Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 3-4)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لاهية } عنه حال سببية من أحدى الواوين وقوله : { قُلُوبُهم } فاعل لاهية ، وأسند اللهى الى القلوب لأنها محل رسوخ الشر ومنبعه ، يقال لهى عن الشىء بكسر الهاء يلهى بفتحها سلا عنه ، وترك ذكره ، ولو بلا نسيان ، واستماع الآيات لا ينافى الغفلة المذكروة بقوله فى غفلة ، وقوله : " لاهية " لأنها تعقب الاستماع ، أو نزل شعورهم منزلة العدم ، أو لاهية بمعنى تاركه ، ولم اقل لاهية من اللهو بالواو ، ولأن قبله يلعبون ، والتأسيس أولى ، نعم يجوز على معنى يلعبون بجوارحهم وألسنتهم ، مع رسوخ موجب اللهو فى قلوبهم ، ومعنى الإحداث أنه يحدث نزوله شيئا فشيئا وعظاً وتذكيراً ، وليس المراد بالحدوث الذى تضمنه الإحداث نفى القدم ، لأن المقام ليس لذكر حدوثه ، ونفى قدمه للمشركين ، وهو حادث لا قديم ، والله الذى لا إله إلا هو ، إلا أن الآية لم تنزل لذلك ، ولا يصح لعاقل ، أن يقول بقدمه ، لأنه مركب حال فى ألسنتنا ، والقدم لا يحل فى الحال . ولا يصح لمنصف أن يقول ألفاظ القرآن ترجمة للقرآن الذى هو الكلام النفسى ، لأنه مناقض لنصوص القرآن ، والأحاديث أن هذه الألفاظ هى القرآن ، ولا يصح لمن صح إيمانه أن يثبت الكلام النفسى ، لأن فيه اعتقاد أن الله ظرف ، وأن متحيز ، وحال ، وتعدد القدماء حاشاه عن ذلك ، بل نصف الله بالعلم ، وننفى عنه كل شبه بالمخلوق ، ويضعف ما قيل من أن الذكر الرسول ، ومن أنه يداله قوله عز وجل : { هل هذا } لأن قوله : { إلا استمعوه } [ الأنبياء : 2 ] ينافيه إلا بتأويل إلا استمعوا قوله ، أو إلا استمعوا له ، ويقال : رب غافل عن الحساب لاستغراقه فى دنياه ، وإعراضه عن مولاه ، ورب غافل عن الحساب ، لاستهلاكه فى مولاه ، وإعراضه عن دنياه ، فهو يفيق برؤية المولى ، والأول إنما يفيق فى عسكر الموتى ، ومعنى رؤية المولى إحضارعظمته . { وأسَرُّوا النَّجْوى } اسم مصدر وهو التناجى ، أى الإسرار بينهم ، أو اسم للكلمة المسرورة ، وعلى كل حال المعنى زادوا للإسرار إسراراً ، وبالغوا فيه بكل ما أمكن ، حتى إنَّهم لا يتناجون بحضرة من يراهم أو أسروا بمعنى أظهروا ، أى أظهروا ما كانوا يخفونه كقول الفرزدق : @ فلما رأى الحجاج أظهر سيفه أسر الحرورى الذى كان أغمرا @@ والأصل خلاف هذا ، ويحتمل البيت معنى نطق بما فى قبله سراً { الذين ظلمُوا } بدل أو بيان من واو وأسروا المحذوفة للساكن ، أو أو فاعل أسروا ، وواو أسر حرف علامة للجمع على لغة : يتعاقبون فيكم ملائكة ، وهى لغة شهيرة لا شاذة ، أو مبتدأ أسروا النجوى ، كقوله قام أبوه زيد ، زيد مبتدأ قام أبوه خبر ، أو يقدرهم الذين ، أو يقول الذين أو أعنى الذين ، أو أذم الذين ويبعد إبداله من الناس ، أو جعله نعتا له ، وأظهر الذين ليذمهم بصلته . { هَلْ هذا إلا بشَر مثْلُكم أفتَأْتُون السِّحْر وأنْتُم تُبصِرونَ } مفعول لقول مقدر فى جواب سؤال ماذا قالوا فى إسرارهم لنجوى ، أو مفعول لأسروّا ، لأن فيه معنى القول أو للنجوى بمعنى التناجى على إعمال المصدر المقرون بأل ، واسمه عمل ألفعل ، أو يقدر فقالوا : هل هذا الخ بعطف القول المقدر على أسروا ، أو يقدر قالوا بلا عاطف ، على أنه بدل من أسرّوا ، أو ذلك بدل من النجوى بلا تقدير قول ، والمعنى أسروا هذه الجمل ، والفاء فى " أفتأتون السحر " عاطفة على محذوف ، أى أتظنون عن دينكم فتأتون ، أو أتتركون دينكم فتأتون ، المحافظة عندى على عدم تقديم ما بعد العاطف وهو الهمزة بتقدير الجملة أولى ، فلا تقل كابن هشام ، ألا ترى أن الحذف كثير لا تعد كثرته ، ولا تقصر على السماع إلا عند قيام المانع ، والاستفهام هنا للإنكار ، وأنتم تبصرون حال من واو تأتون مقررة الإنكار ، أى كيف تذعنون له مع أنه بشر ، والبشر لا يكون نبيا ، بل المَلَك يكونه . ويبعد ما قيل : إنهم أسرّوا ليقولوا له صلى الله عليه وسلم : إنك كنت نبيا فخبرنا بما أسررنا ، لأنه دليل له ، ولا يناسب المبالغة بأسرُوا ، ولا بـ { أفتأتون السحر } ولو ناسب قوله تعالى : { قال ربِّى يعْلَم القول فى السماء والأرضْ } إلا أنه لم يقل قال ربى يعلم السر فى السماء والأرض ، لأن القول أعمّ من السر لشموله الجهر ، ففى ذكر القول تعميم للسر والجهر ، وإيذان بأنهما عنده سواء ، وأنه يعلم الأخفى أيضا كما ذكر عنهم الإخفاء فى قوله : " وأسروا النجوى " كأنه قال : قل يا محمد ربى يعلم هذا الضرب من السر ، وما هو أخفى ، وفى السماء حال من القول ، أو متعلق به ، أى يعلم ما قيل فى السماء والأرض ، والقول بمعنى المقول ، والمراد فى السماء والأرض وغيرهما ، او خصهما بالذكر للظهور ، أو المراد بالسماء والأرض جهة العلو والسفل مطلقا ، وشمل السموات والأرض { وهُو السَّميع } العليم بالأصوات { العَليمُ } بغيرها أيضاً ، ودخل فى ذلك أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم ، فهو يجازيهم عليها ، ولا يترك منها شيئا لخفائها إذ لا يخفى عنه شىء .