Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 36-37)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فى بيوتٍ أذنَ الله أن تُرفَع ويُذكر فيها اسمُه يسبِّح له فيها بالغُدو والآصال رجالٌ } فى بيوت نعت لمشكاةٍ ، أو من باب الاشتغال ، والاشتغال أبداً من باب التوكيد ، أى يسبح فى بيوت ، والشاغل ها من قوله : { فيها } كقولك : فى الدار جلست فيها ، وبزيد مررت به ، وذلك من تأكيد الحدث ، وإن أريد تأكيد غيره جعلنا فى بيوت متعلقاً بيسبح المذكور ، وفيها توكيداً لقوله : { فى بيوت } وفى المثال تعلق بزيد بمررت المذكور ، ونجعل به تأكيداً لزيد ، ولا يعترض بأن الضمير ضعيف لا يؤكد الأقوى ، لأنا نقول باب التوكيد أوسع ، يصدق بذكر أدنى شىء ، يستغنى عنه ، بل التوكيد والمؤكد الجار والمجرور لا المجرور وحده ، ولا تتوهم أن الحرف ومجروره بدل من الحرف ومجروره ، بل تأكيد ، كقولك : فى الدار فى الدار ، وبزيد بزيد ، لأن الضمير بمنزلة مرجعه ، ولا تقلد ما يخالف ذلك ، ويبعد تعليقه بيوقد . والمراد ببيوت بيوت مخصوصة ، وهى المساجد الاسلامية فى الأمم السالفة ، وهذه الأمة ومقابلها مساجد الكفر وبيوت السكنى ونحوها ، لا خصوص موضع السجود ، من القدس والمسجد الحرام ، ومسجد المدينة ، ومسجد قباء ، ومعنى { أذن الله ان ترفع } امر بتعظيمها كصيانتها من دخول الجنب والحائض ، والنفساء والأقلف ، والسكران بمحرم ، وعن مسهم إياها ، ولو من خارج ، واستنادهم عليها من خارج ، ودخول الصبيان والمجانين ، وإدخال الميت ، قال صلى الله عليه وسلم : " جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم ، وشراءكم وبيعكم ، وخصوماتكم ورفع أصواتكم ، وإقامة حدودكم ، وسل سيوفكم ، واتخذوا على أبوابها المطاهر ، وجمروها فى الجمع " . وقيل : رفعها بناءها كقوله تعالى : { بناها * رفع سَمكها فسواها } [ النازعات : 27 - 28 ] وقال عز وجل : { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت } [ البقرة : 127 ] ولا يسرف فى تزيين المسجد بالنقش ، وليس ذلك من رفعه المأمور به ، ومن الاسراف نقش جامع قرطبة بالذهب مكتوباً به القرآن كله فى سواريه ، وهى نحو تسعمائة سارية من الرخام الفائق ، وإنفاق الوليد بن عبد الملك فى عمارة جامع دمشق مثل خراج الشام ثلاث مرات ، وروى أن سليمان بالغ فى تزيين بيت المقدس وعمارته ، وأقام فى عمارته كذا وكذا ألف رجل سبع سنين ، ووضع آجره من الكبريت الأحمر على رأس قبة الصخرة ، تغزل النساء فى ضوءها ليلا على اثنى عشر ميلا ، وفعل النبى ليس إسرافاً ، وليس إسرافاً بناء عثمان مسجد النبى صلى الله عليه وسلم بالساج ، وكذا بالغ عمر بن عبد العزيز فى تزيينه ونقشه ، ولم ينههما أحد . وعنه صلى الله عليه وسلم : " ما ساء قوم قط إلاَّ زخرفوا مساجدهم " وعن ابن عباس : أمرنا أن نبنى المساجد جماء ، وجاءت الأنصار بمال فقالوا : يا رسول الله زين به مسجدك ، فقال صلى الله عليه وسلم : " إن الزينة والتصاوير للكنائس والبيع بيضوا مساجد الله تعالى " ومن شأن المسجد أن يعمر صفة الأول حتى يفرغ ، ثم الثانى وهكذا ، وإذا دخل رجل قصد يمين المحراب من الصف الأول ، والثانى يساره ، والثالث مقابله ، والرابع حيث شاء ، ولا يجزى عمارة فى موضع من غير الصف الأول عن موضع فى الصف الأول ، فإذا كان فى اليمين أَحد فى غير الأول ، وجاء آخر قصد اليمين من الأول ، لأن المعتبر فى التقديم هو الأول ، حتى يتم فى صلاة الصف ، وإن كانت فيه محاريب اعتبر الذى يصلى فيه الإمام فى الحال . وقال صلى الله عليه وسلم : " من رأيتموه ينشد شعراً فى المسجد فقولوا له فض الله تعالى فاك ثلاث مرات ، ومن رأيتموه ينشد ضالة فى المسجد فقولوا لا وجدتها ثلاث مرات " ويستثنى شعر العلم والحكمة ، والوعظ والمدح النبوى ، قال صلى الله عليه وسلم : " إذا وجد أحدكم القملة فى المسجد فليصرها فى ثوبه حتى يخرجها " ويمنع من دخول ذى البصل والثوم والكراث والبخر والصنان فى المساجد ، واتخاذها طريقاً ، والمكث فيها ، أو المرور بلا ركعتين ، ومن تعظيمها تقديم اليمنى دخولا ، واليسرى خروجاً . قال بعض الصحابة ، إذا طلع شىء من الصدر أو نزل من الرأس ، ولم يبزقه فى الأرض ، ولا فى ثوبه ، بل بلعه احتراماً للمسجد أدخل الله فى جوفه الشفاء ، وأخرج منه الداء ، وهل له البصاق فى الصلاة فى أرض المسجد يساراً وتحت قدمه ؟ قيل نعم ، ويصلح ذلك بعد السلام ، وقيل لا إلا فى ثوبه ، وعن أبى هريرة مرفوعاً : إن لم يجد موضعاً فى المسجد فليبصق فى ثوبه وليحكه ، والغدو مصدر بمعنى الزمان ، والآصال جمع أصل بمعنى أصيل كعنق وأعناق ، أو جمع أصيل كشريف وأشراف ، على خلاف القياس ، والغدو من أول النهار الى الزوال ، والأصل من الزوال الى الصبح ، وعن ابن عباس : الغدو وقت الضحا ، وأن صلاة الضحا من هذه الآية ، وخص الرجال بالذكر ، لأنهم أحق بعمارة المساجد ، قال صلى الله عليه وسلم : " مساجد نسائكم قعر بيوتهن " . { لا تلهِيهم تجارة } معاوضة بأى وجه { ولا بيْعٌ } تخصيص بعد تعميم أو التجارة المعاوضة بالربح والبيع المعاوضة مطلقاً ، فهو تعميم بعد تخصيص أَو التجارة الشراء لأنه مبدأ لها ، أَو التجارة الجلب ، فلا تخصيص ولا تعميم ، وفى الآية مدح لمن يجمع العبادة والكسب ، ويجوز أن يكون المعنى من لا يتجر ولا يبيع ، فضلاً عن أن يلهيهم ذلك كاهل الصفة ، والأول أولى ، لأنه ظاهر العبارة ، وأهله الفاعلون له أكثر ، وهو قول الحسن البصرى ، إذ قال : كانوا يتجرون ولا تلهيهم تجارة عن ذكر الله تعالى قلت : بل الآية تشملهما بمعنى أنها إما أن تكون ولا تشغلهم ، وإما أن لا تكون . { عنْ ذكر الله } بتلاوة القرآن وغيرها { وإقام الصلاة } فى أول وقتها بالطهارة والخشوع والاخلاص ، والأصل أقوام نقلت فتحة الواو الى القاف فحذفت للساكن بعدها ، ولم تعوض التاء عنها لقيام الاضافة مقامها ، وقيل : بجواز ترك التاء ، ولو بلا اضافة { وإيتاء الزكاة } جزءاً من المال مخصوص من الحبوب الست ، والنقد والأنعام لبلوغ النصاب ، فطاعتهم لا تختص بالمسجد ، وذكرت الزكاة على عادة الله عز وجل فى قرنها بالصلاة ، وكذا خوفهم لا يختص به . { يخافونَ } أينما كانوا { يوماً } هول يوم أو عذاب يوم ، والجملة نعت رجال أو حال من الهاء { تتقلبُ فيه القُلوبُ والأبصارُ } نعت يوماً ، وهو يوم القيامة ، تضطرب فيه القلوب والأبصار ، بتوقع النجاة ، وخوف الهلاك ، والنظر يمينا وشمالاً إذ لا يدرون من أين يؤتون ، ولا فى أى يد يعطون كتبهم ، وبعلم ما لم يعلموا مشاهدة وروية ما لم يروا { وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر } [ الأحزاب : 10 ] وكانه قيل تتقلب فيه القلوب ببلوغها الى الحناجر ، والأبصار بالشخوص والزرقة أَو تتقلب القلوب إلى الإيمان بعد الكفر والإبصار الى العيان بعد انكاره للطغيان { فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد } [ ق : 22 ] .