Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 56-59)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قال بل ربُّكم ربُّ السَّماوات والأرض الَّذى فطرهُنَّ } خلقهن مع ما فيهما كتماثيلكم وأنفسكم ، أو فطر تماثيلكم ، ويترجح الأول بالعموم ، ودخول التماثيل فيه بالذات ، والثانى بأن المقام لإبطال التماثيل ، وهن ضمير لا يختص بالعقلاء ، ولو خص به لقيل : إنها عندهم كالعاقل ، ووصفه بالربوبية إيذاناً بأن ما لا يخلف ولا يربى بالنعم على الإطلاق بعيد عن الألوهية . { وأنا عَلى ذلكُم مِن الشَّاهدين } على متعلق بمحذوف جوازا أى شاهد على ذلكم المذكور من ضلال عباد التماثيلن وأن رب السماوات وأرض وما فيهما ، هو رب كل شىء وإلهه ، لا متعلق بشاهدين ، لأنه صلة أل ، ومعمول الصلة لا يتقدم على الموصول ، وقيل بالجواز للتوسع فى الظروف ، فلا يقدر محذوف وعلى الأول ، وهو تقدير محذوف يكون من الشاهدين زيادة تقرير ، كأنه قيل من جملة الراسخين فى الشهادة ، العالمين علما محققا بمشاهدة البراهين قيل إضراب إبطالى عن اعتقادهم التماثيل آلهة ، وعن أن يكون من اللاعبين بإيراد البرهان ، وهذا من الأسلوب الحكيم إذ مقتضى الظاهر ، بل أنا من المحقين لا من اللاعبين وجاء ببدله وهو قوله : { بل ربكم } لأن فيه تحقيق ما أراد ، ونفى اللعب وقرره بقوله : { وأنا على ذلكم من الشاهدين } وزاد إذ لم ينفعهم جوابُه شدة بالفعل ، كما قال الله عز وجل : { وتاللَّه لأكيدن } فى يوم عيدكم هذا { أصنامكم } اجتهد فى كسرها باحتيال ، فإن أصل الكيد الاحتيال فى إيجاد ما يضر ، مع إظهار خلافه ، هو يستلزم الاجتهاد ، ولكن أخبرهم ليجمعوا أمرهم فى حفظها ، فإذا كسرها مع ذلك كان أشد غلبة ، أو قال ذلك فى قلبه ، أو حيث لا يسمعون ، وقيل سمعه رجل واحد منهم ، وقيل : سمعه ضعفاء فى آخر الناس فى مشيهم إليها يوم العيد ، وكانت سبعين تمثالا ، وقيل اثنين وسبعين ، والمشهور أن مفيد التعجب من حروف القسم ، هو اللام . ويجوز فى التاء أن تكون تعجب ، وأن لا تكون وقيل لا تكون الإله وأصل حروف القسم الباء ، إذ يجوز ذكر فعل القسم معهما ، وتجر الظاهر والمضمر والتاء بدل من الواو ، كما فى تجاه والواو قائمة مقام الباء لمناسبة الشفوية فيهما ، مع أن فى الواو معنى قريباً من الإلصاق الذى هو اصل فى الباء ، وقيل ليس حرف قسم أصلا للآخر . { بعد أنْ تُولُّوا } ترجعوا فى عبادتها { مُدْبِرين } عنها فهو حال مؤكد لعامله ، كذا شهر ، انظر كيف يرغب إبراهيم عليه السلام فى تأكيد توليهم ، فلو قلت بعد أن تولوا تولياً عظيماً أو محققاً لم تقبل . اللهم إلا أن يريد أن تولوا توليا محققا لا يبقى منكم من يتخيل بى فإذا قلنا بعد أن تولوا عنها بأجسامكم مدبرين عن عبادتها ، لم يكن فى ذلك تأكيد ، وهذا أولى أوهمهم فى طريقه معهم الى عيدهم بأنه سقيم من رجليه فى مشيه ، هذا وتركوه فرجع الى الأصنام { فجعَلهُم جُذاذاً } عطف على محذوف أى تولوا مدبرين ، فجعلهم جذاذاً ، وكان معهم يترقب ذهابهم أو أتى فجعلهم جذاذاً أى قطعاً بمعنى مجذوذاً ، أى مقطوعاً كالحطام بمعنى محطوم ، أى جلهم شيئاً مقطوعاً ، وهو فى الأصل مصدر يصدق على القيل والكثير . وقيل : جمع أو اسم جمع مفرده جذاذة كزجاج ، وزجاجة ، وكلم وكلمة ، ويقال خرج به آزر فى عيد فدخلوا عليها ، وسجدوا لها ، وجعلوا طعاماً بين أيديها تبرك لهم فيها ، فاذا رجعوا أخذوه وقعد ابرهيم فى الطريق ، وقال إنى سقيم ، فكسرها بفأس إلا كبيراً عند الباب من ذهب عيناه جوهرتان تضيئان ليلا ، وعلقه فى يده أو عنقه ، كما قال عز وجل : { إلاَّ كبيراً لَهُم } فانه لم يكسره ليرجعوا اليه كما قال الله عز وجل : { لعلَّهم إليه } الى الكبير { يَرجعُون } لعل للتعليل أى ليرجعوا اليه فيخاطبوه بأن يقولوا له : أخبرنا من كسر الأصنام ، ولم تركت مريد كسرها الى كسرها ، ولعلك أنت الكاسر لها غضباً ، لأن عبدت معك ، ولم كسرت وسلمت أنت ، ولم علق فيك الفأس ، فلا يجيبهم بشىء فيتبين عجزه ، وخطأهم فى عبادته ، إذ لا ينفع ولا يدفع الضر ، ولم ينتقل من مكانه الى كسرها غضباً ، وهو كسائرها مثبت فى الأرض برصاص او غيره ، وإن لم يثبت بذلك ، فإنهم لا يرون أثر المشى إليها للكسر ، ظن فيهم لشدة ميلهم إليها والى الكبير أنهم يعتقدون أنها تفعل كالعاقل ، فبكتهم . وإن لم يظن ذلك فيهم ، فكسرها وتعليقه الفأس عليه استجهال لهم . واستهزاء ، فان من شأن المعبود أن لا يفعل به ذلك ، وأن يضر وينفع . وقيل : الضمير لله ، أى لعلهم يرجعون الى الله بتوحيده ، إذ سألوا : وظهر عجز آلهتهم ، وقيل لإبراهيم أى لعلهم يرجعون الى ابراهيم ، فيسألونه فيفحمهم ، عليه الجمهور ، وذلك كله ترج منه عليه السلام . ويجوز أن يكون ذلك من الله ، أجبر به عنه ، والتقديم للفاصلة ، وقيل للحصر ولها ، وقيل : للحصر على القول الأخير ، وللفاصلة ، ويحتمل الحصر الفاصلة علىالأولين ، ومن وجد عند صبى مثلا فخاراً أو عوداً أو نحوه على صورة آدمى ، أو صليب أو نحو ذلك مما يحرم لزمه كسره لوجوب الأمر والنهى باليد لمن قدر بها فى مثل ذلك فى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا من قصة ابراهيم ، فان هذا مما لا تختلف فيه الشرائع ، وكأنه قيل ما قالوا ، إذ رجعوا من عيديهم ، ورأوها جذاذاً ، فقال الله عز وجل : { قالُوا مَنْ فَعَل هذا } من فعل هذا الكسر ومثله التعليق { بآلهتنا } والاستفهام حقيقى إذ لا يدرون الفاعل فهم يريدون أن يعين لهم ، وفى ضمنه تويبخ وإنكار للياقة { إنه لَمن الظالمينَ } مستأنف ، أو من موصولة ، وهذه الجملة خبرها ، وذكروها باسم الآلهة إعظاماً لها ، كما يعبدونها ولم يسموها تماثيل أو أصناماً ، والتشنيع على كاسرها إذا أهانها وعرض نفسه للهلكة من جانبها ، أو من جانبهم .