهن الذى فى بيته على رأس طالوت فيكون كالإكليل على رأسه على استواء ، فكان كذلك إمارة لما أخبروا من كونه ملكا أو أوحى إليه أنه إذا انتشى الدهن فى القرن لدخول رجل فهو ملك بنى إسرائيل ، فادهن رأسه به وملكه عليهم ، أو أتى بعصا طويلة من ساواها فهو الملك ، فساواها ولا ضعف فى ذلك ، لأن الله عز وجل أراد أن يبين الملك بالعلامة ليطمئنوا ، ولو كان قول النبى كافياً ، روى أنه ضل لطالوت دابة ، فخرج يطلبها وقال له غلامه ، ندخل على هذا النبى ، لعله يرشدنا ، فقال ، نعم ، فدخلا ، فكان ما ذكر من العصا والدهن ، ولا بأس بهما معا { قَالُواْ أَنَّىٰ } من أين { يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا } مع أنه فقير راع ، أو سقاء أو دباغ ، من أولاد بنيامين شقيق يوسف ، ولم تكن النبوة ولا الملك فى أولاد بنيامين ، والنبوة فى أولاد لاوى بن يعقوب ، والملك فى أولاد يهوذا { وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ } لأنا من أولاد لاوى وأولاد يهوذا وليس هو منهم ، لأن من كان من أهل النبوة ، ولو كان من غير بيت الملك ، أولى ممن ليس من أهل الملك ولا من أهل النبوة ، ولأنه ضيق المال كما قالوا { وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ } وسعنا منه ، فرد الله عليهم بأن المعتبر اصطفاء الله ، وقد اصطفاه كما قال { قَالَ } نبيهم { إِنَّ اللهَ اصْطَٰفَهُ عَلَيْكُمْ } والله يعلم الصالح ، وبأنه أعلم منكم جميعاً وأجمل ، والأعلم أمكن من معرفة أمور السياسة ، وبأنه أعظم جسما مع قوة قلبه بالْعلم ، فهو أليق بالحروب وأهيب للعدو كما قال { وَزَادَهُ بَسْطَةً فِى الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ } وكان القائم يمد يده ، فينال رأسه ، ويقال ، كان أطول من غيره برأسه ومنكبيه ، وبأن الله المعطى المانع ، وقد أعطاه الملك كما قال { وَاللهُ يُؤتِى مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ } وبأن الله واسع الفضل فقد يغنيه ، وبأنه العالم بمن يليق بالملك كما قال { وَاللهُ وَٰسِعٌ عَليمٌ } ولا يضر أنه فقير أو دنىء الرتبة عندكم ، ملاك الأمر اصطفاء الله ، وقد اصطفاة ، والعمدة وفور العلم ، والملك لله ، فله أن يعطى ملكه من يشاء ، وهو واسع الفضل يوسع على على الفقير فيغنيه ، وقدم البسطة فى العلم على البسطة فى الجمس لأن الفضائل النفسية أشرف من الفضائل الجسمية . يروى أنه لما مات موسى خلفه يوشع ، ثم خلفه كالب ، ثم خلفه حزقيل ، ثم إلياس ، ثم اليسع يحكمون بالتوراة ، ثم ظهرت عليهم أعداؤهم العمالقة ، وغلبوا على كثير وسبوا ، ولم يكن لهم نبى يدبر أمرهم ، وكان سبط النبوة قد هلكوا إلا امرأة حبلى ، فولدت غلاماً ، فسمته أشمويل ، سلمته للتوراة فى بيت المقدس ، وكفله شيخ من علمائهم ، ولما كبر نبأه الله ، وكان نائماً عند شيخه ، فناداه ملك ، فقال لشيخه ، ناديتنى ؟ فقال له : اذهب . ثم ، فكان ذلك مرة ثانية ، فقال له ، إن ناديتك مرة ثالثة فلا تجبنى ، وناداه الملك ، وقال له ، أنت نبى بنى إسرائيل ، فأخبرهم ، فقالوا : عجلت إن صدقت فابعث لنا ملكا ، فكان أمر طالوت وأشمويل هذا من نسل هارون عليهما السلام ، وكان أمرهم يقوم بملك يلى الجموع بنبى يرشده ، ولما ملك أشمويل طالوت قال له طالوت ، أما علمت أن سبطى أدنى أسباط بنى إسرائيل ؟ وكان من سبط بنيامين بن يعقوب ولم تكن فيهم نبوة ولا ملك ، وكان دباغا ، وقيل نساجا ، قال : بلى ، فقال أسمويل ، الله يؤتى ملكه من يشاء والله واسع عليم ، ولما طلبوا آية ملكه كما شهر ، وعليه الأكثر ، أو لم يطلبوا ، أنزل الله جوابا ، أو تقوية ما ذكره عن نبيهم فى قوله : { وَقَالَ لَهُم نَبِيُّهُمْ إِنَّ ءَايَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيكُمُ التَّابُوتُ } فعلوت من تاب بمعنى رجع ، فإنه إن غاب هو أو ما فيه رجع ، ويناسبه أيضاً أن يضع الواضع فيه شيئاً فيرجع إليه ، والأصل التَوْبُوت بفتح التاء ، وقلبت ألفا ، وهذا شأن كل صندوق ، والواو والتاء بعد زائدتين كرحموت وملكوت ، وقيل فاعول ، فالتاء أصل بعد الواو ، كالتى قبل ، وفيه قلة اتخاذ الفاء واللام كسلس وقلق ، وهو الصندوق الذى جعلت فيه موسى أمه ، وقيل : صندوق توضع فيه التوراة من شجر السرو ، أو شجر الصمغ مموه بالذهب ، من ثلاثة أذرع فى ذراعين ، وفيه صور الأنبياء كلهم ، أنزله الله على آدم من الجنة ، وتوارثه الأنبياء إلى أن وصل إلى موسى عليه السلام ، وفشا الزنا فى بنى إسرائيل حتى على قارعة الطريق ، فسلط الله عليهم العمالقة ، فأخذوه وجعل الله رده منهم علامة ملك طالوت ، وكان بنو إسرائيل يستفتحون به على عدوهم ، ويقدمونه فى القتال بين أيديهم ، ويطمئنون إليه كما قال { فِيهِ سَكِينَةٌ } طمأنينة لقلوبكم { مِن رَّبِّكُمْ } كان موسى يقدمه فلا يفرون ، وتسكن إليه نفوسهم ، وقيل السكينة صورة من زبرجد أو ياقوت ، لها رأس وذنب كرأس الهرة وذنبها ، وجناحان ، فنئن ، ويسير التابوت بسرعة نحو العدو ويتبعونه ، فإذا استقر سكنوا وثبتوا ونزل النصر ، أخرجه ابن جرير عن مجاهد ، قال الراغب ، ولا أراه صحيحا ، والتصوير كان حلالا للأمم ولو لما فيه روح وبرأس ، بل ولو لم يحل ، لأنه هذه من الله ، ففى التوراة لا تعلموا صوراً ولا تعبدوها ، ويقال : كانوا يسيرون بسيره ويقفون بوقوفه ، وإذا استمعوا صوته تيقنوا بالنصر ، أو التابوت القلب والسكينة ما فى القلب ، من العلم والإخلاص ، وإتيانه مصير القلب كذلك بعد أن لم يكن ، وهو ضعيف ، لأنه لا يلائم أنه آية ملك طالوت لخلفائه ، ويروى أنه إذا اختلف بنو إسرائيل تحاكموا إليه فيكلمهم بالحكم { وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ ، ءَالُ مُوسَى وَءَالُ هَٰرُونَ } عصا موسى تنثنى فيه ، ونعلاه وثيابه ، وعمامة هرون ، وما تكسر من ألواح التوراة حين ألقاها موسى ، وقفيز من المن الذى كان ينزل فى التيه ، وإلا لأن أبناءهما أو أنبياء بنى إسرائيل ، لأنهم أبناء عمهما ، أو ذكرا تعظيما ، والمراد نفس موسى وهرون { تَحْمِلُهُ الْمَلَٰئِكَةُ } بعد أن نزعته من ظهر البقرتين حين قربتا من الوصول ، وذلك أنه لما عصى بنو إسرائيل غلبهم جالوت وقومه من العمالقة وأخذوه وجعلوه فى موضع البول والغائط ، ولما أراد الله أن يملك طالوت سلط الله عليهم البلاء ، وابتلى كل من بال عليه بالبواسير وهلكت لهم خمس مدائن ، فعلموا أن ذلك بسبب التابوت ، فحملوه على ثورين فأقبل الثوران ، ووكل الله تعالى بهما أربعة من الملائكة حتى قربا من منزل طالوت حملوه إليه ، وقيل : ساقوهما حتى أتوا منزله فسمى السوق حملا ، ولما سألوه الآية قال لهم نبيهم : إنكم تجدون التابوت فى دار طالوت ، { إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لأَيَةً لَّكُمْ } على ملك طالوت تنتفعون بها { إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } وهذا من كلام نبيهم ، أو خطاب من الله لهم ، ولما رأوا التابوت أقروا بملكه ، وتسارعوا إلى الجهاد ، واختار من شبابهم سبعين ألفاً فارغين من الأشغال ناشطين ، وقال لهم لا يخرج معى من نبى بناء لم يتمه ، أو من شغل بالتجر ، أو من تزوج بامرأة ولم يبن بها ، وقيل : ثمانين ألفاً ، وقيل : مائة وعشرون ، ومنهم داود على كل الأقوال .