Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 69-70)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وأَلْق ما فى يَمينكَ } أى العصا كما قال فى آية أخرى : { عصاك } [ الأعراف : 117 ] وعبر هنا بما فى يمينك تهويلا لأمرها كقوله عز وجل : { فغشيهم من اليم ما غشيهم } [ طه : 78 ] إذ كان لها أفعال ليست لسائر العصى ، والحاصل بنفس العصا واللفظ يختلف مراعاة لمعان موجودة فيها ، وقد أوحى إلى موسى بلغته لا بالعربية ، قلا يقال عبر باليمين تلويحاً لليمن والبركة ، ويناسب التهويل جعلها نكرة موصوفة ، ويناسب التذكير بأفعالها المعتادة من قبل جعلها اسماً موصولا . { تَلْقفْ } تأخذ أخذ حذف بفمها وأنت ضميرها لأنها العصا { ما } أى الذى { صَنَعُوا } من الجبال والعصى ، وتبتلعه ولفظ { ما صنعوا } تحقير ، وزعم بعض أنه لو كان دونه الموجس خوفا من عدم إيمان الناس بالعصا لتغلب سحرهم على قلوبهم ، فقال : { وألق ما في يمينك } يظهر بطلان أمرهم وحقية أمرك ، وفيه أن هنا موجود مع الزيادة ، فى { تلقف ما صنعوا } بلا تلويح الى تعليل . { إنَّما صَنعُوا } صنعهم أو الذى صنعوه ، وهما أولى من أن يقال شيئاً صنعوه { كَيْد سَاحِر } ترجيح للمصدرية فى ما ، وهو الوجه الأول ، لأن الكيد مصدر ، فابقاؤه على أصله أولى من إطلاقه على الحبال والعصى ، الذى فى الثانى والثالث ، والمراد كيد ككيد ساحر ، من جملة السحرة مطلقا ، وسحر حقير فى نفسه ، باطل بالعصا ، ووصفه بالعظم فى آية أخرى إنما هو بحسب ظاهره . { ولا يُفْلحُ السَّاحر } جنس الساحر { حَيْث أتَى } حيث كان ، وأين قبل ، بل يفتضح ويخيب ، وعن جندب بن عبدالله البجلى ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أخذتم الساحر فاقْتُلوه ثم قرأ { ولا يفلح الساحر حيث أتى } " قال لا يأمن حيث وجد ، والسحر علم يستفاد منه حصول ملكة نفسانية ، يقتدر بها عى أفعال غريبة بأسباب خفية ، والسحر منه حقيقى وغير حقيقى ، ويقال له : الآخذ بالعيون ، وسحرة فرعون أتوا بمجموع الأمرين ، ومر أنهم لطخوا الحبال والعصى بالزئبق ، وذلك من باب السيماء ، وهى علم يقتدر به على إرادة الصور الذهنية ، لكن يشترط أن يكون لها مادة فى الخارج بواسطة أسماء وغيرها . وحاصل علم السيماء إحداث مثالات خيالية ، لا وجود لها فى الحس ويطلق على إيجاد تلك المثالات يصورها فى الحسّ وتكون صورا فى جوهر الهواء ، وهى سريعة الزوال بسبب سرعة تغير جوهره ، ولفظ سيماء معرب شيم به ، ومعناه اسم الله تعالى ، وما ذكر من سرعة الزوال غالب لا كلى { فأُلْقِى السَّحَرةُ سُجَّداً } كأنهم طرحوا من شدة السرعة على وجوههم تائبين مؤمنين بالله وموسى وهارون ، ولم يرفعوا رءوسهم من السجود حتى رأوا منازلهم فى الجنة ، ورأوا الثواب والعقاب ، والنار ، وليس هذا إلجاء الى الإيمان لأنهم آمنوا باخيتارهم ، وسجدوا قبل أن يروا ذلك ، مع أنا لا نسلم إن إرادة ذلك الجاء ، فان بعض العلماء ، وقيل السجود قالوا : { آمنا بربنا ليغفر لنا } [ طه : 73 ] الخ منازلهم لهذا القول ، وإن قالوا بعد إراءة المنازل فقولهم شكر ، كما يستغفر النبى صلى الله عليه وسلم مع علمه بالغفران له ، أو قالوه لعلمهم أن شرط المنازل البقاء على الخضوع لله وعدم الخروج عن شرعه ، قال رئيسهم : كنا نغلب الناس ، والآلات تبقى لنا ، فأين هى الآن وعصا موسى لم يزد فيها شىء ، فما هذا إلا من الاله الذى يدعونا إليه موسى . { قالُوا آمنَّا بربِّ هارون ومُوسَى } أخر موسى مع أنه أشرف من هارون ، والرسالة والدعوة والمعجزة له أولا وبالذات للفاصلة ، وقدم فى غير هذه الآية لذلك الشرف ، والفاصلة ، أو هذا نص كلامهم ، لكن بالعجمية ، وفيه تقديم هارون لسنه ، وسها من قال : إن موسى أسن منه ، ولأن فرعون ربَّى موسى ، فيقولون إنه ربه ، فلو قدموا موسى لتوهم فرعون أنه المراد بالرب ، وأن هارون ملحق به ، وذكره فى الآية الأخرى على غير نصهم ، أو بعض قال : { رب موسى وهارون } [ الأعراف : 122 ، الشعراء : 48 ] وبعض قال : " رب هارون وموسى " ونسب القولين لهم جيمعاً حكما على المجموع .