Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 249-249)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَلَمَّا فَصَلَ } انفصل { طَالُوتُ } عن البلد لقتال جالوت ، وهو لازم ، ومصدره فعول كرجع اللازم مصدره الرجوع ، أو متعد حذف مفعوله ، أى فصل نفسه ، كرجع المتعدى مصدره الرجع { بِالْجُنُودِ } فى شدة الحر ، وشكوا إلى طالوت قلة الماء بينهم وبين عدوهم ، وقالوا ، لا تحملنا الماء فادع الله أن يجرى لنا نهراً ، فدعا ، فأجابه الله ، وهو نبى فى قول ، أو على لسان أسمويل أو غيره على ما مر { قَالَ } بوحى من الله ، وهو نبى فى قول ، أو بإخبار ملك أو نبى له { إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } نهر فلسطين ، أو نهر بين فلسطين والأردن ، فجره الله فى ذلك الوقت ، يظهر به لهم المنافق والمخلص ، بفتح الفاء وكسرها ، وفتح اللام وإسكان السين ، وضم همزة أردن وداله وتشديد نونه ، موضع ذو رمل قريب من بيت المقدس ، ومن البحر الملح { فَمَن شَرِبَ مِنْهُ } من مائه ، فحذف المضاف ، أو استعمل النهر بمعنى ماء الموضع فلا حذف { فَلَيْسَ مِنِّى } ليس من أتباعى ، أو أشياعى ، أو ليس متصلا بى { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ } لا قليلا ولا كثيراً ، أى لم يذقه ، واستعمال الطعم فى الماء مجاز ، وقيل حقيق ، لأن معناه الذوق توسعاً ، وطعم الماء بمعنى ذاقه جائز ، ولا يجوز طعم الماء بمعنى شربه ، والقول بأن طالوت كان نبيًّا بعد أن كان ملكا بعيد مردود { فَإِنَّهُ مِنِّى إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ } واكتفى بها شربا فإنه منى أيضاً ، وهو استثناء من قوله ، فمن شرب منه فليس منى ، منقطع إن فسر الشرب بالكرع إلا فمتصل ، وهو بفتح الغين مصدر الوحدة يتضمن وحدة الغرفة بضمها ، وهو ما يغرف { فَشَرِبُوا مِنْهُ } فمنهم من يشرب ملء بطنه بفيه من النهر . ومنهم من يشرب بيده غرفةن ويقال ، أخذوا غرفة فكفتهم لهم ولدوابهم { إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ } لم يشربوا ولو غرفة ، كما قال ومن لم يطعمه فإنه منى ، وقيل ، شربوا ملء بطونهم إلا قليلا فشربوا غرفة ، ومن لم يذقه غير موجود ، ولو قاله طالوت قبل وصول النهر ، وإذا قلنا إلا قليلا هم من شربوا الغرفة فمن لم يذقه مفهوم بالأولى ، أى شربوا من النهر بأفواههم ، والقليل شربوا من غرفة أيديهم لا من النهر { فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ } من لم يذهق ومن اقتصر على الغرفة { قَالُواْ } قال من شرب ملء بطنه ، وقد عبروا النهر مع طالوت ورأوا جالوت وجنوده ، ورجعوا منهزمين كما قال الله عز وجل قالوا { لاَ طَاقَةَ لَنَا } للفشل بالشرب وللقلة ، قيل ، قالوا ذلك خذلانا { الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ } مائة ألف رجل ، شاكى السلاح ، وقيل ، إن الذين شربوا ملء بطونهم لم يعبروا النهر ، بل وقفوا بساحله ، وقالوا معتذرين عن التخلف ، منادين ، مسمعين لطالوت والذين معه لا طاقة الخ ، وقد شربوا كثيراً ، واسودت شفاههم وغلبهم العطش ولم يرووا ، وجبنوا ، أو المراد قال بعض لبعض ، وببعد أن يقولوا كل لكل ، وهو خلاف المعتاد ، وأما من اغترف غرفة ومن لم يذقه على قول وجوده فقلوبهم قوية ، وقوى إيمانهم ، وعبروا النهر سالمين { قَالَ } ردّاً على المتخلفين { الَّذِينَ يَظُنُّونَ } يوقنون ، ولك مؤمن موقن بالبعث ، ولكن المراد العمل بمقتضى الإتقان ، فمن لم يعمل فكأنه غير موقن ، كما يقال ، مات من علم أنه سيموت ، أى عمل بمقتضى علمه بالموت ، ومات من لم يعلم أنه يموت ، أى علم بالموت ولم يعمل بمقتضاه ، وهم جيمع من عبر النهر ولم يخالف { أَنَّهُمْ مُّلَٰقُوْا اللهِ } بالموت وبالبعث للجزاء ، أو يظنون ، أى يوقنون بالوحى إلى نبيهم ، أو بما شاء الله أنهم يموتون فى هذه الغزوة ، وهم بعض الذين لم يخالفوا ، لأنه لم يمت الذين لم يخالفوا كلهم ، ووجه استعمال الظن فى العلم الشبه { كَمْ مِّن فِئَةٍ } فرقة من فأوت رأسه شققته ، والفئة قطعة من الناس فحذف آخره ، وزنه فعة ، أو من فاء بمعنى رجع ، فحذف وسطه ، وونه فلة ، والفرقة يرجع إليهم ، ومن زائدة وفئة تمييز ، أو غير زائدة تتعلق بمحذوف نعت لكم { قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بإِذْنِ اللهِ } حكمه وتيسيره { وَاللهُ مَعَ الصَّٰبِرِينَ } بالنصر والثواب ، ولو غلبهم الكفار ، لأنهم المحقون والفائزون بالجنة ، أو مع الغلبة فى الدنيا فنصبر لنغلبهم فى القتال ، ولو قللنا وكثروا ، لاعتمادنا على الله وإعجابهم بكثرتهم ، ويجوز أن يكون من كلام الله عز وجل تصديقا لقولهم ، إن الغلبة بإذن الله لا بالكثرة .