Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 37-39)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ولَقَد مننَّا عليْكَ مرةً أخْرى } غير هذه المرة قبل ان تدعونى ، وكيف لا أجيبك فى هذه المرة ، وقد دعوتنى ، وذكر المرة الأخرى فى قوله : { إِذ أوْحَينا إلى أمك ما يُوحَى } الخ وأصل المرة المرور الوحد ، ثم أطلق على كل فعلة واحدة ، ثم شاع فى كل فرد مما له أفراد ، واستعمل فى الزمان ، والمراد هنا الزمان الممتد قدر ما يقع فيه خارجا ما ذكر الله عز وجل من الإيحاء الى أم موسى الخ ، وأخرى مؤنث آخر بفتح الخاء ، بمعنى مغاير ، وإذ متعلق بمننا بلا واسطة إبدال من مرة ، أو بواسطته ، والإيحاء الى أم موسى إلهام عند الجمهور كقوله عز وجل : { وأوحى ربك إلى النحل } [ النحل : 68 ] ولا يرده قوله تعالى : { إنا رادُّوه إليك } [ القصص : 7 ] الخ إذ لا نسلم أن الإخبار بالرد ، ويجعله من المرسلين مختص بالوحى ، لجواز أن يكون إلهاماً مع مشاهدتها منه ما يدل عل الرد ، والجعل كما سمى عبد المطلب ابن ابنه محمداً صلى الله عليه وسلم ، وقال : رجوت له أن يحمد فى السماء والأرض ، لما رأيت فيه من تعاطى خصال الشرف . ويمكن أن يكون بعث الله إليها ملكاً كما أرسله الى مريم عليها السلام ، لا على طريق الوحى بالشرع الى الأنبياء ، بلا إشكال لأن الوحى تارة وحتى شرع الى الأنبياء ، وتارة غيرة ، وقيل الوحى فى الآية الإرادة فى النوم ، وقيل وحى على لسان نبى فى زمانها وهو شعيب ، لو كان فى مدين لا فى الشام ، كقوله تعالى : { وإذ أوحيت إلى الحواريين } [ المائدة : 111 ] فإنه وحى إلى عيسى عليه السلام ، واسمها يحانذ أو محيانة بنت يصهر ابن لاوى ، أو بارخا أو بازخت ، المراد بما يوحى القذف فى اليم ، أو ما ينبغى أن يوحى ، ولا يهمل كما يقال هذا مما يكتب ، أو أوحينا ما لا يعلم إلا بالوحى ، والأول أولى . لكن لو كان كذلك لقال : ما أوحينا كما قال : { فأوحى إلى عبده ما أوحى } [ النجم : 10 ] وكما قال : { فغشيهم من اليم ما غشيهم } [ طه : 78 ] وعلى هذا يكون المعنى الثانى أولى ، ولو كان الأول أنسب بالمعانى السابقة المرادة بالإيحاء ، إذ بالوحى إليها إجمالا فتتهيأ نفسه الى الاستعداد لفهمه ، ثم فصله تفصيلا يجد أنفساً متهيئة فيقر فيها ، وفسر الوحى بقوله : { أن اقْذِفيه } ضعيه بلين { فى التَّابوت } فرشاً فرشته بقطن محلوج ، أو نطع وكان من خشب ، أو برد صنعه مؤمن آل فرعون ، وقصصته وقيرته { فاقذفيه } أى ضعى التابوت وفيه موسى بلين { فى اليمّ } البحر ولا داعى الى جعل هذا القذف الثانى قذفا بعنف ، ويجوز أن يكون القذفان بعنف على معنى العجلة فيهما ، واليم البحر مطلقاً ، وقيل العذب ، وقيل النيل خاصة ، وهو مردود ، ولا يجمع لفظ اليم . { فلْيُلقِه اليمُّ بالسَّاحل } جانب البحر ، أو ما يقابل الوسط ، وهو ما يلى الجانب من البحر ، حيث يجرى الماء الى نهر فرعون ، وعلى كل هو بمعنى الذى يسحله الماء آى يقشره ، فهو فاعل بمعنى مفعول أو للنسب أى ذى سحل ، لكن هذا السحل واقع عليه لا صادر منه ، فهو راجع الى معنى مفعول ، ويجوز أن يكون بمعنى فاعل على معنى يفرق الماء ، أو على معنى ينهق تشبيها لصوت الماء عليه بسحيل الحمار ، أى نهيقه ، واختير صيغة الأمر مع أن المراد الإخبار للمبالغة ، كقوله صلى الله عليه وسلم : " قوموا فالأصل لكم " وقد اعتبر معنى الأمر حتى جزم فى جوابه ، وهو قوله عز وجل : { يأخُذه عدوّ لى وعدوّ له } أو لما قضى الله عز وجل أن يلقيه اليم ، كان قضاؤه كأمر للبحر ، جعل البحر كالمتميز الممتثل للأمر ، تشبيهاً مصغراً مرموزاً إليه باللازم ، وهو الأمر فإن المميز لا يؤمر ، فإثبات الأمر تخييل ، وهاءات اقذفيه الى قوله : { وعدو له } لموسى ، ولو صلح ما قبل عدو له للتابوت ، لأن المقصود بالذات موسى ، وعليه الكلام ، وفى ذلك عدم تفكيك الضمائر ، وهو أولى ، وقيل عائدات للتابوت إلا هاء { عدو له } . وقال بعض : إن هاء يأخذه لموسى أيضا ، وفيه أنه لا فرق بينها وبين سائر الهاءات سوى قرنه بعداوة ، كالذى قبله ، ولا يتعين عود الضمير للأقرب إذ ترجح عوده لغيره لحكمة ، ككون المراد بالذات موسى ، وأعاد العدو للمبالغة بذكر عداوتين ، إذ لم يقل عدو لى وله ، ولو قاله لصح ، وليس فيه الجمع بين الحقيقة والمجاز ، فضلا عن أن يخرج على عموم المجاز ، لأن فرعون عدو لله حين الأخذ ، وعدو لموسى أيضا إذ كان يبغض الأولاد لما علم أن ملكه يزول على يد ولد ، فلا حاجة الى ما قيل إنه عدو لله فى الحين ولموسى فى ما بعد . { وألْقيتُ علَيْك محبةً منِّى } نعت محبة ، أو متعلق بألقيت ، ولا يمنعه عمل عامل فى ضميرين لواحد ، لأن أحدهما بجار ، والمراد محبة عظيمة ، ما بالك بشىء هو من الله بإخباره أنه من الله عز وجل ، كل من رآه أحبه ، ولا يصبر عنه كحال عينيه ، ومسحة جمال عليه فى جميع أعضائه ، وقيل ذلك الحب حب الله إياه ألقاه فى القلوب إنعاماً عليه ، لا على طريق الثواب ، لأنه وليد لا عمل له إذا أحب الله عبداً ألقى حبه فى القلوب ، ولعله لما سيعمل رأى التابوت هو وزوجه من موضع مشرف على النيل ، على رأس بركة فى بستان فى الساحل ، فأمر به ففتح فإذا صبى أصبح الناس وجهاً . وقيل إن التابوت جاء الى المشرعة التى تستقى منها جوارى فرعون ، فحطن به يحسبنه مالاً ، وطلبت أن يتخذه ولداً ، وقد أخذ جماله بمجامع قلبها وقلبه ، وقالت : إنه قرة عين لى ولك ، فقال لها : لك ولا حاجة لى فيه ، وقد أخذ حبه بقلبه إذ رآه إلا أنه كتم ذلك ، قال صلى الله عليه وسلم : " لو قال مثلها لهداه الله به كما هداها به " كما روى عن ابن عباس وفى حضرته حين رآه أربعمائة غلام وجارية ، وقال من أخذه فهو حر ، فأخذه واحد وأعتق الكل . { ولتُصْنع على عَيْنى } عطف على المحذوف المتعلق بألقيت ، أى وألقيت عليك المحبة لتكون محبوباً عند كسل من رأك ، ولتصنع على عينى ، أو ليتعطف عليك ، ولتصنع على عينى أو متعلق بالمحذوف المعطوف على ألقيت أى فعلت ذلك الإلقاء لتصنع ، ومعنى تصنع تكرم ، أو تفعل بك الصنيعة ، وهى الإحسان ، وهو أن يربى بالحنو والشفقة والإرضاع الحسن ، وعلى عينى حال من ضمير تصنع ، ومعناه بمرأى منى ، وذلك على الاستعارة التمثيلية للحفظ والصون ، فإن المصون يراعى ويراقب ، كما يراقب الشىء بالعين ، ويحضر عنده إذا اعتنى به ، وهذا إكرام وتخصيص . وليس المراد مطلق كونه بالله فضلا عن أن يرد أن كل أحد كذلك ، بل لو أريد هذا لقيل إنه خصت هذه العبارة بموسى ، ولو كان معناها لغيره أيضا تشريفاً ، كما خص الكعبة ببيت الله ، وكل بيت لله تعالى .