Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 35-35)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ اللهُ نُور السَّماوات والأرْض } أى الظاهر فيهن كظهور النور وإظهاره غيره فى الظلمة ، بإيجادهن وإيجاد ما فيهن ، والتصرف فى الكل والابقاء والافناء ، وارسال الرسل ، وإنزال الكتب والهداية لمن فيهما الى صلاح الدين والمعاش ، ولولا فعله ذلك كن مظلمات ظلمة حسية وعقلية ، كعدم الشمس نحوها ، وكالجهل والجور ، او المعنى ذو نور السماوات والأرض ونورهن هو الحق والهدى كما قيل : نور السمازات والأرض هاديهما ، أى هادى من فيهما ، وقد قال الله عز وجل : { يخرجهم من الظلمات إلى النور } [ البقرة : 257 ] أى من الباطل الى الحق ، وقال : " يهدى الله لنوره من يشاء " وأضاف النور الى السماوات والأرض للدلالة على سعة إشراقه وإضاءته ، كأنهن أضأن به إضاءة حسية مالية لهن . { مثل نُوره } بمعناه المذكور ، وعن ابن عباس : النور هنا القرآن ، وذلك كقوله عز وجل : { وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً } [ النساء : 174 ] وقيل محمد صلى الله عليه وسلم { كمشكاة } كنور مشكاة ، أى النور الذى فيها ، وضوء المشكاة أقوى لأنه يجتمع منعكساً ، بخلاف الضوء فى بسيط من الأرض ، وذلك تشبيه للمعقول بالمحسوس ، وهى فسحة فى نحو حائط غير نافذة ، وهو عربى أصله مشكوة ، قلبت الواو ألفاً لتحركها بعد فتحة ، وقيل : حبشى عرب ، وقيل : رومى عرب وفى الآية تشبيه الأعلى بالأدنى ، قال أبو تمام يمدح المأمون : @ إقدام عمرو فى سماحة حاتم فى حلم أحنف فى ذكاء أياس @@ فقيل له : إن الخليفة فوق من مثلته بهم فقال : @ لا تنكروا ضربى له من دونه مثلا شروداً فى الندى والباس فالله قد ضرب الأقل لنوره مثلا من المشكاة والنبراس @@ ومن ذلك قوله تعالى : { كأنهن الياقوت والمرجان } [ الرحمن : 58 ] . { فيها مصْباحٌ } سراح كبير ، وقيل فتيلة { المصْباحُ } المذكور { فى زْجاجةٍ } صافية زهراء { الزجاجة } المذكورة { كأنَّها كوكبٌ دُرىٌّ } منسب الى الدرة الصافية المنيرة ، او الى الدرى بهمزة قلبت ياء وأدغمت فيها الياء من الدرء بمعنى الدفع ، يدفع الظلمة ، ولكن فعيل بضم الفاء وكسر العين مشدد ، وإسكان الياء قليل ، ورد منه ذرية وسرية وعلية ، ومريق لحب العصفر والفرس السمين ، ومريخ لما فى داخل القرن ، وقيل أصله دروء كسبوح ، قلبت الضمة كسرة للثقل ، قالوا وياء لهمزة ياء ، وكذا قيل فى ذرية وسرية ، قلبت الضمة كسرة ، فالواو ياء والهمزة ياء ، وكذا قيل فى ذرية وسرية ، قلبت الضمة كسرة ، الإخفاء ، فضم شذوذاً كما قيل فى ذرية ، نسب الى الذر إذ خرجوا من آدم كالذر وضم شذوذاً . { يوقدُ } أى المصباح فالجملة خبر ثان للمصباح ، أو حال أو مفعول ، أو مستأنفة { من شَجرةٍ } من زيت شجرة بواسطته فتيلة { مباركة } كثر الله فيها المنافع ، وأنبتها فى الأرض التى بارك فيها للعالمين ، وبارك فيها سبعون نبياً منهم ابراهيم عليهم السلام { زيتونةٍ } شجرة الزيت بدل من شجرة ، أو عطف بيان منها على جوازه فى النكرات ، قال صلى الله عليه وسلم : " ايتدموا بالزيت وادّهنوا به فانه من شجرة مباركة " قالت عائشة رضى الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بأكل الزيت والادهان به ، والسعوط ، ويقول : " إنه من شجرة مباركة " وعنه صلى الله عليه وسلم : " يأكل الخبز به " وعنه : " أنه مصحة من البواسير " وروى أنه أكل لسان ساة مطبوخاً بالشعير وفيه الزيت والتوابل . { لا شرقيةٍ } عطف على محذوف ، أو متوسطة لا شرقية وقيل : مجموع لا ، ومدخولها نعت شجرة ، ظهر الاعراب فيما بعدها ، وقيل : هى اسم بمعنى غير مضاف لما بعده نعت للشجرة ، أى غير شرقية { ولا غربية } فهى متوسطة فى البستان ضاحية للشمس ، لا تحجب عنها ، وذلك أجود وأكثر لزيتها ، وقيل : ليست من شجر الغرب ، ولا من شجر الشرق ، بل من شجر وسط الأرض وهو الشام ، وزيته أجود زيت ، وقيل ليست فى موضع تصيبه الشمس خاصة ، ولا موضع يصيبه الظل خاصة ، بل فى موضع يصيبانه ، تصيبه الشمس عند طلوعها وعند غروبها ، فهى شرقية وغربية ، وقيل فى وسط البستان ، وقيل : من شجر الجنة لا فى الدنيا ، وما فى الدنيا غربى أو شرقى لا بد ، أى لا فى شرق الأرض ولا فى غربها . { يكاد زيتُها يضىء ولو لَمْ تَمْسَسْه نارٌ } لشدة صفائه ، الواو الداخلة على لو وأن الوصلتين عاطفة على محذوف مقابل لما بعدهما ، ولو كان لا يذكر ، ولا بأس أن تقول لنا معطوف عليه محذوف أبداً ، وهو هذا الباب ، أى لو مسته نار ، ولو لم تمسسه نار ، ويقال ترتب الجزاء على المعطوف عليه ، يغنى عن ذكره ، حتى إن ذكره كالتكرار ، ولا وجه لجعلها مالية ، لأنه لا خارج للشرط يقيد به فضلا عن أن تكون حالية ، وليست حالية مؤكدة لصاحبها ، أو عاملها ، وقولهم واو الاستئناف وواو الاعتراض ، لأن الاعتراض ليس من معانى الحروف ، ولا الاستئناف كما زعموا ، ولا يصح جعل الجملتين حالا كما قيل ، لأن الشرطية تعطل ذلك . { نورٌ على نُور } أى هو نور عظيم ثابت ، على نور عظيم ، والمراد النور المذكور فى قوله تعالى : { الله نور السماوات والأرض } والمعنى نور مضاعف من غير تحديد ، ومعنى الاستعلاء بعلى الصحبة والترادف بلا غاية { يهدى اللهُ } هداية توفيق ، لا هداية بيان فقط { لنوره مَنْ يشَاءُ } هدايته بالتوفيق وإخلاص العمل { ويضربُ الله الأمثال للنَّاس } من شأنه فى القرآن ضرب الأمثال ، أى وضعها للافهام ، لأن فيها دخلا عظيماً فى الارشاد ، كما برز فى المعنى المعقول فى صورة المحسوس ، لا يخفى أن دلائل الله كالقرآن ، كالنور فى الوضوح والايضاح { والله بكل شىء عليمٌ } من كل من يستحق الهداية التوفيقية ، ومن لا يستحقها ، وما يعقل وما يحس ، وما يظهر وما يبطن .