Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 52-53)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قال علمها عند ربى } إنما علمنى ربى التوحيد والدعاء إليه ، وإلى عبادته ، ولا علم له بأحوال الماضين ، لأن ذلك قبل نزول التوراة ، فإنما نزلت بعد هلاك فرعون ، وإن كان موسى قد علم منها شيئا كما قال مؤمن آل فرعون ، { يا قوم إنى أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب } [ غافر : 30 ] الخ فمراد موسى لا علم لى بها كلها أو باكثرها أو كثير منها أو لا علم لى بتفصيلها ، أو ما علمه مؤمن آل فرعون يعلمه من موسى ، وقيل : { فما بال } [ طه : 51 ] الخ متعلق بقوله : { والسلام } [ طه : 47 ] الخ أى فهل عذبت القرون الأولى المكذبة ، وقيل : السؤال عن البعث ، وما فى علمها للقيامة ، وهو قول لا يلتفت إليه ، وقيل : متعلق بقوله : { أعطى كل شىء خلقه } [ طه : 50 ] فإنه يتضمن أنه تعالى عالم بأحوال الخلق ، استبتعد أن يكون الله عالما بأحوال الخلق كلهم ، مع كثرة القرون الأولى ، وانتشارهم ، ولعله خص القرون الأولى من بين الكائنا لعلمه ببعض أخبارهم ، وقيل : متعلق بقوله : " هدى " أى ما بال القرون الأولى لم يهتدوا لهذا الهدى ، وكفروا ، وجواب موسى بأن العلم عند الله عز وجل يأتى على كل سؤال . { فى كتاب } هو اللوح المحفوظ أو الدفتر ، كناية عن أنه محفوظ كما يحفظ الشىء المعتنى به ، لئلا ينسى ، ويلوح إليه بقوله : { لا يضِل ربِّى } لا يخطأ ، وقيل لا يضل عما أراد { ولا يَنْسى } فيجازيكم على أعمالكم كلها ، والمكتوب حروف لا علمه تعالى ، لكن الحروف تتضمن كلاماً ، والكلام يتضمن أنه عالم عز وجل ، والجملتان دفع لأن يحتاج الله الى كتابة أو أن يعجز ، وإنما كتب لحكمة تعليم الملائكة ، ومقابلة الفاعل بما فعل ، والضلال الخطأ باثبات ما لا يكون ، أو نفى ما يكون ، وإذا فسر الكتابة بالكتابة المذكورة ، فالجملتان تذييل لتأكيد الجملة السابقة ، وهما على العموم لا يخطأ فى شىء ما ، ولا ينسى شيئا ما ، فدخل فيهما أحوال القرون الماضية ، والبعث ووقته ، والمطيع والعاصى ، وجزاءهما فى الدنيا والآخرة ، وما كسبا ، وسعادة السعيد ، وشقاوة الشقى ، فيقدر معمولاهما عامين ، وللعموم حذف أولا يقدر لهما ، بل المراد قطع الضلال والنسيان ، هكذا البتة من أصلهما ، وكتابة العلم وما يحتاج إليه أمر مجمع عليه بعد الصدر الأول . قال أبو هريرة : ما من أحد من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا منى إلا عبد الله بن عمر ، فإنه كان يكتب ، ولا أكتب قال عبدالله بن عمر : يا رسول الله إنا نسمع منك الحديث ، أفنكتبه عندك ؟ قال : " نعم " قلت : فى الرضا والسخط ؟ قال : " نعم ، فإنى لا أقول فيهما إلاَّ حقاً " قال معاوية بن قرة : من لم يكتب علماً لم يعد علمه علما أى لخوف النسيان والشك ، وقد قال الله تعالى عن موسى : { علمها عند ربِّى فى كتاب لا يضل ربى ولا ينسى } فسن الله تعالى لنا الكتابة . قال الحسن بن على : لا يعجز أحدكم أن يكون له كتاب من هذا العلم ، فلو لم يكتب لذهب وإذا كتب رجع إليه إذا نسى أو شك . وعاب أبو يوسف محمداً فى كتبه العلم ، فقال خفت ذهاب العلم ، ولا تلد النساء مثل أبى يوسف ، وأجمعت الأمة على كتابته ففى رواية عنه صلى الله عليه وسلم : " ما رأه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن وما رأه شيناً فهو عند الله شين " وقال صلى الله عليه وسلم : " لا تجتمع أمتى على ضلالة " وعن نافع عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اكتبوا هذا العلم من كل غنى وفقير ومن كل صغير وكبير ومن ترك العلم من صغير لصغره أو من فقير لفقره فليتبوّأ مقعده من النار " وإنما نهى صلى الله عليه وسلم عن الكتابة عن اليهود والنصارى . واستأذن أبو سعيد الخدرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كتابة العلم فلم يأذن له ، وهذا قبل أن يفتح باب الكتاب ، كما فتحه لابن عمر ، ونهى ابن عباس الناس عن الكتابة خوفا من الافساد وعد الضبط ، فهو قد أجازه لمن يضبط ، كما كان هو يكتب ، وأما محو ابن مسعود ما كتبوا عنه فلخوف أن يكون قد أخطأ فى شىء ، أو لرؤيته فسادا فى عبارتهم أو خطهم ، أو خوف أن يتكلوا على الكتب ، وأما الإفناء فلا يمنعه عاقل ، ولو وجد من هو أعلم من المفتى ، إذا كان عالما بما يفتى ، ويجوز للمجتهد أن يفتى بما لغيره فيقول : هذا قول فلان ، أو هو فى كتاب كذا ، أو فى الأثر ، ولو لم يتأمل فيه إذا لم يظهر له فساده ، وفى قوله تعالى : " فاسألوا أهل الذكر " إيجاب على أهل الذكر أن يفتوا . وفى كتاب خبر ثان أو حال من المستتر فى عنده ، وهنا تم كلام موسى ، واستأنف الله جل جلاله قوله : { الذى جَعَل لكم الأرض مَهْداً } الخ أى أنا الذى جعل الخ ، وهو تقرير لكلام موسى ، وكان الكلام بطريق الغيبة ، لأن الذى ظاهر ، والظاهر من قبيل الغيبة ، فيكون أخرجنا على طريق الالتفات من الغيبة الى التكلم . وعلى أنه من كلام موسى الى ما يكون نعتا لربى أو خبرا لمحذوف ، أى هو الذى ، وما أكثر ما يقولون : منصوب أو مرفوع على المدح أو الذم بلا دليل عل الحذف ، فلا تقلدهم وإلا كنت قلادة كقلادة الصبى ، والمخرج به أزواجاً من نبات هو الله ، أو من كلام موسى الى شتى ، والمخرج الله ، ولكن أسند الى موسى الإخراج كما يسنده خواص الملك الى أنفسهم ما للملك ، أو أسنده الى نفسه وغيره على معنى أخرجنا بالحرث ، أو قال موسى فأخرج بلفظ الإفراد ، والغيبة ، ولما ذكره الله رده لنفسه ، لأنه المراد ، فكان بالجمع والتكلم ، وليس هذا أولى من الوجهين قبل ، كما قيل . والمهاد مصدر ، ثم جعل اسماً لما يمهد للصبى وهو على التشبيه ، أى كالمهاد أو باق على المصدرية أى ذات مهد كالبسط ، أو مبالغة كأنها نفس البسط ، أو جمع مهد ككعب وكعاب ، بمعنى أن كل موضع منه كمهد . { وسَلَك لكُم فيها سُبُلا } معنى سلك أثبت أو حصل بشد الصاد ، والسبل الطرق بين الجبال والأودية من موضع الى موضع ، لمنافعكم ، ويجوز أن يكون اللام بمعنى باء التهدية ، كأنه قال أسلككم سبلا ، ذكر لكم قبل للدلالة على أن المقصود بالذات الإنسان ، وهنا للدلالة على أن الانتفاع لهم . { وأنزل من السَّماء } من جهتها لا منها ، لأنه من السحاب ، والسحاب خلقه الله فى الجو { ماء } مطراً { فأخْرجْنا به أزْواجاً من نَباتٍ شَتَّى } ذكرت الأشعرية فى جميع الأسباب ، أن المعنى وقع كذا عند كذا ، أى وقع الإخراج منا عند الماء ، وأحرق بالنار ، أوقع الإحراق عندها ، وبالغوا حتى قالوا : إن من قال إن فى شىء من الأسباب قوة تأثير أوْدعها الله تعالى فيه ، فهو الى الكفر أقرب منه الى الإيمان ، ووجهه أنه قال : إن القوة المودوعة مستغنية عن الله سبحانه ، ولا بد أنه كفر ، وأما أن يقال أودع الله فى السبب تأثيراً لكن لا يؤثر إلا بإذن الله تعالى ، والله مؤثر به ، فلا بأس ، وبه قالت الماتريدية والأوائل فشىء يخلقه الله بلا واسطة ، وبعض بها ، وذلك هو المتبادر والأشعرية تقول إذن لا بد من تقدير أنه تؤثر بالله عز وجل ، فقال المؤثر هو الله بلا خلق توسط ، فما التوسط إلا بمعنى العندية ، وعلى كل حال إذا لم يرد أن يؤثر لم يؤثر بأن لا يخلق فيه تأثيراً كما لم تحرق النار ابراهيم ، ولم تحرق يد موسى على ما مر . وقال : { أخرجنا } لا أخرجت ولا أخرج تفخيما لشأن الإخراج ، وله نظائر فى ترك القيمة والإفراد الى التكلم والجمع فى مقام النبات والماء . كقوله تعالى : { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها } [ فاطر : 27 ] وقوله عز وجل : { أمَّن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة } [ النمل : 60 ] وقوله تعالى : { وهو الذى أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شىء } [ الأنعام : 99 ] والأزواج الأصناف ، سميت لازدواج بعض ببعض ، أى اقترانها ، ومن نبات نعت أزواجاً ، وشتى نعت ثان أى متفرقة لوناً وطعماً ، ورائحة وشكلا ، وبعض للناس ، وبعض لبهائم ، وبعض لبهائم أخرى ، والمفرد شتيت كمريض ومرضى وألفه للتأنيث .