Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 259-259)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَوْ كَالَّذَى } أو أرأيت مثل الذى ، والكاف اسم ، ولا تختص اسميتها عند القائل بها بدخول عن وحذف أرأيت لدلالة ألم تر ، والاستفهام للإنكار ، أى ما رأيت مثل الذى … الخ فتعجب منه ، أو للتقرير ، أى قد رأيته مثل الذى … الخ فتعجب منه ، لأنه مثل التعجب ، فالكاف مفعول به لرأيت محذوفا ، أو معطوفا على الذى كأنه قيل : وإلى كالذى مر ، إلا أن اسمية الكاف مختلف فيها ، ودخول الجار عليها ينبغى أن يخص بعن ، إذ هو الوارد ، وأو للتخيير مع صحة الجمع ، أو هى بمعنى الواو ، والكاف لكثرة من ينكر البعث ، أو يجهل كيفيته ، بحلاف مدعى الربوبية ، أو الكاف صلة ، أى : أو أرأيت الذى ، أو العطف على المعنى كما يقال له فى غير القرآن عطف توهم ، كأنه قيل : أم رترد كالذى حاج ، أو كالذى مر … الخ ولتقدم إبراهيم على الخضر وعزير لم يصح ما قيل من أنه عطف على إيت بها من المغرب ، أى فأت بها من المغرب ، أو أحى كإحياء الله الذى ، فيكون إبراهيم قد تعرض لإبطال قوله أحيى وأميت ، وكأنه قال : إن كنت تحيى فأحى مثل إحياء الله الذى { مَرَّ } هو عزير بن شرحيا ، أو الخضر ، أو إسحق بن بشر أو أرميا بن خلفيا من سبط هرون وقيل : أرميا هو الخضر ، وقيل المار شعيا ، وقيل غلام لوط ، أو كافر بالبعث { عَلَى قَرْيَةٍ } قرية بيت المقدس إذ خربه بخت نصر ، والقرية التى خرج منها الألوف حذر الموت ، ولا يلزم فى اسم القرية أن تكون صغيرة قليلة الناس ، ولا سيما أن الاشتقاق من القرآن وهو الجمع ، لاجتماع الناس فيها ، ولا حد للاجتماع ، وقيل : دير سابراياد ، وقيل دير هرقل ، وقيل : المؤتفكة وقيل : قرية العتب على فرسخين من بيت المقدس ، والأشهر الأول { وَهِىَ خَٰوِيَةٌ } على حذف مضاف ، أى حيطانها خاوية ، أى ساقطة { عَلَى عُرُوشِهَا } سقوفها الأوائل والثوانى ، وما فوق ذلك إن تعددت ، بأن يسقط السقف ، ثم ينهد الجدار عليه ، ولزم من ذلك أن أهلها غير موجودين فيها . إذ لا يكونون فيها مع ذلك ولا يتركونها بلا بناء لو لم يذهبوا عنها ، إما بالخروج أو بالموت ، أو ذلك كناية عن ذهاب أهلها ، سواء أسقطت أم لم تسقط ، لجواز ألا يوجد معنى ما وضع له اللفظ فى الكناية وعلى متعلق بخاوية كما رأيت ، ويجوز تعليقها بمحذوف ، أى خاوية عن أهلها ، ثابتة على عرشها لم تسقط ، فهو خبر ثان ، والجملة حال من ضمير مر { قَالَ أَنَّىٰ } كيف أو متى { يُحْيِى هَذِهِ } أى القرية ، أى أهلها ، أو سمى أهلها بلفظ هذه ، أو إحياؤها مجاز عن عمارتها بإحياء أهلها ، أو الإشارة إلى العظام البالية { اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا } موت أهلها ، أو بعد خرابها ، سماه موتاً مجازاً ، وذلك استعظام من القائل لقدرة الله ، إن كان مسلماً كالخضر وعزير ، واستبعاد وإنكار إلى إن كان كافرا ، أو استبعاد ولو كان مسلما عن طريق العادة ، كقوله تعالى : { قالت أنى يكون لى ولد } [ آل عمران : 47 ] ، { قال رب أنى يكون لى غلام } [ آل عمران 40 ] ، أو تعجبا أو استفهاما حقيقيا عن الكيفية كقول الخليل عليه السلام ، رب أرنى كيف تحيى الموتى { فَأَمَاتَهُ اللهُ مِاْئَةَ عَامٍ } أى ألبته الله مائة عام ميتاً ، وذلك يستلزم وقوع الموت قبل الإثبات ، وهو لا يكون إلا دفعة ، أو يقدر ، فأماته الله وألبثه مائة عام أو ولبث مائة عام ، ووجه السببية أن الاستفهام أو التعجب أو الإنكار سبب لإرادة القدرة على البعث ، وسمى الحول عاماً لأنه قعود الشمس فيه للبروج كلها { ثُمَّ بَعَثَهُ } ليريه الإحياء مع كيفيته من بعث الناقة من مكانها ، تمثيلا للسرعة مع أنه أخرجه تام العقل والفهم كهيئته يوم مات { قَالَ } الله بواسطة هاتف من السماء أو جبريل ، أو رجل مؤمن شاهده يوم مات ، وعمره الله إلى حين إحيائه { كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } تام أول النهار ، أو ضحى ، فقبض ، وأحيى عند الغروب بعد مائة عام ، وأو للشك ، أو بمعنى ، بل ظن أنه بعث بعد اليوم الذى نام فيه ، أو بعد فجره ليصح حزمه بتمام اليوم ، وإلا لم يصح جزمه مع نقصان ما قبل الضحى منه ، إلا إن لم يعده لقلته ، وقال بعض ، يوم شكا أو إضراباً ، إذ رأى بقية الشمس { قَالَ بَلْ لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ } لا يوماً ولا بعض يوم ، فالعطف على محذوف ، أى ما لبثت ذلك ، بل لبثت مائة عام { فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ } تيناً أو عنباً { وَشَرَابِكَ } عصيراً أو لبناً { لَمْ يَتَسَنَّهْ } عائد إلى الأول ، ويقدر مثله للثانى ، أو يعكس ، أو لم يتسنه ما ذكر ، أو اعتبر شيئاً واحداً ، لافترانهما كما مر فى جعل المن والسلوى طعاماً واحداً ، والهاء للسكت ، والفعل يتسنن بتشديد النون الأولى ، قلبت الثالثة ألفا لكراهة الأمثال ، كتقضَّى فى تقضيض وتظنى فى تظنن ، وحذفت للجازم ، والهاء للسكت ، أو من السنة على أن لامه هاء ، فلهاء أصل ، أى لم تمض عليه سنة أو سنون ، أى لم يتصف بما يتصف به ما مرت عليه سنة أو سنون من التغيير . والتسنه عبارة عن مضى السنين ، بالغ الإسرائيليون فى الفساد ، فسلط الله عليهم بخت نصر ، بضم الباء والنون وفتح الصاد مشددة ، وبخت بمعنى عطية أو بان ونصر صنم ، وجد عند الصنم ولم يعرف له أب ، فنسب إليه ، جاءهم من بابل بستمائة ألف راية ، فخرب بيت المقدس ، فقتل ثلثهم وأقر ثلثهم إلى الشام ، وسبى ثلثا ، وهو مائة ألف ، فقسمه بين الملوك الذين معه ، فأصاب كل ملك أربعة ، وكان عاملا لكهراسف على بابل ، وكان عزير ممن سباه ، ولما تخلص من السبى ورم على القرية ، وكان من أهلها ، راكبا على حمار دخلها وطاف بها ، فلم يجد أحداً ، وغالب أشجارها حامل ، فأكل وقطف فى سلة ، وعصر فى زق وربط حماره ، وألقى الله عليه النوم ، وأماته فى نومه ، وأمات حماره ، وحفظ الله تينه وعصيره ، أو لبنه ولحمه والأشجار عن الخلق ، ومضت سبعون سنة ، فسار ملك عظيم من ملوك فارس ، اسمه كوسك ، بإرسال الله ملكا من الملائكة ، يقول له ، إن الله تعالى يأمرك أن تنفر بقومك ، فتعمر بيت المقدس وإيليا وأرضها حتى تعود أحسن مما كانت ، فانتدب بثلاثة آلاف قهرمان مع كل قهرمان عامل فعمر بيت المقدس أحسن ما كان ورد الله بنى إسرائيل ، وعمروه ثلاثين سنة كأحسن ما كان ، وكثروا . وقد مات بخت نصر ببعوضة دخلت دماغه ، فأحيا الله منه عينيه ، ثم شيئاً فشيئاً منه ، وهو ينظر ونظر إلى طعامه وشرابه عنده لم يتسنه مع سرعة التغير إلى الطعام غالبا ، ثم نظر إلى حماره عظاما متفرقة تلوح ، فاجتمعت هى ثم أجزاؤه إليها فأحيا بمشاهدته فقام بنهق كما قال { وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ } فنظر إليه عظاما وأجزاءه متفرقة ، فعلنا ذلك لتعلم كيف نحيى الموتى ، وتمام قدرتنا على إحيائها والأزمة فى الإحياء سواء { وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لّلنَّاسِ } دالة على البعث ، أو وفعلنا ذلك لنجعلك وأحوالك وأحوال حمارك آية للناس ، أو لنجعلك وما معك آية للناس ، فعلنا ذلك . وسماها ، أعنى أجزاء الحمار حماراً باعتبار ما كان أو ما يكون { وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ } عظام الحمار ، وقبل عظام الحمار وعظام القوم ، لا عظام الحمار فقظ كما قيل ، وقيل : عظام نفسه ، بأن خلق الله الحياة فى قلبه وعينيه وردهما فشاهد جسده عظاما بالية ، وشاهد إحياءه ، وإنما قلت ، أحيا قلبه ، لأن العين بلا قلب لا تحس ، لكن إن شاء الله أحست ، وكرر الأمر بالنظر لأن الأول ليرى أثر المكث الطويل والثانى ليشاهد الإحياء { كَيْفَ نُنْشِزُهَا } فبعثها حية ، فالعظم حى يؤثر فيه الموت ، كقوله تعالى : قل يحييها ، أى من موت ، وذلك مذهبنا ومذهب الشافعى ، أو نركب بعضاً على بعض ، وانظر إلى حمارك سالما محفوظا كطعامك بلا علف ولا ماء ، وانظر إلى عظام الآدميين الموتى الذين تعجبت من إحيائهم ، والحمار على هذا حقيق ، ورجحوا لأول لمناسبته أمر البعث وقد يرجع الثانى لأنه سماه حماراً ، أو لم يسمه عظاماً ، وفصل بينه وبين قوله ، وانظر إلى العظام بقوله : ولنجعلك آية للناس { ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً } فنظر إلى عظام الحمار أو الموتى تنتشر وتكسى لحما ، روى أنه نادى ملك ، أيتها العظام البالية إن الله يأمرك أن تجتمعى ، فاجتمع كل جزء من أجزائها التى ذهب بها الطير والسباع والرياح ، فانضم بعضها إلى بعض ، والأعصاب والعروق ، واتصل كل بمحله ، وانبسط عليه اللحمن ثم الجلد ثم الشعر ، ونفخ فيه الروح ، وقام رافعاً رأسه وأذنيه ينهق ، وروى أنه أقبل ملك يمشى وأخذ بمنخر الحمار فنفخ فيه الروح فقام حيا { فلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ } أن الإحياء أو شأن الإحياء ، وهو أى قدر الله المدلول عليه بقوله { قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } لا على التنازع ، لأن قوله ، إن الله على كل شىء قدير مع أَعلم قبله لفظ مفرد بالحكاية ، أحاط به القول ولا يشاركه غيره فيه ، ولو كان فى الأصل جملتين فإن الله . … الخ جزء اسم ، وأما أن يشترط للتنازع الارتباط بعطف فلا أقول به ، ولو قال به ابن عصفور ، وهو باز من بيزان الفن ، كما قالوا بالتنازع فى قوله تعالى ، { هاؤم اقرءوا كتابيه } [ الحاقة : 19 ] ، والمراد ، أعلم علم مشاهدة ومعاينة بعد العلم بالبرهان ، أو المراد بأعلم العلم الاستمرارى السابق والمتأخر والحاضر ، وأتى قومه على ذلك الحمار ، وقال ، أنا عزير فكذبوه ، فقرأ التوراة من رأسه ، ولم يحفظها أحد قبله ، فعرفوه بذلك ، وقالوا ، هو ابن الله ، ويروى أنه رجع إلى بيته شابا وأولاد أولاده شيوخ فإذا حدثهم قالوا حديث مائة سنة فكذبوه ، فقال ، هاتوا التوراة ، فقرأها من رأسه وهم ينظرون فى الكتاب ، ولم يزد حرفا ولم ينقص ، وكان قبل بخت نصر ببيت المقدس ممن قرأ التوراة أربعون ألف رجل . ولما رجع عزير وجدهم جاهلين بالتوراة فاقدين نسختها ، فقرأها عن ظهر الغيب ، فقال رجل من أولاد المسلمين ممن ورد بيت المقدس بعد هلاك بخت نصر ، حدثنى أبى عن جدى لكم ، فذهبوا به إلى كرم جده ، ففتشوا فوجدوها ، فعرضوها على قراته فما خالف خوفا ، وروى أنه حين اسود الرأس واللحية إذ هو ابن أربعين سنة حين أماته الله ، وأنكر الناس وأنكروه ، وأتى محلته وأنكر المنازل ، ووجد فى محلته عجوزا قد أدركت زمن عزير ، فقال لها عزير : يا هذه ، هذا منزل عزير ، قالت : نعم وأين عزير ، فقدناه منذ كذا ، وبكت شديدا ، قال : فإنى عزير ، قالت سبحان الله ، كيف ذلك ، قال : أماتنى الله مائة عام ثم بعثنى . قالت : إن عزيرا محاب الدعاء ، فادع الله يرد علىَّ بصرى حتى أراك ، فدعا الله ، ومسح بين عينيها فأبصرتا ، وأخذ بيدها ، فقال ، قومى بإذن الله ، فقامت صحيحة ، فنظرت إليه فقالت ، أشهد أنك عزير ، وانطلقت به إلى محلة بنى إسرائيل ، وكان فيهم ابن لعزير بلغ مائة سنة وثمانى عشرة ، وبنو بنيه شيوخ ، فنادت ، هذا عزيز قد جاءكم ، فكذبوها ، فقالت ، انظروا ، إنى بدعائه رجعت إلى هذه الحالة ، فنهض الناس إليه ، فقال ابنه ، لقد كان لأبى شامة سوداء بين كتفيه ، فنظروا فإذا هو كذلك .