Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 43-46)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ اذْهَبَا إلى فرعون إنه طغى * فقولاً له قولا ليناً لعله يتذكر أو يخشى } وقيل لا تغليب ، بل حضرا معاً بأن أوحى الى هارون بمصر أن يتلقى موسى عليهما السلام ، أو ألهم تلقيه ، أوسمع بإقباله فتلقاه فى الطور أو دونه مما يلى مصر ، أو تلقاه عل مرحلة ، أو اجتمعا بمصر ، وكرر الأمر بالذهاب تأكيداً ، وزاد فى الثانى أن الذهاب الى فرعون للبيان ، أو الأول ذهاب الى من يؤمر وينهى عموما ، والثانى الى فرعون أو الأول لم يبلغ هارون ولما اجتمعا أبلغه بخطاب مجدد ، وفيه أنه بقى قوله : { ولا تنيا } [ طه : 42 ] فمن قبل أو بعد ، فأشكل الأمر ، ويبعد ما قيل إن الأول على الانفراد فى الذهاب ، والثانى على الاجتماع نصاً أو احتمالاً ، وفيه أن الأول ظاهر فى الانفرد ، والثانى لا نص فيه على الاجتماع والاحتمال فى مثل هذا ، غير توجيه ، فقد يكون ذلك كله قبل الاجتماع ، وقد يكون بعده إلا الأول ، فقبله لا بعده . والقول اللين شأن الدعاء الى الحق ليذعن إليه ، ولا سيما الطغاة والقول اللين : { إنَّا رسولا ربك } [ طه : 47 ] و { هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى } [ النازعات : 18 - 19 ] وهذا فى صورة العرض يقولان ذلك بلا انتهار ولا مواجهة بسوء ، وهذا هو الصحيح ، وعن على وابن عباس وسفيان الثورى : القول اللين الكنية قبل الدعاء ، أو فى خلاله ، وبقول الثلاثة هؤلاء يستدل على جواز تكنية المشرك ، ويناسبه لفظ أبى لهب فى قول ، ولفرعون أربع كنى : أبو الوليد ، وأبو مصعب ، وأبو العباس ، وأبو مرة ، أو القول اللين : إن آمنت بقيت شابا ملكا لذيذ المطعم والمشرب والمنكح ، الى الموت أو إن لك رباً ومعاداً الى جنة إن آمنت ، وكاد يؤمن ، وأعجبه ذلك ، وانتظر هامان وكان غائبا ، ولا يقطع أمراً دونه ، فقال له : كنت أظن أن لك عقلا ورأيا أنت رب تزيد أن تكون مربوبا ، وأنت تُعبَد تريد أن تَعبُد ، فقال صواب ما قلت ، فغليه على عقله . وقيل : لم يعين ما يقولان ، ويبعد أن القول اللين لا إله إلا الله ووجه لينه خفته على اللسان ، والتذكر التأمل الموصل الى الإذعان للحق ، والخشية أن يخشى أن يكون الأمر كما تقولان فيتبعكما لئلا يهلك أو يبطش به ، أو التذكر أن يتذكر أنه احتبس النيل ، فأبعد فى شاطئه ، وخر ساجداً وقال : يا رب أسر النيل ولا تخجلنى ، أو أجب لى فى الدعاء وعافنى فى الآخرة ، فتبع الماء حافر فرسه ، وأو لمنع الخلو ، ولعل للترجية لا للترجى ، أمرهما الله أن يباشرا الأمر برجاء وطمع أن لا يخيب سعيهما ، والترجية بلعل إنشاء ، فلا تكون مع ما بعدها حالا كما توهم ، وقيل للاستفهام وهو إنشاء ، فلا يكون جملته حالا . وقيل للتعليل بمنزلة التذكر أو الخشية ، فلا حالية قيل كل لعل فى القرآن للتعليل إلا لعلكم تخلدون فللتشبيه والتعليل هنا أولى من التشبيه والاستفهام بعيد ، لأن الآية ليست لمقام هل يتذكر أو يخشى ، ولا لأن يقولا له هلا تتذكر أو تخشى ، وقال لعله يتذكر أو يخشى مع علمه أنه لا يتذكر ولا يخشى ، لأن الترجى لموسى وهارون ، أى اذهاب عن رجائكما ، وباشرا الأمر مباشرة من يطمع أن يثمر عمله ، ولالزام الحجة وقطع المعذرة ، وقيل لعله يتذكر متذكر أو يخشى خاش برد الضمير الى اسم الفاعل من الفعل ، وقد تذكر كثير ، وخشوا ، وقيل لعل من الله واجب ، وقد تذكر وخشى حين الغرق ، وحين لا يقبل عنه ، وقيل خشى وتذكر ، وأراد الإيمان فمنعه هامان ، وكان لا يقطع أمراً دونه ، وقد مر . وفرقت الآية عند يحيى بن معاذ فبكى وقال : إلهى ، هذا رفقك بمن يقول أنا الإله ، فكيف بمن يقول أنت الله ، وهذا رفقك بمن يقول أنا ربكم الأعلى ، فكيف بمن يقول سبحان ربى الأعلى ، وكان الفضل بن عيسى الرقاشى إذا تلاها قال : يا من يتحبب الى من يعاديه ، فكيف بمن يتولاه ويناديه ، قال بعض تلاميذ الخليل : ينبغى للرجل أن يكون قوله للناس ليناً ووجهه مستبشراً منبسطاً مع البر والفاجر ، والسنى والمبتدع من غير مداهنة ، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضى سيرته ، لأن الله تعالى قال لموسى وهارون عليهما السلام : " فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى " وأنت لست بأفضل من موسى وهارون عليهما السلام ، والفاجر ليس بأخبث من فرعو ، وقد أمرهما الله تعال بلين القول مع فرعون ، لأن فى إلانة القول كسراً لشوكة السوء ، وجلباً ، وكأنه قيل فماذا قالا فقال : { قالا } موسى ، هارون على أنهما اجتمعا فى الطور ، أو قال هارون فى مصر أو فى طريق التلقى ، فجمع الله قولهما كما جمع خطاب كل رسول فى أزمنتهم ، فى قوله عز وجل : { كلوا من الطيبات } [ المؤمنون : 51 ] . { ربَّنا إِنَّنا نَخافُ أن يَفْرط عليْنا } يتقدم فرعون ويعجل قبل دوعتنا والفارط من يتقدم ليهيىء الماء ، وفرس فارط يسبق الخيل . والميت الطفل فرط لأبويه ، كما فى الحديث ، فخوفهما للقطع عن التبليغ ، لا ليعاقبهما ، وإن كان للعقاب فلعله قبل أن يوحى إليه { سنشد عضدك بأخيك } [ القصص : 35 ] الخ وتقديم الحكاية لا تفيد الترتيب ، لأنها بالواو وأيضا ، لعل لا يصلون إليكما بمعنى لا حجة لهم عليكما ، أو أراد بالخوف طلب زيادة دليل حسى ، على أنهما غالبان له ، كقول إبراهيم : { رب أرنى كيف تُحيى الموتى } [ البقرة : 260 ] ولا ينافى خوفهما ما تقدم من شرح الصدر ، وإيتاء السؤل ، لأن الخوف بالطبع ، وشرح الصدر وإيتاء السؤل فى شأن حفظ ما يوحى ، والعزم على التبليغ ، وأيضا يخاف الإنسان من شىء ، ويصبر عليه إذا وقع ، وإيتاءه التيسير المطلوب لا يمنع الخوف من قطع التبليغ ، لأن طلب التيسير إنما هو باعتبار أن لا يقصر لا بمعنى لا مانع من قطع عدوه له ، أو خاف هارون قبل أن يبلغه ما أنزل الله من التقوية ، فغلب على موسى ، ونسب إليه الخوف معه ، حكما على المجموع . { أو أن يَطْغى } يزداد طغيانا ، بالجرأة على حقك ، وكرر أن ليستحضر بها معنى نخاف المسلط على أن يفرط استحضاراً قوياً ، وكأنه قيل : فيما قال لهما عند قولهما : { ربنا إننا } الخ ؟ فأجاب مسلياً لهما بقوله : { قال لا تَخَافا إنَّنى معَكُما أسْمَع وأرى } الخ لا تخافا من فرطه وطغيانه ، لأننى معكما بالحفظ والنصر ، أعلم ما يجرى بينكما من قول وفعل ، وسمعه تعالى عبارة عن علمه ، وهو غير الحفظ والنصر ، لأنهما فعله . ولفظ السمع أنسب بالقول ، والرؤية أنسب بالفعل ، وذلك مقابلة لقوله : { أن يفرط } أى بأن لا يسمع منا ، وقوله : { أن يطغى } يفعل كقتل فقال الله عز وجل : { إنى معكما أسمع وأرى } أفعل ما يليق لكما ، أو أسخره لكما ، فيستمع حتى يتم كلامكما ، وأمنعه أن يفعل ما تكرهان ، ولا تعلق للفعلين بمفعول ، بل المعنى من شأنى السمع والرؤية ، وقدر بعض أسمع كلامكما له ، فأسخره للاستماع ، وأرى فعله إن شرع فى فعل أو أراد الشروع فأمنعه .