Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 260-260)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذْ } ظرف زمان متعلق بقال من قوله قال أو لم تؤمن ، أو مفعول به لا ذكر كما قال الله جل وعلا ، واذكروا إذ جعلكم خلفاء ، والأمر بذكر الوقت أمر بذكر ما فيه { قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْيىِ الْمَوْتَى } قيل ، سأل ذلك لأن الله عز وجل قال ، إنى اتخذتك خليلا ، وأجيب دعوتك ، وتحيى الموتى بإذنى ، والأولى أنه مر على حمار أو حوت أو رجل ميت بساحل بحر طبرية ، إذا مد أكل منه الحوت ، أو جزر أكل منه السباع والطير ، وقد قال نمروذ له ، إذ قال ربى الذى يحيى ميتا ويميت حيا ، هل عاينته بفعل ذلك ، فسأل الله ، أن يريه كيف يحيى الموتى من بطون الحوت والسباع والطير ، ومن أرواثها ليزداد يقينا ، فيصير له عين اليقين بعد علم اليقين ، لأن البيان أقوى من الإخبار ، وليقول ، نعم ، عاينت إذا قيل لهم ، هل عاينت ، وكيف مفعول مطلق لتحيى ، والجملة مفعول ثان لأرى من الإرادة البصرية ، علقها الاستفهام عن الثانى ، فإن الرؤية البصرية تعلق كالعلمية عندى ، تقول ، رأى عمرو بعينه كيف أفعل ، ونظر بعينه كيف فعلت { قَالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ } بقدرتى على إحياء الموتى ، أى ألم تعلم ، ولم تؤمن { قَالَ بَلَى } آمنت ، سأله ليجيب بقوله بلى { وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ } سألتك ليطمئن { قَلْبِى } بالمعاينة فيعلم السامع للقصة أن إبراهيم غير شاك ، وقد اطمأن قلبه بالدلائل والوحى ، لكن أراد اطمئنانا آخر مضموما إلى اطمئنان الدلائل والوحى ، أو اطمئنانا عن الاضطراب الحاصل من التشوف إلى رؤية الكيفية والإيمان ، يزداد بزيادة الأدلة ، وينقص بالكسل والإعراض وكأنه قال ليذهب قلبى إلى المشاهدة بها { قَالَ فَخُذْ } إذا أردت ذلك فخذ ، ويجوز تقدير أن على التجوز ، أو عطف أمر على إخبار ، أى قبلت سؤالك فخذ { أَرْبَعَةً مِّنَ الْطَّيْرِ } أو يقدر ، إن تصممت على ذلك فخذ أربعة أفراد من الطيرن وهو اسم جمع عند سيبويه ، ويدل له أنه ينسب إليه . لا لمفرد وجمع عند الأخفش ، كتاجر وتجر ، ومخفف طير بالشد مسمى به جماعة ، أو مصدر سميت به ، وخص الطير لأنه كالإنسان يمشى على رجلين كالإنسان ، ورأسه مدور كالإنسان ، ولقوة إدراك بعضها ، حتى إنها تعلم فتتعلم ، والببغاء والدرة تتكلمان بلا تعليم وتتعلمان ما علمتا ، ولأنه يطلب المعاش والمسكن ، ولجمعه ما فى الحيوان وزيادة الطيران ، ولأنه همة إبراهيم عليه السلام القصد إلى جهة العلو ، والطير تعلو للسماء ، وللمنسابة خصها فى قوله صلى الله عليه وسلم : " لو توكلتم على الله حق توكله لرزقتم كما ترزق الطيور ، تغدو خماصا وتروح بطانا " ، فقيل أمر أن يأخذ طاووسا وديكا وغرابا وحمامة أو نسرا بدل الحمامة ، كما أخرجه ابن أبى حاتم عن ابن عباس . لكن ذكر بدل الغراب الغرنوق ، أو اختار الأجناس هو لصفاتها ، ففى الطاووس زوج ، وفى الديك شدة حب الجماع ، وفى الغراب الحرص ، وفى الحمامة الأنس ، وهن صفات الإنسان ، وقيل الديك والغراب والطاووس لخيانتهن ، فالطاووس خان آدم ، والبط قطع شجرة اليقطين عن يونس ، والديك خان إلياس ، لأنه سرق ثوبه ، والغراب خان نوحا ، لأنه اشتغل بالميتة حين أرسل لينظر موضعا لا ماء فيه { فَصُرْهُنَّ } أملهن { إِلَيْكَ } أمره بإمالتهن إليه ليحقق أوصافهن قبل أن تفرق أجزاؤهن لما بعد اجتماعها فيراها كحالها الأول ليست آخر مثلها ، ولا خالف جزء موضعا له ، وفى الآية عمل العامل فى ضميرين لمسمى واحد ، مع أنه من غير باب علم وظن وعدم وفقد ورأى الحلمية ، وهو مقيس إذا كان أحدهما بحرف ، لا كما توهم بعض ، فضمير صر وإليك لواحد ، ومنه قوله تعالى ، يجره إليه ، وقوله تعالى : وهزى إليك ، وقوله تعالى : وتوبى إليك ، وقوله تعالى : واضمم إليك ، وقوله تعالى : فسيحشرهم إليه ، وقوله : يخصفان عليهما ، وقوله ، يهديهم الله . إذا قلنا هاء إليه ، كما هو المتبادر عائدة إلى الله ، وقوله تعالى : ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا ، إذا قلنا وجد هنا بمعنى لقى وصادف ، فيكون له مفعول واحد ، وهو المتبادر هنا ، ومن ذلك قوله تعالى : وآتانى منه رحمة ورزقنى منه { ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً } ولا يتصور إلا بالقطع ، فالقطع مفعوم التزاما ، أو صر بمعنى اقطع ، وعليه فإليك يتعلق بخذ ، أو يقدر صرهن واضممهن إليك ، وصر اقطع ، وإنما قطعهن بعد الذبح وذلك لئلا يعذبن ، ولئلا يتناول الميتة ، ويقال قطعهن ، وخلط لحومهن وريشهن ودماءهن وسائر أجزائهن . والأجزاء أربعة فالجبال أربعة ، وقيل الأجزاء سبعة فالجبال سبعة ، أو الأجزاء عشرة والجبال عشرة ، ولم يشترط تساوى الأجزاء ، واختار بعض التساوى ، أو على كل جبل من جبال أرضك ولو كثرت { ثُمَّ ادْعُهُنَّ } قل : تعالين بإذن الله إليك { يَأْتِينَكَ سَعْياً } على أرجلهن لا طائرات ، ليتحقق أن أرجلهن سوالم ، ثم يطرن فيتحقق أنه لم يبطل طيرانهن ، أو سعياً فى الهواء بالطيران ، وقيل أمسك رءوسهن عنده بأمر الله فأتت أجزاء كل طائر إلى رأسه بعد اجتماعها ، وذكر القرطبى ، أنه لما اجتمع أجزاء كل طائر فى جملة أعاد النداء فجاءت إلى الرؤوس ، فيقرب رأس طائر إلى غيره فيتباعد حتى يقرب إليه رأسه ، وعن الحسن أنه عليه السلام نادى : أيتها العظام المتفرقة واللحوم المتمزقة والعروق المنقطعة اجتمعن برد الله فيكن أرواحكن وعن مجاهد ، دعاهن باسم إله إبراهيم ، وذلك الدعاء تكرير من الله لحياتهن ، وقيل : التقدير : فقطعهن ثم اجعل على كل جبل من كل واحد منهن جزءا أحيهن فإذا أحييتهن فادعهن . وهذا تكلف . وسعيا مفعول مطلق ليأتينك لأن المراد إتيان سعى ، أو لحال محذوف ، أى ساعيات سعيا ، أو يقدر ذوات سعى أو مبالغة { وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } لا يعجزه شىء ولا يعبث .