Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 4-5)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ كُتِبَ عليْه } أى على الشيطان { أنه } اى الشأن أولى من عوده إلى الشيطان { مَنَّ } شرطية ، والمقام للعموم كمنا هو شأن الشرطية لا موصولة ، لأن أصلها العهد ، وللاحتياج الى زيادة الفاء { تولاَّه } المستتر لمن ، ولاهاء للشيطان أى اتبع الشيطان ، واتخذه ولياً أو بالعكس ، أى صار الشيطان والياً عليه غالبا له { فأنه } أى الشيطان { يُضلهُ } عن الحق الذى هو طريق الجنة { ويَهْديه } يوصله { إلى عذابِ السَّعير } الىعذاب النار المسعورة ، أى الموقدة ، وجملة من تولاه الخ خبر أن ، والمصدر نائب فاعل كُتب أى كتب عليه إضلال متوليه ، أو متولاه وهداه إلى عذاب السعير ، وجلمة كتب ونائبه نعت شيطان ، ومعنى كتب قضى وقدر ، أو كتب عليه بالحروف أنه من تولاه الخ أى رسم عليه الإضلال والإيصال الى النار كتابة لا يتخلف عما فيها ، وأصل الهداية أن تكون الى خير فاستعمالها فى السوء استعارة تهكمية تمثيلية { يا أيُّها الناس } الكفار بإنكار تحققق البعث { إن كنُتْم فى ريْبٍ } شك { من البَعْث } من إمكان البعث ، عبر بالريب مع جزمهم بالإنكار تلويحاً الى أن إنكار لوضوح دلاله ، كأنه لم يكن ، وليس فى شىء من الاحتمال ، كما أن التصدير بأن ، وتنكير ريب تلويح أن حقه أن يضعف ، ويشك فيه عندكم لا أن ينكر ، أو عبر بالريب مع جزمهم بالانكار تنبيها على أن جزمهم بالإنكار بمنزلة الشك الضعيف لقوة الدلائل ، ومن بمعنى فى متعلق بريب ، وعدل إيها لئلا تتكرر فى أو بمعنى لابتداء تتعلق بمحذوف نعت لريب ، واستظهر أن المراد فى ريب من إمكان البعث ، كما يدل له إثبات الإمكان فى قوله . { فإنَّا خلقناكم من تُرابٍ } الخ واجيز أن يكون المراد فى ريب من وقوع البعث ، واعترض بمخالفته لما اتصل به من إثبات الإمكان ، وتكرره مع قوله : { وأنَّ الله يبعث مَنْ فى القبور } [ الحج : 7 ] ويجاب بأنه لا تكرر ، لأن هذا شك منهم فى الوقوع ، وأن الله يبعث من فى القبور ، جزم من الله بالوقوع رداً عليهم ، وأيضا لو تكرر لم يضر ، لأن المراد التأكيد ، والفصل ، ولأن المعنى كيف تشكون فى وقوع البعث ، مع أنه قد وقع خلقه لكم من تراب ، والجملة تعليل نائب عن جواب الشرط ، أى أخطأتم فى شككم ، لأنا خلقناكم من تراب أن أصلهم الذى تكونوا منه من تراب وهو آدم ، أو الأغذية التى تكونوا منها من تراب . { ثمَّ من نُطْفةٍ } منى من النطف ، وهو التقاطر ، أو من قولهم للماء القليل الصافى نطفة ، والمراد ما يشمل ماء الرجل وماء المرأة ، ولو كان ماء الرجل أكثر ، والمراد نطفة كل أحد ، وزعم بعض أن المراد نطفة آدم { ثُم من عَلَقةٍ } قطعة جامدة من الدم ، متكونه من النطفة { ثُم من مُضْغةٍ } قطعة من اللحم صغيرة قدر ما يمضغ تكونت من العلقة { مُخَلَّقةٍ } تعظم بعد فيكون إنسانها عظيم الجسم { وغير مُخَلَّقةٍ } يكون إنسانها صغير الجسم ، أو التخليق إظهار أعضاء بعد أن كانت غير مظهرة كسائر الترتيب قبل أن تكون أولا غير متبينة الأعضاء ، ثم تكون متبينة ، وعلى هذا الأصل تقديم غير مخلقة على مخلقة ، ولكن أخرت لكونها عدم وجود ، والوجود أولى بالتقديم ، والكلام فى إيجاد مالم يكن ، والإيجاد فى مخلقة ، وعبر بالتخليق لا بالخلق لكثر الأعضاء المختص كل واحد منها بخلق وصورة . وقيل : المخلقة المسواة من النقص والعيب ، يقال خلق السواك أو العود سواه وملسه ، وصخرة خلقاء ، وجبل أخلق أملس ، فمن نطفته كذلك يخرج بدنه سوياً حسناً منظراً وخصلة ، وما نقص فيها ينقص منهما ، أو من أحدهما ، وقيل المخلقة التى تمت مدتها فولدت ، وغيرها ما سقطت ، وليس فى الآية شرط الحياة ، فهو مخلوق الصورة ، نفخ فيه الروح أو لم ينفخ . قال ابن مسعود : إذا استقرت النطفة فى الأرحام ، أخذها ملك الأرحام بكفه ، فقال : يا رب أمخلقة أم غير مخلقة ، فإن كانت غير مخلقة لم تكن نسمة وقذفها الرحم دما ، وإن كانت مخلقة ، قال : يا رب ذكر أم أنثى ، شقى أم سعيد ، ما الأجل ، ما الأثر ، وما الرزق ، وبأى أرض تموت ، ولا دليل فى هذا القول الأخير ، لأن ما يقذفه الرحم دما لا يقال إنه مراد بالخلق فى قوله : { إنا خلقناكم } نعم ، يقال من جنس هذه النطفة الموصوفة بالتامة والناقصة . { لنُبيِّن لَكُمْ } اللام الأول متعلق بخلقنا وحذف المفعول للعموم ، وهذا الحذف بمنزلة قولك ، لنبين لكم ما لا تحصر ، عبارة تفاصيله ، ومن ذلك أمر البعث ، والدلالة عليه بإنشاء حى بأطوار متوالد من تراب ، وقد بعض لنبين لكم أمر البعث ، ولا بأس به ، وزعم بعض أن التقدير لنبين لكم أن التخليق اختيار من الفاعل المختار ولولا ذلك لم يصر بعض غير مخلق . { ونُقِر فى الأرْحام ما نَشَاء } من الأجنة ، والعطف على جملة مستأنفة محذوفة ، والله أعلم ، هكذا نخلقكم فى الأرحام ونقر ما نشاء { إلى أجل مُسمى } وقت الوضع وأقله ستة أشهر ، وأكثره عندنا وعند الشافعية أربع سنين ، وقال مالك : سنتان ، وكذا الحنفية ، وإذا تحقق أنه فى البطن حكم به بلا غاية ما دام متحففاً { ثمَّ نُخْرجُكم } من الأرحام { طِفْلا } أطفالاً يطلق على الجماعة والاثنين ، كما يطلق على الواحد ، لأن أصله مصدر طفل بالضم على غير قياس بمعنى لأن ، وإذا أريد واحد جمع على أطفال أو المراد الجنس أو المرد طفلا طفلا كما يقال : اخرجوا رجلا فاختصر . { ثمَّ لتبْلُغُوا أشُدَّكم } عطف : على محذوف تقديره نخرجكم لتكبروا شيئاً فشيئاً ، ثم لتبلغوا أو نمهلكم لتكبروا شيئاً فشيئاً ، ثم لتبلغوا ، وجملة نخرجكم محذوفة مستأنفة غير مقرونه بثم وقيل : المعطوف محذوف ، أى ثم تمهلكم لتبلغوا ، وأشد مفرد بوزن الجمع ، كأنك ولا ثالث لهما ، وهو افعل بفتح الهمزة وإسكان الفاء ، وضم العين ، وأصل الشين السكون نقلت اليه ضمة الدال ، فأدغمت أو جمع لا واحد له ، أو جمع شذوذاً لشدة بكسر الشين كنعمة وأنعم ، أو لشد بفتحها أو كسرها ، وهو ما بين ثمانية عشر عاماً الى ثلاثين . { ومنْكُم مَن يُتوفَّى } بعد الإخراج من الرحم ، وقبل بلوغ الأشد { ومنْكُم من يُردُّ إلى أرذَل } أخس { العُمُر } بالكبر بعد ما كان فيه الطفولية ، { لكيلا يعلم } يعرف { من بعد علم شيئاً } مفعول مطلق ، أى علماً ما ، أو مفعول به أى شيئاً من الأشياء ، وذلك تقسم لما بعد الاخراج بعد تقسيم ما قبله ، ومن للتعبيض ، فالله عز وجل لم يذكر الأبعاض كلها ، لأن من المردودين الى أرذل العمر من يعرف بعض الأشياء ، واللام للعاقبة ، والله عالم بها ، ولم يسق الآية على معنى أنى أرده الى أرذل العمر ، لأجل أن لا يعلم ، والله جل جلاله ذكر أفضل الأحوال ، وهو بلوغ الأشد وأبدعها ، وهو الإخراج وأسواها وهو أرذل العمر ، وبنى التوفى الرد للفعول للعلم بالفاعل سبحانه وتعالى ، واحتج للبعث أيضاً بقوله : { وترى الأرض هامدةً فإذا أنزْلنا عَليْها الماء اهتَزَّت ورَبَت وأنْبتَت مِنْ كُلِّ زوَجِ بَهيجٍ } العطف على أنا خلقناكم ، والخطاب لمن يتأتى منه الرؤية البصرية ، أو للمجادل له صلى الله عليه وسلم ، ويجوز أن يكون له صلى الله عليه وسلم ، والمراد تنبيه غيره ، وخص الإنزال لأن ماء المطر أعم إنباتاً وأسرع ، وبيعد أن الإنزال بمعنى ارسال الشامل له والماء العين ، وهمود الأرض سكونا بيبس ، واندراس كما قابله باهتزاز أى تحركها بالنبات شبه خلوها بالسكون ، والتباسها به بالتحرك على الاستعارة ، أو أسند الهتزاز إليها ، وهو للنبات على المجاز العقلى كما فى أنبتت ، والإنبات فعل لله عز وجل ، ويبعد أن اهتزازها انفصال بعضها عن بعض لخروج النبات ، وكذا الوجهان فى ربت أى ازدادت وانتفخت ، والزوج الصنف والبهيج حسن المنظر يسر الناظر .