Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 44-45)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يُقلَّب الله اللَّيل والنَّهار } بالاتيان بأحدهما بعد الآخر ، والزيادة فى احدهما ، والنقص من الآخر ، والضوء فى النهار دائماً ، والظلمة فى الليل أحيانا ، والحر والبرد ، وظهور الكواكب فى أحدهما دون الآخر { إنَّ فى ذلك } المذكور من التقليب والازجاء وما بعده ، وإشارة البعد مع قرب المشار اليه لعلو مرتبة ما ذكر ، ولا بعد فى أول ما ذكر ، لأنه كشىء متصل { لعبرةً } تفكراً يتوصل به الى معرفة وجود الله تعالى ، وكمال قدرته { لأولى الأبصار } جمع بصر بمعنى بصيرة القلب ، وفيه مع الأبصار المتقدم الجناس ، كقوله تعالى : { ويوم تقوم الساعة } [ الروم : 12 ، 14 ، 55 ] مع قوله : { ما لبثوا غير ساعة } [ الروم : 55 ] ولو فسرناه بأبصار الوجه لوضوح الدلالالة ، لكان شبه الابطاء فى القول فى : { والله خلق كلَّ دابَّةٍ } كل حيوان ينتقل الانس والجن والملائكة ، والطير والسمك والأنعام ، والوحش والبغال والحمير ، والخيل والفيل والخشخاش ، وسائر ما فيه الروح ، ألا ترى أن السمك لا يمشى على الأرض ، بل يسبح فى الماء ، والطير إذا نزلت مشت فى الأرض { مِنْ ماءٍ } خلق الله جوهرة ، وخلق فيها تمييزاً ، فذابت ماء من خشية الله ، وخلق من ذلك الماء النار والهواء والنور ، وخلق الملائكة من هذا النور ، وقيل من الريح والجن من النار ، وآدم من طين مشتمل على ماء ، قال الله تعالى : { وجعلنا من الماء كل شىء حى } [ الأنبياء : 30 ] وعيسى خلق من جزء من أمه ، كما خلق حواء من آدم ، وذلك ذكر خلق من أنثى ، وأنثى خلق من ذكر ، وهى أعنى مريم ممن خلق من ماء ، والله نفخ فى ذلك الجزء الروح . { فمنهم } من الدواب ، وقوله : { هم } تغليب للعقلاء { مَنْ يمشى } ينتقل مجاز لعلاقة الاطلاق والتقييد ، أو استعارة للفظ المشى للانتقال ، ولا مانع من أن يقال المشى حقيقة فى الانتقال فى الأرض مثلا ، وفيه استعمال من لغير العاقل ، وذلك تغليب لجانب العاقل المذكور مع غيره بعد { على بَطنِهِ } كالحيات والسمك ، { ومنهم من يمْشى على رجلين } كالانسان والطائر ، وفى الجن أصناف منها ذو رجلين يطير ومنها ما لا يطير ، وغير ذلك ، وكذا فى الملائكة أصناف ، وفى قوله : { هم } وقوله : " من " تغليب للعاقل . { ومنْهُم من يمشى على أربِعٍ } كالأنعام والحمير والبغال ، والخيل والوحش ، ولم يذكر ما يدب على رجل واحدة ، وهو يشبه الانسان ، وما يدب على اكثر من أربع كالعناكب ، وأم الأربع والأربعين ، لأن ذلك شاذ ، ولأنه ليس فى الكلام حصر ولقوله : { يخْلق اللهُ ما يشاء } من الأجسام والأعراض والأشكال والطبائع والقوى ، وفى قوله : " من " تغليب لجانب العاقل فيما قيل للمناسبة ، ولا دليل لمن قال ما يمشى على أكثر من أربع معتمدة على أربع ، فألغى الزايد ثم ظهر أن التغليب فى قوله : { فمنهم } فقط ، والبافى جار عليه . { إن اللهَ على كلِّ شىء } من الممكنات { قَديرْ } وأما غير الممكن ما يناقض صفات الألوهية فمستحيل بالذات ، لتحقق الألوهية ، وإلا ناقضها ، وما لا يناقض فلجعل الله عز وجل له مستحيلا ، فلا يتصور أن يكون غير مستحيل .